توسعت دائرة مقاطعة السلع والبضائع الفرنسية بتركيا، لتشمل دعوة من أعضاء بجمعيات رجال أعمال ومنظمات اقتصادية وغرفة تجارة إسطنبول وجمعية "أي ها ها" الخيرية التركية، لتنشر الحملة، اليوم، قائمة بالسلع والشركات الفرنسية بتركيا، داعية للمقاطعة وإحلال المنتج التركي أو غير الفرنسي، كما نقل لـ"العربي الجديد" مصدر خاص من جمعية "موصياد".
وعلم "العربي الجديد" من مسؤول بجمعية "يدي هلال" في إسطنبول أن حملات المقاطعة لم تأخذ الشكل الجماعي من الجمعيات الاقتصادية التركية، فبعضها بانتظار اجتماعات مجلس الإدارة أو نتائج التنسيق والإجماع، حتى مع أطراف فرنسية أو شركات تركية بفرنسا، مؤكداً جدوى المقاطعة التي بدأت تأخذ شكلا غير حكومي "بالتدرج" إحجاماً عن شراء المنتجات الاستهلاكية، من أجبان وعطور وتبغ وملابس، وستستمر لما لها من آثار اقتصادية وكتعبير عن الرفض التركي للإساءات.
وفي حين يكشف مصدر من جمعية رجال الأعمال العرب والأتراك "ارتياد" أن الدعوات "فردية ولم تصدر قرارات أو دعوات باسم الجمعيات" حتى اليوم، اعتبر أن "تطور القضية" ربما يؤدي لإصدار شيء رسمي بالأيام المقبلة "لأننا في الجمعية ننأى عن الخلافات السياسية، ولكن حينما يطاول الأمر مصالحنا سنتخذ قراراً علنياً".
يقول مصدر خاص من جمعية "موصياد"، إنه رغم أن معظم العقود الكبرى، طاقة وصناعات، مبرمة بين الحكومة التركية والجانب الفرنسي، إلا أن المقاطعة الشعبية وغير الحكومية سيكون لها الأثر الأكبر، لأنها تبادلات واستهلاك يومي، " ولا نستبعد إرجاء أو حتى إلغاء عقود حكومية، حتى مع شركة توتال للطاقة أو حتى شركات تطوير الأسلحة".
وحول مدى الاستجابة لدعوة الرئيس التركي لمقاطعة السلع الفرنسية، يؤكد المصدر لـ"العربي الجديد"، أن الدعوة تلقى استجابة حزبية وغير حكومية بتركيا، بعد طابعها الشعبي المباشر الذي تجلى بمظاهرات، لكن دعوة الرئيس أردغان لم تكن موجهة للشارع والشركات التركية فحسب، بل للشارع العربي والإسلامي أيضاً، نظراً للموقف التركي الواضح بالتصدي لتمادي الرئيس الفرنسي، حسب تعبير المصدر.
وفي السياق ذاته، يؤكد الباحث التركي وهبي أويصال اتساع الاستجابة بالشارع التركي للمقاطعة، كاشفاً لـ"العربي الجديد"، أن مبيع واستهلاك المنتجات الفرنسية تراجعا هذا الأسبوع، "بحسب استبيانات نقوم بها".
ويضيف أويصال لـ"العربي الجديد"، أنه ليس من منتجات فرنسية بالأسواق التركية "أساسية أو ضرورية"، بل توجد بدائل محلية أو أوروبية، على مستوى الآلات والسيارات، وحتى على صعيد العقود الحكومية بالطاقة والصناعات المشتركة.
وعمم رجال أعمال ومواقع إعلامية تركية، اليوم، قائمة بأهم المنتجات والشركات الفرنسية بتركيا، داعين إلى مقاطعتها، لأن السلع التركية "محاربة بفرنسا" بطبيعة الحال، كما أن الآثار الاقتصادية ستدفع فرنسا للتراجع عن "مواقفها المسيئة للمسلمين والدين الإسلامي".
وتضمنت القائمة التي اطلع عليها "العربي الجديد"، أسماء شركتي الطاقة "توتال" و"ايلف " وماركات لملابس وعطور وإكسسوات وأدوية ومراكز تسوق، مثل "دارفور" و"شامبيون" و"ايندي"، ولم تستثن القائمة شركتي الطائرات "إير فرانس" و"إيربوس" والسيارات وقطع الغيار.
وستتصاعد دعوات المقاطعة، بحسب الاقتصادي التركي خليل أوزون، لأن المظاهرات مستمرة بتركيا، بعدما جاب أتراك وعرب شوارع بإسطنبول، لزيادة الدعوات للمقاطعة والرد على إساءة الرئيس الفرنسي، معتبراً أن الرد الشعبي هو الأساس، لكن دعوة الرئيس أردوغان وموقفه المدافع عن المسلمين، زاد من رقعة الاحتجاج والمقاطعة، لتزداد أكثر بعد الموقف الفرنسي الاستفزازي ورسم الرئيس التركي كاريكاتورياً على غلاف مجلة شارلي إيبدو اليوم.
وحول العلاقات الاقتصادية والسلع الفرنسية بالأسواق التركية والتي يمكن أن تتأثر بالمقاطعة، يشير الاقتصادي التركي إلى أن القصة رمزية ومعنوية أولاً، وهذا لا يعني أن حجم التبادل بين البلدين قليل، بل يزيد عن 15 مليار دولار، والتطلعات بعد زيارة الرئيس أردوغان عام 2018، أن يتجاوز 20 ملياراً، إذ تحتل تركيا المرتبة 12 ضمن المصدرين لفرنسا، والرابعة من خارج الاتحاد الأوروبي وسويسرا، بنسبة صادرات تقترب من 4.5% من مجمل المستوردات الفرنسية.
وتستورد تركيا من فرنسا بعض المواد الغذائية والمشروبات الروحية والآلات الصناعية، فضلاً عن السيارات التي تأتي بمقدمة المستوردات التركية بنحو 1.8 مليار دولار خلال العام الماضي، لكن الميزان التجاري لصالح تركيا، التي صدرت لتركيا خلال العام الماضي بنحو 8 مليارات دولار، بحسب الاقتصادي التركي أوزون.
وتشهد العلاقات التركية الفرنسية توتراً خلال العام الأخير، ما خفض حجم التبادل خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري لنحو 8 مليارات دولار، إثر إغلاقات كورونا وموقف فرنسا الرافض لتنقيب تركيا عن النفط والغاز بالبحر المتوسط، ووقوف باريس العلني ضد ما تراه تركيا حقوقها ومصالحها، سواء بعلاقتها مع ليبيا أو التنقيب عن الثروات الباطنية.
ويرى المحلل التركي يوسف كاتب أوغلو أن دعوة الرئيس أردوغان جاءت كرد فعل على فعل الرئيس الفرنسي وتصميمه على الإساءة والاستمرار بالعناد بدل الاعتذار في محاولة لتصدير أزماته السياسية والاقتصادية، ولم يكن الموقف التركي والدعوة الرسمية بالمقاطعة فعلاً بل رد فعل، رغم المضايقات والتحريض الذي تقوده فرنسا، وخاصة بالنسبة لما يتعلق بحقوق تركيا وأمنها.
ويضيف، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن أثر المقاطعة التركية على فرنسا سيكون كبيرا، لأن المقاطعة تلقى إجماعا شعبيا، كما أن حجم التبادل ليس قليلاً وستضاف خسائر صادرات فرنسا جراء المقاطعة التركية إلى خسائر الدول العربية والإسلامية، بعد الامتداد الشعبي وتعالي صيحات المقاطعة.
ويشير المحلل التركي إلى أن باريس ولو دعت لمقاطعة السلع التركية، فلن تجد دعواتها آذاناً صاغية، لأن المنتجات التركية منافسة ولها مستهلكون فرنسيون ومقيمون، في حين يمكن لبلاده أن تستغني عمّا سمّاها كماليات، إذ تركز المستوردات التركية من فرنسا على العطور ومساحيق التجميل وبعض المواد الغذائية والسيارات، لأن الاستجابة بتركيا شبه عامة للمقاطعة.
ولفت إلى أن الأثر لن ينعكس على المواد الغذائية والتجميلية والعلامات الكبرى، مثل "دارفور" و"كارتان" و"شانيل"، بل سيمتد للشركات الفرنسية العاملة بتركيا، سواء شركتي الطاقة "توتال" و"أوبيت" وشركتي السيارات "بيجو" و"رينو"، بل وحتى القطاعات الحيوية، مثل التسليح المشترك والصناعات الدفاعية، لأن المقاطعة جاءت بأمر رئاسي وستلقى توجيهاً حكومياً.
وحول الآثار السلبية على الاقتصاد التركي جراء الدعوة للمقاطعة السلعية مع فرنسا، يجيب كاتب أوغلو: أولاً لا أتوقع أن تقاطع فرنسا المنتج التركي، بشكل رسمي وعلني، لأنه مطلوب ومنافس، وأعلنت أنها لن ترد بالمثل، ولكن وبكل الظروف ورغم ما يقال عن مقاطعة للسلع التركية بفرنسا ويمكن أن تزداد بعد التوترات، لن يتأثر الاقتصاد التركي، لأنه يوفر البدائل عبر الإنتاج المحلي أو الاستيراد من بلدان حليفة.
وختم بالقول: "بناء على التظاهرات والقبول الشعبي للمقاطعة رداً على الإساءة للدين الإسلامي والنبي الكريم، أعتقد أن الشعب جاهز للتضحية بالسلع الكمالية الفرنسية".