تركيا: حزم ضريبية جديدة ورفع أسعار الطاقة والنقل الجوي

01 اغسطس 2024
وزير المالية التركية محمد شيمشك، إسطنبول 23 مايو 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **حزمة ضريبية جديدة في تركيا**: أعلنت الحكومة التركية عن حزمة ضريبية جديدة تستهدف ذوي الدخل المرتفع لزيادة التحصيل الضريبي وتقليل الإنفاق الحكومي، بهدف كسر نسبة التضخم تدريجياً والوصول بها إلى خانة الآحاد بنهاية عام 2025.

- **تعديلات ضريبية لتعزيز العدالة**: وافقت لجنة التخطيط والميزانية في البرلمان على مشروع قانون لزيادة الضرائب على ذوي الدخل الأعلى وتقليلها على ذوي الدخل المنخفض، مع رفع الحد الأدنى للمعاش التقاعدي إلى 12,500 ليرة تركية.

- **تحديات وتوقعات اقتصادية**: تواجه تركيا تحديات اقتصادية كبيرة، بما في ذلك ارتفاع تكاليف المعيشة وزيادة أسعار الخدمات والطاقة. توقع المحلل باكير أتاجان أن الإصلاحات الضريبية ستساهم في تحسين الاقتصاد التركي، لكنه حذر من رفع أسعار المحروقات بشكل كبير.

حزم ضريبية جديدة تستهدف الأعلى دخلاً في تركيا، إلى جانب رفع نسب ضريبية سابقة، والهدف زيادة التحصيل، بالتوازي مع ضغط الإنفاق الحكومي الذي أعلنه وزير المال، محمد شيمشك، للوصول إلى الهدف الأساسي المعلن، وهو كسر نسبة التضخم في تركيا تدريجياً، والوصول بها إلى خانة الآحاد بنهاية عام 2025.

وأظهر آخر إعلان عن بيانات التضخم في تركيا تسجيل معدل 71.01%، بينما تسعى الحكومة لتحسين سعر صرف الليرة، البالغ اليوم الخميس 33.126 ليرة مقابل الدولار الواحد. لكن التشكيك في نجاعة الخطة الحكومية، لم يزل يشغل كثيراً من الأتراك، جراء دفع الطبقة الفقيرة والمتوسطة ثمن الإصلاحات وأخطاء الماضي النقدية والضريبية، كما يقول الاقتصادي التركي، أوزجان أويصال، الذي حمّل مسؤولية بداية تراجع سعر الصرف إلى "تدخل الساسة والرئيس نفسه بقرارات المصرف المركزي بالماضي"، وتقديم ميزات وإعفاءات ضريبية كبيرة للصناعيين والتجار، "بهدف زيادة الصناعات كمّاً ونوعاً لدعم الصادرات"، فيما لم تزل الضرائب على ذوي الدخول المحدودة كبيرة، وتزداد الأعباء بارتفاع الأسعار.

وتمنى أويصال، خلال تصريحه لـ"العربي الجديد"، أن يحقق مشروع الضرائب الجديد، العدالة ويطاول كبار المستثمرين ورجال الأعمال، وأن يلحظ أصحاب الدخول المحدودة، لافتاً بالوقت نفسه، إلى ضرورة "حرص المشرع التركي" على توفير المناخ الجاذب، ومعتبراً أن استقطاب الرساميل والاستثمارات ملاذ تركيا الأهم، سواء بتحسين سعر الصرف أو تخفيض التضخم، أو الأهم، تخفيض عجز الموازنة العامة المتوقع هذا العام بنحو 2.7 تريليون ليرة تركية، للاستفادة من عودة الثقة الدولية بالمناخ التركي وتحسين التصنيف الائتماني.

وكانت لجنة التخطيط والميزانية في البرلمان التركي قد وافقت أخيراً على مشروع قانون، قدمه حزب العدالة والتنمية الحاكم، يهدف إلى تعزيز العدالة والكفاءة في نظام الضرائب وتعديل قوانينها، وذلك بالتوازي مع إعلان شيمشك أن الحكومة قد أعدت حزمة ضرائب جديدة ترتكز على مبدأ "زيادة الضرائب على ذوي الدخل الأعلى وتقليلها على ذوي الدخل المنخفض"، بهدف تعزيز العدالة الضريبية وضمان مشاركة الجميع في تحمّل الأعباء المالية للدولة، وبالتالي دعم الاستقرار المالي والاقتصادي للبلاد.

وسيركز القانون الجديد على تعزيز جهود مكافحة الأنشطة غير الرسمية، من خلال فرض غرامات صارمة، وسيتولى أكثر من 4 آلاف مراقب ضريبي مهمات التفتيش على مدى العام لضمان الالتزام، مع رفع الحد الأدنى للمعاش التقاعدي إلى 12 ألفاً و500 ليرة تركية (حوالى 380 دولاراً)، من 10 آلاف ليرة (حوالى 300 دولار)، إضافة إلى تعديل الحد الأدنى لضريبة الشركات، حيث ستُفرض ضريبة بنسبة 10% على الشركات المحلية، فيما ستُفرض ضريبة بنسبة 15% على أرباح الشركات الدولية من أنشطتها في تركيا.

ومن المقرر، بحسب مصادر تركية، أن تُعفى الشركات الجديدة من الضرائب لمدة 3 سنوات، مع الحفاظ على حقوق الحاصلين على شهادات حوافز استثمارية. وستُفرض ضريبة بنسبة 30% على أرباح الاستثمارات الكبيرة وأرباح مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، فيما ستقتصر الإعفاءات في المناطق الحرة على إيرادات الصادرات فقط.

وتشير المصادر إلى أن حزمة ضرائب تخص العقارات، يتضمنها القانون الجديد، تتضمن فرض ضريبة عقارية إضافية على من يملكون منزلين أو أكثر، إذ ستتصاعد قيمة الضريبة مع زيادة عدد العقارات المملوكة، وستُفرَض ضريبة على 600 ألف منزل فارغ في تركيا، بهدف تحفيز الملاك على تأجيرها بدلاً من إبقائها غير مشغولة. وسيواجه من يبيعون منازلهم خلال 3 سنوات من الشراء ضريبة مضاعفة، بينما ستفرض ضريبة بزيادة مرة واحدة على من يبيعون خلال 5 سنوات. يشار إلى أن مبيعات المنازل في تركيا تراجعت 5.2% في يونيو/حزيران الماضي مقارنة بالشهر نفسه من العام السابق، بينما انخفضت مبيعات المنازل للأجانب بنسبة 45.1%.

ويرى المحلل التركي، باكير أتاجان، أن تركيا هي الدولة الثانية في ارتفاع العبء الضريبي داخل منظمة التعاون الاقتصادي، ومع ذلك لا تزال نسبة الضرائب المحصلة في تركيا إلى الدخل القومي 20.8%، مقارنة بـ 34% في دول المنظمة الأخرى، و41.2% في دول الاتحاد الأوروبي، بحسب بيانات وزارة المالية، إلا أنه استدرك قائلاً إن "هذا لا يعني رفع الضرائب من دون ملاحظة أمرين"، الأول هو إبقاء عامل الإغراء للمستثمرين وأصحاب الأموال، والثاني عدم تحميل الأعباء المالية للمواطنين والموظفين الصغار، من خلال رفع أسعار عام "خاصة لحوامل الطاقة والنقل".

وتوقع أتاجان خلال تصريحه لـ"العربي الجديد" أن ما يجري من إصلاح ضريبي "مهم وبوقته" لأنه يتناسب مع الخطة الاقتصادية العامة التي أعلنتها الحكومة قبل أكثر من عام، "والتي بدأنا نلمس آثارها تدريجياً، خصوصاً بعد زيادة الثقة بالاقتصاد التركي والتراجع بنسبة التضخم، من نحو 75% إلى 71%". وحذر أتاجان من رفع أسعار المحروقات "بشكل كبير" لأن ذلك سيؤثر في المستهلكين وأصحاب المنشآت، ويزيد تكاليف الإنتاج، ما يؤثر في تنافسية المنتج التركي.

وبعد رفع أسعار المياه والنقل البري الشهر الماضي، بدأت تركيا منذ اليوم، الأول من آب/أغسطس، رفع أسعار بعض الخدمات وأسعار الطاقة، إذ أعلنت الإدارة العامة للطيران المدني رفع السقف لتذاكر الطيران من 3.253 ليرات إلى 4.003 ليرات. وستلتزم جميع شركات الطيران، بما في ذلك خطوط الطيران التركية (THY) وPegasus Airlines، أسعار التذاكر الجديدة. وأعلنت شركة خطوط أنابيب البترول التركية الحكومية "بوتاش"، أنها رفعت، اعتباراً من اليوم، أسعار الغاز الطبيعي بنسبة 38% للاستخدام المنزلي.

وأضافت الشركة في بيان، أنها رفعت أسعار الغاز الطبيعي بنسبة 33.1% للشركات الصناعية الصغيرة إلى المتوسطة، مشيرة إلى أن التعرفة الجديدة ستكون اعتبارًا من اليوم الخميس، ومشيرة إلى أنه لم يُجرَ أي تغيير في سعر الغاز الطبيعي المستخدم لتوليد الكهرباء، أو الغاز الطبيعي المستخدم من قبل الشركات الصناعية التي يزيد استهلاكها السنوي للغاز الطبيعي على 300 ألف متر مكعب.

وتبقى الخشية من زيادة تكاليف المعيشة جراء القانون الضريبي الجديد واستمرار رفع الأسعار، بواقع رفض الحكومة التركية زيادة الحد الأدنى للأجور مطلع الشهر الماضي، لتكون الزيادة عام 2024 لمرة واحدة، على خلاف العامين الماضيين، وقت رفع تركيا الحد الأدنى للأجور، مرتين كل عام.

وكان مركز أبحاث الطبقة العاملة التابع لنقابة العمال (BİSAM) قد كشف خلال تقريره الشهري لشهر يونيو/حزيران 2024، ارتفاع حدود الجوع لأسرة مكونة من أربعة أفراد إلى 19 ألف ليرة، بينما تجاوزت حدود الفقر 65 ألف ليرة، وللشخص الذي يعيش بمفرده، تجاوزت حدود الفقر 30 ألف ليرة، فيما كان الحد الأدنى للأجور نحو 17,002 ليرة.

وكانت مصادر تركية قد نقلت عن رئيس اتحاد نقابات العمال الأتراك، إرغون أتالاي، قوله إن "البلاد تواجه أزمة اقتصادية غير مسبوقة في تاريخها، مشيراً إلى أنها تختلف عن أزمات 1994، و2001، و2008. وأضاف أتالاي خلال تصريحات أخيراً، أن التعامل مع العمال كأنهم عبيد لن يؤدي إلى إصلاح الاقتصاد، محذراً من أن العمال لن يقبلوا بأن تكون تكاليف الإصلاح الاقتصادي على حسابهم، وداعياً الحكومة إلى الكفّ عن هذه الممارسات. 

وأشار أتالاي إلى أن 20% فقط من الشعب التركي يعيشون برفاهية، في حين أن الـ80% الباقية تتحمل العبء الأكبر للأزمة الاقتصادية. وأضاف أن الحد الأدنى للأجور الحالي لا يكفي لتغطية احتياجات العامل لمدة أسبوع واحد فقط، ما يعكس عمق المشكلة الاقتصادية التي تعاني منها تركيا. 

المساهمون