شهدت الأسواق المصرية تصعيدا لحملات المقاطعة للمنتجات والشركات الداعمة للاحتلال الإسرائيلي، خلال الفترة الأخيرة. أكد خبراء اقتصاد وسياسيون لــ"العربي الجديد" أن تصعيد حملات المقاطعة للعلامات التجارية والمنتجات الأميركية والغربية الداعمة لعدوان الجيش الإسرائيلي على غزة، جاء ردا على عدم اتخاذ القادة المشاركين في القمة العربية والإسلامية قرارا بقطع العلاقات مع دولة الاحتلال، ووضع سلاح المقاطعة الاقتصادية لمنتجاته والدول الداعمة للحرب، في البيان الختامي الصادر عن القمة مساء السبت الماضي.
اعتبر نشطاء أن تصعيد المقاطعة، يستهدف الضغط على إسرائيل وحلفائها للتراجع عما يرتكبونه من أعمال وحشية ضد المدنيين والأطفال.
من جانبها، أكدت الخبيرة الاقتصادية، نعيمة أبو مصطفى، أن الشعب اختار المقاطعة، لقناعته بأنها السلاح الوحيد الذي يمتلكه في يده، مبينا أن تأثيره لا يقل عن السلاح في يد الجنود بالمعارك. تبين "أبو مصطفى" أن رسالة المقاطعة، تستهدف حرمان الاحتلال من قدراته الاقتصادية التي توفرها لهم بسخاء الولايات المتحدة وحلفائها، مبينا عدم قدرة الداعمين للاحتلال على توفير كل التعويضات التي يتحملها اقتصاد إسرائيل يوميا، والتي تصل إلى مليار دولار أسبوعيا.
تبين "أبو مصطفى" أن نتائج المقاطعة آتت أكلها بالأسواق، على مدار الأسبوعين الماضيين، ظهرت جلية في تراجع المبيعات بالشركات المستهدفة، رغم الدعوات التي يطلقها بعض المسؤولين ورجال الأعمال والإعلاميين، منوهة إلى أن نظرة المستهلكين أصبحت مرهونة بحالتهم النفسية، فهم يرون أشقاءهم في غزة محرومين من المياه والطعام والدواء وسبل الحياة، فأصبحوا مخيرين بين إحياء اقتصاد المعتدي وسبل إنقاذ المحاصرين في غزة من الموت.
يعتبر مستهلكون المقاطعة للمنتجات والدول الداعمة للاحتلال، فرصة للتعبير عن قدرتهم على التغيير باليد والمال، بعد أن فقدوا القدرة على التغيير عبر الأجهزة الرسمية والقنوات السياسية.
يشير طالب بجامعة القاهرة، محمد زين العابدين، إلى ضرورة أن تتحول المقاطعة إلى أسلوب حياة دائم لتأديب العدو على ما يرتكبه في غزة، مؤكدا التزامه مع أصدقائه بعدم التعامل مع العلامات التجارية التي تشمل المطاعم والمأكولات والمشروبات، والمقاهي المنتشرة حول الجامعة، والمناطق التي اعتاد التردد عليها. يأمل "زين العابدين" أن تدفع الخسائر بتلك الشركات إداراتها المركزية بالولايات المتحدة والغرب إلى دفع إسرائيل للالتزام بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ووقف العدوان المتكرر على غزة.
في جولة ميدانية بوسط القاهرة رصدت "العربي الجديد" تراجعا كبيرا بعدد وعروض المحلات التجارية لتخفيضات "الجمعة السوداء" التي تطلقها السلاسل التجارية الكبرى سنويا لمواكبة موسم التخفيضات التي تجريها الشركات الأميركية خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من كل عام. تراجع إقبال الشباب على المقاهي والمطاعم الأميركية، بمعدلات عالية.
أفسحت الإدارات المحلية مساحات واسعة للمقاهي الشعبية المنتشرة في وسط المدينة على مشارف ميادين التحرير وطلعت حرب، والتي لاحقتها الأجهزة الأمنية بعد أحداث 3 يوليو/ تموز 2013.
ورغم حالة الاستنفار الأمني الشديد، وتوزيع عشرات المركبات الشرطية، على مداخل الشوارع الرئيسية لميدان التحرير، خوفا من اندلاع مظاهرات مفاجئة، تحولت تلك المقاهي كبديل لملتقيات الشباب، الذي قاطع العلامات الغربية، وفضل الجلوس على المقاهي الشعبية لطلب مأكولات ومشروبات محلية.
عبر صاحب محل تجاري بوسط المدينة لـ "العربي الجديد" عن فرحته بتراجع المبيعات التي يعرضها بمحله من المنتجات الخاضعة للمقاطعة، مؤكدا رغبته في إنهاء العلاقة التجارية مع تلك الشركات خلال المرحلة القادمة، بعد تصفية حساباته مع الموزعين لتلك المنتجات. يبين التاجر الذي تحتفظ الجريدة باسمه، انخفاضا كبيرا على طلب المشروبات والأغذية الأميركية والفرنسية على وجه التحديد، لافتا إلى أن المستهلك أصبحت لديه قائمه يحملها على هواتفه بالمنتجات الخاضعة للمقاطعة، ويراجع بنفسه السلع المعروضة التي يتشكك في صحة مصدرها، بما يبرز مدى اهتمامه بتقصي مصدر المنتج.
يعتبر التاجر المقاطعة فرصة للشركات الصغيرة والمتوسطة المصرية للنمو، في ظل بحث المستهلكين عن منتجات بديلة، مؤكدا أن الجمهور بدأ يقبل على منتجات قديمة، ظلت بعيدة عن مستوى الطلب، رغم ارتفاع جودتها.
في اتجاه مواز، استبعدت إدارة الملتقى التوظيفي بالجامعة الأميركية شركة "إكسا" الفرنسية للتأمين من قائمة الرعاة لمتلقي التوظيف الذي تنظمه الجامعة بنهاية العام سنويا، استجابة لنداءات طلاب الجامعة بالقاهرة.
دشن الطلاب وسما تحت عنوان" #تأمين_الحياة_وليس_سلبها، وآخر #قاطعوا_ إكسا. أعلن طلاب الجامعة، استمرار حملاتهم ضد الشركة الفرنسية، لحين توقفها بشكل كامل عن "دعمها الاحتلال في تمويل عمليات التهجير وسرقة بيوت الشعب الفلسطيني".
دعت اللجنة الوطنية لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية BDS لحملة موسعة لمطالبة شركات الشحن الوطنية والدولية، مقاطعة السفن وأعمال الشحن البحري التي تقوم بها شركة "زيم" الإسرائيلية، والمكلفة بنقل الأسلحة من أنحاء العالم، إلى الاحتلال. طالب أعضاء الحملة بمقاطعة قنوات عربية تحارب عمليات المقاطعة. يشير أعضاء بلجنة المقاطعة لـ"العربي الجديد" تخصيص الشركات الموجودة في قوائم المقاطعة ملايين الدولارات، لتنظيم حملات إعلانية، تستهدف تعزيز وجودها بالسوق المحلي، وإقناع المستهلكين بوجود آثار سلبية على اقتصاد الدولة، في حالة استمرار عمليات المقاطعة.
يواجه الجمهور حملات الدعاية التي تقوم بها شركات أميركية وفرنسية، عبر وكلائها المحليين، بمزيد من السخرية والتأكيد على نجاح المقاطعة، في التأثير سلبا على الشركات الداعمة للاحتلال. دفعت حملات الدعاية الجمهور إلى مزيد من التشدد، حيث يدعو البعض إلى المقاطعة الشاملة مع البنوك والمؤسسات المالية الغربية. يعتبر نشطاء مقاطعة البنوك أشد وطأة في مواجهة العدوان الإسرائيلي، باعتبارها تمثل قلب الاقتصاد الذي يديره أميركيون وغربيون من ذوي الميول الصهيونية. رفع النشطاء شعارات "لا تدفع ثمن رصاصهم، قاطع بضائع الاحتلال"، و"قاطع من يدعم الكيان الإسرائيلي، لا تكن مساهما بقتل أطفالنا بغزة".
تراجع عدد من رجال الأعمال عن موقفهم المعادي لعمليات المقاطعة. أكد عضو غرفة التجارة دعوات المقاطعة، حازم المنوفي، لـ "العربي الجديد" أن الدعوة للمقاطعة تشهد زخما كبيرا بالأسواق، مبينا أن تأثير المقاطعة طاول 10٪ من حركة المبيعات للشركات المستهدفة، لأن الشركات المحلية لم تستطع تغطية احتياجات السوق بالكامل.
تبرز وسائل إعلام محلية نتائج إيجابية لعمليات المقاطعة، ولأول مرة تفسح صحفا حكومية عدة موضوعات داعمة للمقاطعة، انفردت بأولاها جريدة "المساء" الحكومية، وتبعتها عدة مواقع وثيقة الصلة بأجهزة المخابرات.
انضم أطباء إلى حركة المقاطعة، بدفع الشركات المحلية إلى توفير الأدوية البديلة، مع التزامهم بإقناع المرضى للإقبال على تلك البدائل، وعدم اللجوء للشركات الخاضعة للمقاطعة إلا في حالة الضرورة القصوى، التي تحافظ على حياة المرضى.
من جانبه، قال عضو مجلس النواب السابق، عبد الحميد كمال لـ"العربي الجديد" إنه يعول على دور الشعب المصري والعربي، في أن تساهم المقاطعة الشعبية للشركات الداعمة للاحتلال، في دعم قدرات الشعب الفلسطيني في مواجهة المجازر الإسرائيلية والمدعومة أميركيا ضد المدنيين العزل من النساء والأطفال والشيوخ.