في وقتٍ لا يزال الأميركيون يعانون من تبعات عام الجائحة الذي شهد فقدان أكثر من 20 مليون مواطن وظائفهم، واضطرار عدد كبير منهم للوقوف في طوابير ساعات من أجل الحصول على وجبة ساخنة، مَثَّل العديد من رؤساء البنوك الكبرى في الولايات المتحدة مشكلة كبيرة يصعب حلها، بعدما شهدت مداخيلهم قفزات كبيرة لا تتناسب مع ما مرّت به البلاد منذ ضربها الوباء الذي تسبب في مقتل أكثر من 600 ألف أميركي.
وبينما ذهب رؤساء أكبر 6 بنوك للإدلاء بشهادتهم أمام الكونغرس يوم الأربعاء، في قضايا ترتبط بالتغير المناخي وحقوق التصويت والعدالة بين المواطنين من أعراق مختلفة، نقلت وكالة "بلومبيرغ" نتائج دراسة صادرة عن محللي شركة "جاني مونتغومري سكوت" للسمسرة في الأوراق المالية تشير إلى ارتفاع الدخل السنوي لغالبية رؤساء البنوك الكبرى العاملة في الولايات المتحدة، خلال العام الأسوأ لمعظم المواطنين في ما يقرب من 9 عقود. وقالت الدراسة إن متوسط نسبة الزيادة في دخل رؤساء البنوك بلغ 26%.
ولم تتعرض غالبية المصارف الأميركية لخسائر كبيرة، رغم وجود مخاوف مع بداية انتشار الوباء في الأراضي الأميركية من تعثر الملايين في سداد أقساط القروض التي حصلوا عليها، إلا أن الحزم الاقتصادية الضخمة التي أقرتها إدارتا الرئيس السابق دونالد ترامب وخليفته جو بايدن ساعدت المواطنين والشركات الصغيرة والمتوسطة على الوفاء بالتزاماتهم، الأمر الذي تسبب في استمرار مؤسسات الإقراض في جني الأرباح وتوزيع المكافآت على رؤسائها.
ولم تفوت لجنة البنوك في الكونغرس الفرصة لتوجيه اللوم إلى بعض من حضروا بسبب ما اعتبروه تجاوزات غير مقبولة في الظروف التي تمر بها البلاد.
في السياق، انتقد شرود براون، رئيس اللجنة، رؤساء البنوك الكبرى بسبب انخفاض معدلات الإقراض خلال أزمة الجائحة، مخصصاً جيمي دايمون، الرئيس التنفيذي لـ"جيه.بي مورغان"، أكبر بنك أميركي، بسبب الفجوة الكبيرة بين ما يتقاضاه وما يتم دفعه من رواتب للعاملين في مصرفه. فقد حصل دايمون العام الماضي على 31.7 مليون دولار.
ودافع الرئيس الوحيد الباقي في منصبه بعد الأزمة المالية العالمية في 2008 – 2009 وصاحب أعلى دخل في القطاع المصرفي الأميركي عن نفسه بتأكيده أن مجلس إدارة البنك هو الذي يحدد راتبه، وأنه يأخذ في الاعتبار عند تحديد الراتب العديد من العوامل، مشيراً إلى أن "البنك يولي عناية فائقة للعاملين به في ما يخص التدريب والرعاية الصحية ومزايا التقاعد".
بدوره، أرجع بريان موينيهان، الرئيس التنفيذي لـ"بنك أوف أميركا"، انخفاض معدلات الإقراض إلى برنامج إقراض الشركات الصغيرة الذي أقرته الإدارة الأميركية وتسبب في تحول تلك الشركات عن القروض التقليدية التي تقدمها تلك البنوك.
وأكد رؤساء البنوك أنهم بذلوا الجهد لمساعدة العملاء والاقتصاد خلال فترة الركود الذي سببه الوباء، حيث قاموا بترحيل مواعيد سداد أقساط القروض للشركات الصغيرة والعديد من الأفراد.
وانتقد رئيس لجنة البنوك في الكونغرس طريقة عمل البنوك التي "تركز على الأرباح قصيرة الأجل، على حساب النمو طويل الأجل للجميع"، مطالباً رؤساءها بـ"الإحسان للأميركيين كما أحسنت الأمة لهم"، ومذكراً إياهم بمليارات الدولارات التي تحملها دافعو الضرائب من أجل إنقاذ تلك البنوك من الإفلاس خلال الأزمة المالية العالمية في 2008".
وقال براون إن "العاملين في تلك البنوك لا يحصلون على أموال دافعي الضرائب عند تعرضهم لوعكة صحية أو فقدانهم لعملهم، وجميعهم يذكرون أن وول ستريت حصلت على تلك الأموال".
وهاجمت اليزابيث وارين، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية ماساتشوستس ومرشح الرئاسة السابق، رئيس مصرف "جيه.بي مورغان" بسبب تحميله العملاء "مبالغ ضخمة رغم الظروف الصعبة وقت الجائحة، ورغم التخفيفات التي أقرها بنك الاحتياط الفيدرالي للبنوك".
وقالت وارين إن بنك "جيه.بي مورغان "حمل عملاءه 1.5 مليار دولار بسبب سحبهم الأموال على المكشوف، أو أكثر من 7 أضعاف ما فرضته البنوك الأخرى على عملائها، ثم لم يقوموا بإلغاء الغرامات التي نصحت الحكومة بإلغائها".
لكن دايمون نفى تلك الاتهامات، مؤكداً أن بنكه أسقط العمولات عمن طلبوا إسقاطها، وقال للسيناتور إن الأرقام التي لديها ليست صحيحة، رافضاً إعادة ما حصله البنك إلى العملاء مرة أخرى.
وبعد أكثر من عام من بدء انتشار الوباء في الأراضي الأميركية، يراقب المشرّعون الأميركيون البنوك بعد تحول قلقهم من الركود الاقتصادي ومعدلات البطالة والإصابة والوفاة إلى ارتفاع معدلات التضخم واضطرار البنوك لاتخاذ خطوات للحفاظ على أرباحها.
ويوم الأربعاء، قالت المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع إن البنوك الأميركية حققت 76.8 مليار دولار من الأرباح خلال الربع الأول من العام، محطمةً كل المستويات القياسية التي تم تحقيقها من قبل. وقال رؤساء البنوك إن مصارفهم تتمتع بمعدلات سيولة عالية، وإن لديها معدلات كفاية رأسمالية جيدة.
وأكدوا أن البنوك لم تواجه أية مصاعب خلال فترة احتدام أزمة الجائحة، إلا أن المشرّعين رأوا أن هذه النجاحات كانت على حساب المواطن، وأن بعضها دُفعت فاتورته من أموال دافعي الضرائب.