رغم أنه لم يتم بعد الإعلان بعد عن الحكومة الجديدة في إسرائيل، إلا أن تحليل الاتفاقات الائتلافية التي توصل إليها رئيس الوزراء المكلف بنيامين نتنياهو مع الأحزاب الدينية التي ستشارك في الائتلاف العتيد يشي بأن الخزانة الإسرائيلية ستدفع فاتورة باهظة من أجل أن ترى هذه الحكومة النور.
وستنجم الفاتورة الاقتصادية التي ستتحملها الخزانة الإسرائيلية من أجل إفساح المجال أمام الإعلان عن الحكومة الجديدة عن تخصيص موازنات جديدة، إلغاء ضرائب، وتوجهات سياسية وأمنية، وتغييرات إدارية.
وعلى صعيد تخصيص موازنات جديدة، ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن نتنياهو استجاب لطلب حركتي "شاس" و"يهدوت هتوارة"، اللتين تمثلان التيار الديني الحريدي، بتخصيص مبلغ 2.5 مليار شيكل (حوالي 735 مليون دولار) سنويا كدعم لطلاب المدارس الدينية التابعة للحركتين.
إلى جانب ذلك، فإن الحكومة الجديدة تلتزم بتخصيص الموازنات اللازمة التي تضمن مواصلة المدارس الدينية عملها، وضمن ذلك تأمين أجور المدرسين، على الرغم من أن المدارس التابعة للتيار الديني الحريدي غير تابعة لمنظومة التعليم الرسمي ولا تلتزم بتعليماتها.
كما أن الاتفاق مع الأحزاب الحريدية يلغي قرار حكومة تصريف الأعمال الحالية بقيادة يئر لبيد الذي يشترط زيادة الدعم المالي للمدارس الدينية الحريدية بالتزامها بتدريس المواد الأساسية، المتمثلة في: الإنكليزية، الرياضيات، والعلوم، وهو ما ترفضه مرجعيات التيار الحريدي الدينية بشدة.
يشار إلى أن إسرائيل تعاني اقتصاديا بشكل كبير نتيجة رفض المدارس التابعة للتيار الديني الحريدي تدريس المواد الأساسية، ففي تقرير نشرته صحيفة "كلكست" الاقتصادية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أشارت إلى أن إسرائيل تخسر 220 مليار شيكل (حوالي 65 مليار دولار) سنويا بفعل تبعات عدم تدريس المواد الأساسية، على اعتبار أن تدريس هذه المواد يسهم في إعداد أتباع التيار الحريدي للانخراط في سوق العمل، الذي يعتمد بشكل أساس على المجالات التقنية والسيبرانية.
وستفقد إسرائيل عوائد مالية كبيرة نتاج التزام نتنياهو بإلغاء الضريبة التي فرضتها الحكومة الحالية على المشروبات المحلاة بناء على طلب الأحزاب الحريدية، حيث إن الحريديم هم الأكثر استهلاكا للمشروبات الغازية.
إلى جانب ذلك، فإن طابع الوزارات والمؤسسات التي سيشغلها الحريديم في الحكومة القادمة سيفرض تبعات اقتصادية كبيرة، فعلى سبيل المثال تم الاتفاق على أن يتولى الحاخام إسحاك غولدكناف، زعيم حركة "يهدوت هتوراة" الحريدية، وزارة الإسكان، المسؤولة عن تحديد سياسات الإسكان، وضمن ذلك تحديد شروط الحصول على القروض الائتمانية والتسهيلات الأخرى التي يحتاجها الراغبون في الحصول على شقق.
ونظرا لأن معظم الحريديم لا يسهمون في سوق العمل، فإن غولدكناف سيتوسع في منح المنتمين لتياره التسهيلات المالية التي تمكنهم من الحصول على شقق سكنية بشروط مريحة، فضلا عن توجيه المشاريع الإسكانية إلى المناطق الحريدية.
في الوقت ذاته، فإن مشاركة الأحزاب الدينية المتطرفة التي تقدم نفسها كممثلة عن المستوطنين في الضفة الغربية والقدس المحتلة في الحكومة الجديدة ستزيد من حجم المخصصات المالية التي ستوجهها هذه الحكومة لدعم وتطوير المشروع الاستيطاني.
وحسب الاتفاق بين حزب الليكود الذي يرأسه نتنياهو وحركة "الصهيونية الدينية" بقيادة بتسلال سموتريش، فقد تقرر استحداث وزارة خاصة داخل وزارة الدفاع تكون مسؤولة عن الإشراف عن المشروع الاستيطاني وإعداد الخطط الهادفة إلى تعاظمه؛ حيث سيتولى قيادي من "الصهيونية الدينية" هذا المنصب.
إلى جانب ذلك، فإن تولي سموتريتش، الذي يعد من قادة المستوطنين في الضفة، منصب وزير المالية في الحكومة الجديدة سيعزز من فرص توجيه المزيد من الموازنات لتطوير الاستيطان الإسرائيلي والتوسع في تدشين البنى التحتية التي تضمن ذلك.
في الوقت ذاته، فإن منح وزارة "الأمن الوطني" المسؤولة عن الشرطة وحرس الحدود لزعيم حزب "عوتسما يهوديت" (القوة اليهودية) المتطرف إيتمار بن غفير سيزيد من الأعباء الاقتصادية، حيث تعهد بن غفير بتجنيد الآلاف من الشباب لسلك الشرطة وحرس الحدود وزيادة مرتبات عناصر الشرطة بشكل كبير.
إلى جانب ذلك، فإن تحول التهديدات التي يطلقها قادة أحزاب الحكومة الجديدة بتشديد القبضة الأمنية ضد الفلسطينيين في الضفة والقدس وغزة وفلسطينيي الداخل إلى سياسات وإجراءات عملية يمكن أن يفجر الأوضاع الأمنية بشكل يفاقم من حجم الأعباء المالية المترتبة على العمليات الحربية التي ستتخذ لتنفيذ هذه السياسات، لاسيما وأن الأراضي الفلسطينية المحتلة تشهد موجة عمليات، هي الأوسع منذ العام 2015.
من ناحية ثانية، فإن الأحزاب الدينية في الحكومة الجديدة تصر على عدم المسّ بالصلاحيات التي تحوز عليها المؤسسة الدينية الرسمية، التي يطلق عليها "الحاخامية الكبرى"، لا سيما لجهة احتكارها منح التصاريح والشهادات للمؤسسات العامة والمرافق الخاصة التي تقدم الطعام المعد حسب الشريعة اليهودية، مقابل رسوم مادية كبيرة.
وتصر الأحزاب الدينية على وقف تطبيق الإصلاحات التي شرعت الحكومة الحالية والتي هدفت إلى تقليص صلاحيات "الحاخامية الكبرى"، وهذا يعني أن المرافق التي تقدم الطعام مثل المطاعم والفنادق ستزيد من أسعار خدماتها حتى تتمكن من دفع الرسوم العالية التي تطلبها "الحاخامية الكبرى".