تسعى السلطات الكويتية إلى استعادة الاقتصاد عافيته بعد نحو خمسة أشهر من الإجراءات الاحترازية على خلفية جائحة كورونا، من خلال استئناف الأنشطة التجارية وعودة الأعمال في القطاع المصرفي والمؤسسات الاستثمارية. غير أن ذلك لن ينقذ الاقتصاد الكويتي الذي يشهد ركودا غير مسبوق لأسباب متعددة منها استمرار غياب التوافق الحكومي - النيابي بشأن إقرار قانون الدين العام الذي رفضه مجلس الأمة الكويتي.
وفي السياق، ذكر تقرير اقتصادي، صدر أخيراً، أن رفض مجلس الأمة الكويتي إقرار قانون الدين العام، سيتسبب في تداعيات خطيرة، خصوصاً في ظل التدهور الاقتصادي والأزمة المالية التي تعاني منها الحكومة الكويتية على خلفية جائحة كورونا وخسائر الاقتصاد من جراء الإغلاق الإجباري خلال الفترة السابقة والإجراءات الاحترازية واستمرار فرض التجول الجزئي. وأضاف تقرير المركز العربي للاستشارات الاقتصادية في الكويت أن الأزمة المالية الحالية في الكويت تسببت في استنزاف الاحتياطي العام الذي أوشك على النفاد، حيث استمرت الحكومة في السحب من الصندوق ولم يتبق سوى ملياري دولار فقط، الأمر الذي يضع الحكومة أمام خيارات صعبة وقد تضطر إلى تسييل الأصول الخارجية.
وقدر مصدر حكومي لـ “العربي الجديد" صافي الأصول السيادية الخارجية للكويت بنحو 500 مليار دولار، موضحا أن تلك القيمة تتضمن صافي أصول صندوق احتياطي الأجيال القادمة والمقدر بنحو 489 مليار دولار.
وتتزايد قيمة هذا الصندوق باستمرار نتيجة التحويلات السنوية المستمرة بنحو 10 في المائة من إجمالي الإيرادات العامة للدولة التي تقرر إيقافها نتيجة تدهور الوضع المالي للدولة.
وأشار المصدر إلى أن الأصول الخارجية للكويت تتركز في 44 دولة حول العالم وتستحوذ الولايات المتحدة الأميركية على النسبة الكبرى من إجمالي استثمارات الصندوق السيادي الكويتي، بحجم يصل إلى نحو 350 مليار دولار وهي موزعة في الأسهم والسندات، خصوصا سندات الخزانة الأميركية بنسبة 40 في المائة، مقابل 25 في المائة هي حصص في شركات ومصارف أميركية كبرى، و35 في المائة في قطاع العقارات.
كما توجد استثمارات في أوروبا تجاوزت قيمتها 150 مليار دولار. وأضاف أن هناك أصولا خارجية في اليابان ودول آسيا بنحو 60 مليار دولار، وغالبيتها في شركات كبرى تعمل في قطاع السيارات والتكنولوجيا، أما الشرق الأوسط، فتصل إلى نحو 40 مليار دولار، وهي متنوعة في العقار وحصص في شركات مالية وتكنولوجية وأسهم.
الرئيس التنفيذي لشركة "بلوبرينت" القابضة للاستشارات الاستثمارية العقارية البريطانية، مشعل الملحم قال لـ "العربي الجديد" إن الكويت ستقوم بإعادة هيكلة استثماراتها الخارجية، خاصة بعد الضغوط التي تتعرض لها لحل أزمتها المالية لاستمرار دفع الرواتب التي تأتي بالتزامن مع مواجهتها لتفشي فيروس كورونا.
وبحسب بيانات وزارة المالية فإن بندي رواتب العاملين في الجهات الحكومية والدعم المقدم للمواطنين، يشكلان أكثر من 50 في المائة من موازنة السنة المالية الحالية 2020/2021، التي بدأت بحلول إبريل/نيسان، لتبلغ قيمتهما نحو 51 مليار دولار.
وأكد تقرير المركز العربي للاستشارات الاقتصادية أن الإجراءات الحكومية التي اتخذت بشأن تقليص ميزانيات الوزارات والهيئات الحكومية لم تفلح في كبح الأزمة المالية الراهنة، في ظل توقف الأعمال وتراجع الإيرادات المالية نتيجة انخفاض أسعار النفط العالمية ومع زيادة الإنفاق الحكومي لمواجهة تفشي فيروس كورونا في البلاد.
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي الكويتي علي الموسى، إن غياب التوافق بين البرلمان والحكومة بشأن إقرار قانون الدين العام سينعكس سلبا على الاقتصاد الكويتي الذي أصبح على وشك الانهيار نتيجة تداعيات فيروس كورونا وتراجع الإيرادات المالية بسبب انهيار أسعار النفط، محذرا من خطورة تآكل الاحتياطي العام الذي تم السحب منه خلال الفترات السابقة لأسباب عديدة أهمها تفاقم عجز الموازنة وزيادة الإنفاق العام لمكافحة الفيروس في ظل توقف الأنشطة الاقتصادية.
وأضاف الموسى خلال اتصال هاتفي مع "العربي الجديد" أنه في ظل عدم اليقين بشأن قرب انتهاء أزمة جائحة كورونا وفي ظل الأنباء عن الموجة الثانية لتفشي الوباء في العالم والكويت خصوصا، يجب على الحكومة اتخاذ إجراءات احترازية بالتوافق مع البرلمان حتى لا يدخل الاقتصاد الكويتي النفق المظلم، لافتا إلى أن الوصول إلى مرحلة التعافي الاقتصادي سيكون صعبا في ظل غياب التوافق.
وكان وزير المالية الكويتي براك الشيتان قد حذر في وقت سابق من أزمة مقبلة تتمثل في عدم قدرة الحكومة على سداد رواتب الموظفين في المؤسسات الحكومية، لافتا إلى أن السيولة الحالية يمكن أن تغطي الوضع حتى أكتوبر المقبل فقط.
وقال الوزير "على المدى المتوسط والطويل، وفي غياب الاقتراض، سيتعين تطبيق المزيد من إجراءات التقشف على الإنفاق العام"، لافتا إلى أن صندوق الأجيال القادمة قد ينفد، مما يؤثر على رفاهية المواطنين والدولة".
ووفقا لبيانات وزارة المالية الكويتية فإن بند رواتب العاملين في الجهات الحكومية، في ميزانية العام المالي 2020/2021، يبلغ نحو 39 مليار دولار. وأقر البرلمان الكويتي في وقت سابق، قانونا يجعل التحويلات إلى صندوق احتياطي الأجيال القادمة مشروطة بتحقيق فائض بالميزانية، وهو ما سيوفر للحكومة أكثر من 12 مليار دولار من السيولة التي تحتاجها بشدة هذه الأيام.
ورفض مجلس الأمة الكويتي، مشروع قانون الدين العام الذي كان سيسمح للحكومة باقتراض 66 مليار دولار خلال ثلاثين عاما، فيما طالبت اللجنة المالية والاقتصادية في البرلمان الكويتي استمرار دراسته لمدة أسبوعين، في حين قالت النائبة صفاء الهاشم أنه تم رفض قانون الدين العام، بسبب عدم التزام الحكومة بالإصلاحات الاقتصادية.
بدوره، أكد الخبير في الشأن الاقتصادي الكويتي بدر الحميدي لـ "العربي الجديد" أنه لا معنى لإقرار قانون الدين العام من دون خطة إصلاح اقتصادي شاملة وإطلاع نواب مجلس الأمة والشعب على الخطوط العريضة على مستقبل الاقتصاد، وآليات سداد الدين، فضلا عن ضرورة إقرار حزمة التحفيز الاقتصادي ودعم الشركات المتعثرة. ودعا الحميدي الحكومة الكويتية إلى الإسراع في تنفيذ الإصلاح الاقتصادي من خلال تنويع مصادر الدخل وترشيد الانفاق العام ووقف الامتيازات الممنوحة للقياديين في الدولة، ومحاربة الفساد وفرض ضرائب تصاعدية على أرباح الشركات وخفض نسب العلاج بالخارج وتحريك أسعار الوقود وإقرار ضريبة القيمة المضافة وغيرها من الأمور التي قد تساهم في معالجة الوضع المتأزم منذ سنوات وليس خلال الفترة الماضية التي شهدت تفشي فيروس كورونا.
وبحسب وثيقة حكومية اطلعت عليها "العربي الجديد" فإن وزارة المالية الكويتية تتوقع ارتفاع عجز الميزانية العامة في السنة المال ية2020/2021 إلى 47 مليار دولار، في ظل تراجع الإيرادات النفطية والركود الاقتصادي وزيادة الإنفاق لمواجهة أزمة تفشي فيروس كورونا في الكويت.