استمع إلى الملخص
- وقع وزير المال التركي اتفاقية مع البنك الدولي لتمويل مشاريع استراتيجية بقيمة 18 مليار دولار، مما يرفع إجمالي التمويل المتوقع إلى 35 مليار دولار، ويعكس ثقة البنك الدولي في الاقتصاد التركي.
- رغم زيادة الديون الخارجية، يرى بعض المحللين أن الاقتراض ليس مشكلة كبيرة إذا استُخدم في مشاريع ذات عائد يفوق سعر الفائدة.
عادت المخاوف من تدخل وصفات صندوق النقد والبنك الدولي إلى الأوساط التركية بعد أن عاودت تركيا الاقتراض من المؤسسات الدولية لتمويل المشروعات الحكومية الكبيرة وسد العجز الذي سببته أعباء الزلزال الذي ضرب البلاد العام الماضي.
وجاءت الاتفاقية التي وقعها أول من أمس وزير المال والخزانة محمد شيمشك مع البنك الدولي لتزيد من "سخط" أتراك رأوا أن العودة إلى زمن القروض بعد التحرر منها منذ عام 2013 سيلقي بتبعاته على الاقتصاد التركي، خاصة من الجانب الاجتماعي، لأن الصندوق والبنك الدوليين يفرضان شروطاً و"وصفات" قبل منح القرض تتعدى السداد والفائدة وخدمات الديون، منها ما يتعلق بعمالة القطاع الحكومي وسياسات الدعم، كما يقول الاقتصادي التركي أوزجان أويصال.
ولا يستبعد أويصال خلال حديثه لـ"العربي الجديد" أن يكون الاقتراض من البنك الدولي متابعة لسياسة الفريق الاقتصادي الحكومي لتحقيق الوعود التي قطعها حول تخفيض نسبة التضخم وتحسين سعر الصرف، و نيل الثقة الدولية "كما رأينا مع وكالات التصنيف الائتماني ورفع سعر الفائدة من 8.5% إلى 50% "، لأن بلاده ليست في ضائقة حقيقية لتعود إلى دوامة القروض، خاصة أن المشاريع المعلنة غير طارئة أو ذات حاجة ملحة.
وكان وزير المال التركي، وخلال زيارته إلى الولايات المتحدة الأميركية للمشاركة في سلسلة من اللقاءات الدولية، قد وقع اتفاقية قرض مع البنك الدولي لتمويل أربعة مشاريع استراتيجية تهدف إلى تعزيز كفاءة الطاقة وإدارة مخاطر الفيضانات والجفاف، ودعم التحول الأخضر، وإعادة بناء المناطق الصناعية في منطقة الزلزال.
وأكد شيمشك، خلال تصريحات أمس، أن البنك الدولي زاد الموارد المخصصة لتركيا بعد الإعلان عن البرنامج متوسط المدى، حيث جرى تخصيص 18 مليار دولار إضافية لتمويل مشاريع التنمية في تركيا، ما يرفع إجمالي المبلغ المتوقع خلال ثلاث سنوات إلى 35 مليار دولار. معتبراً أن الاتفاقيات تؤكد ثقة البنك الدولي في البرنامج الاقتصادي الذي تنفذه تركيا، وأن الجهود مستمرة لزيادة حجم التمويل لمشاريع تنموية تتماشى مع الأولويات الوطنية.
وترجح مصادر تركية أن أعباء الزلزال الذي ضرب تركيا في شباط/فبراير العام الماضي غيّر من القدرات المالية ومخصصات المشروعات الكبيرة، لأن تكاليفه على الميزانية المركزية زادت عن 2.6 تريليون ليرة تركية، بحسب تصريح نائب الرئيس جودت يلماظ أول من أمس.
ويشير نائب الرئيس التركي إلى أن تكاليف الزلزال أثرت بعمق على الاقتصاد والبنية التحتية، وتطلبت جهودًا هائلة في إعادة الإعمار وتعويض المتضررين، فضلاً عن التحوّل الديمغرافي الكبير والتحولات السكانية التي تعمل تركيا لتلافي هذه التحديات وتسعى إلى وضع سياسات تلبي احتياجات البلاد وتضمن استمرارية التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
ويكشف مدير أكاديمية الفكر بإسطنبول باكير أتاجان، لـ"العربي الجديد"، أن القرض الذي وقعه وزير المال أمس بقيمة 1.9 مليار دولار ضمن خطة تأهيل مناطق الزلزال، ليس الأول، فقد حصلت تركيا على قرض من البنك الدولي بقيمة مليار دولار منتصف العام الماضي، وقبله قرض بقيمة 512.2 مليون دولار في سبتمبر/أيلول 2022 لتعزيز المساكن والبنى التحتية ضد الأخطار الطبيعية والمناخية.
وحول عودة تركيا للاقتراض من المؤسسات المالية الدولية بعد تسديدها كامل القروض لصندوق النقد عام 2013 وتحوّلها لدائنة عام 2014، يقول أتاجان إن لتركيا حصة بالمؤسسات الدولية، ومن حسن التصرف الاقتصادي الاستفادة من تلك الحصة ذات الفائدة المنخفضة وطول فترة السداد وفترة السماح من الفائدة، "شريطة عدم فرض شروط" وعلى أن تستخدم الديون بمشروعات ضرورية وذات عائد يفوق سعر الفائدة ". وتابع: "وفلسفة القروض أن تزيد عائدات استخدامها عن فائدتها لا أن تستخدم لتمويل العجز الجاري في الموازنة وتوقع الدول في عجز وخضوع للشروط لاحقاً".
ويفرّق المحلل التركي بين قروض البنك الدولي التي تستخدم عادة للحد من الفقر والتنمية والإعمار "النمو الاحتوائي" وقروض صندوق النقد التي تخصص للدول التي تعاني من مشكلات في ميزان المدفوعات والموازنة العامة للدولة، وترافقها شروط الإصلاح الاقتصادي بصيغة مساعدات فنية. وتركيا، برأي أتاجان، لا تحتاج قروض الصندوق لأنها لا تعاني من مشاكل في الموازنة أو تراجع نسبة النمو، لكن الزلزال ضرب 11 ولاية جنوبي تركيا وتسبب بخسائر هائلة، ولا ضير من الاقتراض من البنك الدولي لإعادة الإعمار أو لتمويل مشروعات خدمية في تلك الولايات.
وعند سؤال مدير أكاديمية الفكر أتاجان عمّا يقال حول استرضاء تركيا المؤسسات الدولية، من خلال رفع نسبة الضرائب وسعر الفائدة وأسعار الطاقة والتراجع عن الدعم، أجاب بالقول إن كل تلك الخطوات ترافقت مع تعيين الفرق الاقتصادي الحكومي، ولا علاقة لها بخطب ود وكالات التصنيف أو البنك والصندوق الدوليين، بل كانت تركيا بأمس الحاجة لعمليات جراحية جريئة، تعيد الاحتياطي الكبير للمصرف المركزي وتحسن نسبة التضخم وسعر الصرف على المديين المتوسط والطويل.
وبالنسبة لابتعاد الحكومة عن تمويل المشروعات الكبيرة ورفع أسعار الطاقة، فتلك ضرورات تفرضها المتغيرات، فتركيا مستوردة بأكثر من 50 مليار دولار من النفط سنوياً وتربط السعر المحلي بالسعر العالمي، كما أنها فتحت المجال واسعاً للاستثمارات الخاصة، المحلية والخارجية، ولا حاجة للاستمرار بالتمويل الحكومي لمشروعات يمكن للقطاع الخاص القيام بها، وأما سعر الفائدة المرتفع، فذلك أيضاً يتناسب مع المستجدات والتضخم وفائض السيولة في السوق.
ورغم عودة تركيا إلى الاقتراض من البنك الدولي وزيادة ديونها الخارجية، لا يرى أتاجان في ذلك مشكلة، ما دامت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي منخفضة، ودول كبرى كالولايات المتحدة نسبة ديونها لناتجها أعلى من تركيا. وبلغت ديون تركيا الخارجية، بحسب بيانات وزارة المال والخزانة عام 2022، نحو 442 مليار دولار، بانخفاض عن بيانات سابقة سجلت 450 مليار دولار، منها 320 مليار دولار ديون طويلة الأجل، و121 مليار دولار ديون قصيرة الأجل. وتبلغ حصة القروض الحكومية ما نسبته 46.5% في حين لا يزال القطاع الخاص يحتل النصيب الأكبر من قيمة الدين الخارجي، بنحو 236.6 مليار دولار وبنسبة 53.5% من إجمالي الدين الخارجي.