تركيا نحو بريكس... رهان على عمالقة الشرق تشوبه مخاطر

10 سبتمبر 2024
أردوغان خلال مشاركته في قمة بريكس بجنوب أفريقيا، 27 يوليو/تموز 2018 (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **توجه تركيا نحو "بريكس"**: تركيا تسعى للانضمام إلى مجموعة "بريكس" (الصين، الهند، روسيا)، مما يعكس تحولاً في سياستها الخارجية بعيداً عن الغرب، وقد يثير قلق الولايات المتحدة.

- **التحديات والفرص**: انضمام تركيا إلى "بريكس" يتطلب تغييراً في استراتيجيتها التقليدية مع الغرب، ويواجه تحديات في التوفيق بين التحالفات المختلفة، لكنه يوفر فرصاً اقتصادية جديدة.

- **التجارة والعلاقات الدولية**: رغم التوجه نحو "بريكس"، تظل التجارة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مهمة، بينما تتنامى العلاقات التجارية مع دول "بريكس" التي تمثل شريكاً اقتصادياً مهماً.

يبدو أن توجه تركيا إلى مجموعة "بريكس" تعدى الرغبة والتلويح للغرب بالاستدارة نحو التكتل الذي يتصدره "عمالقة الشرق" على رأسهم الصين والهند وروسيا، فطلب أنقرة رسمياً الانضمام إلى بريكس وما تلاه من ترحيب روسي وصيني قد يستنفر الغرب، باعتبار أن هذه الخطوة بمثابة انعطاف كبير لأنقرة التي طالما راهنت على مدار عقود على التقارب مع الغرب لحصد مكاسب وتسهيلات.

ويتخوف الغرب، ولا سيما الولايات المتحدة، من تمدد نفوذ بريكس، التي لم تعد قوتها تقتصر على الأعضاء الأصليين، وإنما الأعضاء الجدد من كبار منتجي النفط الذين انضموا مطلع العام الجاري، على رأسهم السعودية والإمارات وإيران، فضلاً عن مصر وإثيوبيا، في وقت تلقي المجموعة 30 طلباً من دول ترغب في الانضمام بينهم ماليزيا وتايلاند، ليتوسع التكتل، سكاناً وقوة اقتصادية، ما يهدد التحالف الأوروأميركي ويزيد من الآمال بكسر أحادية القطب والتحكم الأميركي في المصير العالمي، اقتصادياً وسياسياً وحتى عسكرياً.

طلب تركيا الانضمام إلى هذا التكتل يراه البعض "مجازفة" قد توقع تركيا في التشتت جراء محاولة جمع الأضداد والانقلاب على خطط وهيكلية بنتها منذ تأسيس الجمهورية عام 1923 وخيار التوجه غرباً، في حين يشير آخرون إلى أنها تتناسب مع توجهاتها الجديدة في إطار تطبيق رؤية "قرن تركيا" وهو القرن الثاني للجمهورية وفق المسؤولين الأتراك.

ويقول المحلل التركي سمير صالحة، إن انضمام تركيا إلى مجموعة "بريكس" مسألة معقدة وصعبة، ويتطلب تغيير الاستراتيجية التركية التي بنيت عبر عقود، فالأمر ليس تجارياً وحجم تبادل تجاري مع أوروبا والولايات المتحدة، بل القضية في رأيه، ثقافة أيضاً ونمط وعادات مجتمعية تتراكم منذ تأسيس الجمهورية مع الغرب. ويوضح صالحة لـ"العربي الجديد" أن التحول باتجاه الصين والهند وحتى روسيا وإيران، ليس بالأمر الهين، بل يحتاج إلى نظم وأنماط وخطط، وربما نسف لبعض ما تم بناؤه وفق التحالفات القديمة.

ويضيف أن المواءمة وجمع الأضداد، ليس بالأمر السهل، لأن التباعد والتباين شاهق وسحيق بين التحالفين "الناتو" و"بريكس" وقد تتنازل الدول المؤسسة في بريكس عن شرط انسحاب تركيا من حلف الشمال الأطلسي، لكن ذلك لن يحل التناقض للأبد، لأن بريكس اليوم تحالف تجاري تنموي اقتصادي، ولكن مستقبلاً سيتوسع إلى الآفاق الأمنية السياسية والعسكرية، وقتذاك كيف ستتصرف تركيا وكيف لها مسك العصا من المنتصف، كما أجادتها عبر مراحل واختبارات عدة، كعلاقاتها الطيبة مع روسيا ومع أوكرانيا، رغم العداء والحرب المستمرة بين البلدين؟

لكن المحلل الاقتصادي التركي يلفت إلى أن رفع الاتحاد الأوروبي الجدار في وجه تركيا، لا يجعل من انضمام تركيا إلى بريكس أمراً مقبولاً من الدول الأوروبية أو الولايات المتحدة، والأرجح أن نرى العراقيل، لمجموعة بريكس بأسرها، بعد أن تساهل الغرب وقت بدأت بأربع دول وتتوسع اليوم لتكون أكبر من التحالف الغربي.

تحالفات بديلة لكسر الاحتكار الغربي

ليس من مفاجأة في طلب تركيا الانضمام إلى بريكس ولا حتى في قبولها عضواً كاملاً بعد قمة المجموعة في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، كما يقول المحلل التركي، إيهان يلماظ، "لأن نهج بلاده، بعد وصول حزب "العدالة والتنمية " إلى السلطة عام 2002، على الأقل، هو التنوع بالعلاقات السياسية والاقتصادية، والبحث المستمر عن شركاء جدد، في آسيا وأفريقيا، من دون التخلي عن العلاقات مع دول الاتحاد الأوروبي، ومن يتابع، حتى توطيد العلاقة مع روسيا، العدو الأزلي للعثمانيين، حتى بعد حربها على أوكرانيا، يستنتج النهج التركي".

يضيف يلماظ لـ"العربي الجديد": "لن يُصعق حلف الناتو بالخبر، كما لن يصمت على الأرجح، ولكن هذه حرية تركيا واستراتيجيتها التي تعود عليها بالمصالح وتزيد من تجارتها وأسواقها، متوقعاً عدم الانسحاب من حلف الناتو ولا حتى طلب أعضاء الحلف عدم انضمام تركيا إلى بريكس وإن وصفوها بالابن العاق أو المزاجي، لأن دول الناتو تعلم أنها مقصرة مع تركيا، سواء بعدم تزويدها بالأسلحة المتطورة أو تأييد واشنطن من تراهم تركيا إرهابيين ويهددون أمنها القومي".

ويشير المحلل التركي إلى أن علاقات الدول بتحالفاتها، تختلف عن علاقات الأشخاص، لافتاً إلى أن بريكس قد تكون مصدر تمويل محتملاً لتركيا، يزيد من تحقيقها خطة القرن ووصولها إلى مصاف العشرة الكبار، فالمجموعة تطرح نفسها من خلال بنك التنمية التابع ممولاً بديلاً لصندوق النقد والبنك الدولي اللذين يفرضان شروطاً سياسية ومجتمعية".

وتأسس بنك التنمية الجديد (NDB) التابع لمجموعة "بريكس" في منتصف عام 2014 بواسطة حكومات الصين والهند والبرازيل وروسيا وجنوب أفريقيا. ويهدف البنك إلى تمويل الاستثمارات في البنية التحتية والتنمية المستدامة بشكل كبير.

وتبرز أهمية البنك الجديد للتنمية منظمةً تقوم على مبدأ المساهمة المالية المتساوية والحقوق المتساوية في اتخاذ القرار بين أعضائه الذين يمثلون الاقتصادات الناشئة والنامية. وعلى عكس البنوك الاستثمارية متعددة الأطراف القديمة مثل البنك الدولي، حيث تتمتع الاقتصادات المتقدمة عادة بأغلبية سلطة اتخاذ القرار، فإن بنك التنمية الجديد لا يمنح أي عضو حق النقض (الفيتو) منفرداً.

وفي إطار عملية التوسع، تم قبول بنغلادش ومصر والإمارات العربية المتحدة وأوروغواي أعضاءً جدداً في البنك في عام 2021. وأخيراً، تم إعلان قبول الجزائر عضواً جديداً قبل أيام. ويعتبر المحلل التركي مدير أكاديمية الفكر في إسطنبول باكير أتاجان، أن النظر إلى انسحاب تركيا من الناتو إن انضمت إلى بريكس أو قطع علاقات الغرب معها، هي نظرة انفعالية قلما تتعاطى بها الدول خلال تقييم مصالحها، مشيراً إلى أن بحث تركيا عن أسواق وعلاقات من أبسط حقوقها، بعد المماطلة وعدم إيفاء الوعود بدخول تركيا الاتحاد الأوروبي رغم المفاوضات منذ عام 2005.

ويرى أتاجان أن "التبدلات الدولية، تستوجب ولادة وتقوية تحالفات، لكسر الاحتكار الغربي، التجاري والسياسي والعسكري أولاً، كما أن المؤسسات العالمية التقليدية مثل الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية، والبنك وصندوق النقد الدوليين عفا عن أدوار معظمها الزمن، ولا بد من وجود تحالفات ومنصات بديلة، وفي مصلحة تركيا، التطلع إلى تلك التكتلات الجديدة والانضمام إليها لتحقيق مصالحها، خاصة أنها نقطة قوة بموقعها ضمن طرق التجارة العالمية وكونها تسعى لتكون مصدر طاقة من حيث الإنتاج والتوزيع، وبريكس تمنحها المزيد من الفرص لإقامة علاقات مع الصين وروسيا وإيران وتعزز علاقاتها مع دول المنطقة العربية، التي بدأت بالانضمام".

تجارة مع الغرب لا يستهان بها

لكن حجم التجارة الضخم بين تركيا من جانب والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من جانب آخر لا يستهان به في معيار المفاضلة بين الرهان على بريكس أو الغرب. وتستحوذ التجارة مع الاتحاد الأوروبي على نحو 40% من إجمالي التجارة التركية مع العالم الخارجي، بحسب تصريحات وزير التجارة التركي، عمر بولاط في بروكسل أخيراً، مشيراً إلى أن "تركيا خامس أكبر شريك تجاري للاتحاد".

وتركيا، بحسب نائب الرئيس التنفيذي للمفوضية الأوروبية فالديس دومبروفسكيس، شريك رئيسي للاتحاد الأوروبي، وحجم التبادل التجاري يزداد باستمرار، وصل إلى رقم قياسي بتجاوزه 206 مليارات يورو (226.6 مليار دولار) في 2023. كما يزداد حجم التبادل التركي الأميركي باطّراد، ما دفع الرئيس رجب طيب أردوغان إلى إعلان هدف الوصول إلى تبادلات بقيمة 100 مليار دولار سنوياً، خلال زيارته مجلس الأعمال التركي الأميركي، في نيويورك العام الماضي، من نحو 33.5 مليار دولار في 2023.

لكن تلك الأرقام أو آفاق تطويرها وزيادتها، لا تقارن ربما بالآمال المعقودة على مجموعة بريكس، خاصة إن لم تنقطع علاقات تركيا مع الغرب أو تتراجع تجارتها وعلاقاتها، وفق العديد من المحللين الأتراك الذين استطلعت "العربي الجديد" آراؤهم. فعلاقة تركيا وروسيا التجارية، عدا الارتباطات في مجال الطاقتين الأحفورية والنووية، تبلغ نحو 55 مليار دولار، بينما تتطلع أنقرة إلى الوصول بها إلى نحو 100 مليار دولار، عدا عن روافد مالية أخرى عبر زيارة 7 ملايين سائح روسي.

ومع الصين، تتنامى العلاقات التركية باطّراد، خاصة بعد زيارة وزير الخارجية التركي، هكان فيدان بكين أخيراً والبحث بسبل تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين وزيادة حجم التبادل البالغ 48 مليار دولار عام 2023. والتنسيق لمبادرة الحزام والطريق الصينية مع ما تعرف بمبادرة "الممر الأوسط" التركية، بالإضافة إلى تعزيز التعاون في مجالات الطاقة والطيران المدني والسياحة.

وتغطي دول بريكس نحو 42% من سكان العالم ومساحتها 27% من إجمالي مساحة اليابسة، وتستحوذ على نحو 31.5% من الناتج الإجمالي العالمي بقيمة 27.6 تريليون دولار، وتزيد مساهمات دولها عن 23% من الاقتصاد العالمي، بحسب تقديرات المجموعة عام 2023، مقابل 30.7% لمجموعة السبع (الولايات المتحدة، كندا، فرنسا، المملكة المتحدة، ألمانيا، إيطاليا، واليابان) وفي ما يتعلق بمصادر الطاقة، فإن "بريكس" مسؤولة عن إنتاج 43% من النفط العالمي، بينما تنتج بقية دول العالم 57%، وتستحوذ دول المجموعة على حوالي 25% من إجمالي صادرات العالم. وتعتبر الصين وحدها أكبر مُصدِّر، حيث تمثل صادراتها حوالي 14.5% من إجمالي الصادرات العالمية.

المساهمون