يؤكد سوريون من مدينتي الرقة ودير الزور، أن منسوب مياه نهر الفرات، انخفض بمعدل خمسة أمتار لأول مرة في التاريخ، معتبرين أن حجب الجانب التركي لمياه النهر هو السبب، في الوقت الذي تنفي فيه أنقرة ذلك عازية الأمر إلى ارتفاع معدلات الجفاف.
وتراجع تدفق المياه بالنهر الذي يدخل سورية من تركيا إلى أقل من 200 متر مكعب في الثانية، علماً أن الاتفاقية الموقعة بين سورية وتركيا عام 1987، تنص على إطلاق تركيا 500 متر مكعب في الثانية، ليتقاسمها العراق وسورية، بحسب اتفاق عام 1989 الذي ينص على حصة للعراق بنحو 58 بالمائة من مياه الفرات مقابل 42 بالمائة لسورية من أجمالي الكمية التي تطلقها تركيا.
ويدخل نهر الفرات سورية عند مدينة جرابلس بريف حلب ويمر في محافظة الرقة وبعدها بدير الزور ثم يخرج من الأراضي السورية عند مدينة البوكمال ليدخل العراق.
انقطاع التيار الكهربائي
وأدى تراجع منسوب المياه، بحسب مصادر خاصة لـ"العربي الجديد" إلى انخفاض مخزون المياه في بحيرتي سدي تشرين والفرات وأخرج معظم عنفات توليد الكهرباء المقامة على السدين من الخدمة، بسبب عدم توفر المياه، ما زاد من انقطاع التيار الكهربائي بمدن شمال شرقي سورية، التي تسيطر عليها المليشيات الكردية المعروفة بـ"قوات سورية الديمقراطية". ومن بلدة الشميطية بمحافظة دير الزور
يؤكد المزارع أحمد العليان أن موسم القمح تراجع أكثر من 50% بسبب نقص المياه" الذي تزامن مع أزمة تراجع سقوط الأمطار، مشيراً خلال اتصال مع "العربي الجديد" إلى الأضرار الكبرى التي ظهرت في مدينة الطبقة بعد توقف محطات الضخ التي تروي عشرات آلاف الهكتارات المزروعة بالقمح والشعير والقطن.
وبحسب بيانات رسمية، تعاني سورية أزمة نقص المياه خلال السنوات الأخيرة، لذلك اضطر كثير من أهل الريف والمناطق الزراعية للهجرة إلى المدن قبل الثورة السورية عام 2011، حيث وصل خلاله إجمالي استهلاك المياه السنوي في سورية كنسبة مئوية من وارداتها من المياه المتجددة الداخلية إلى 160 في المائة مقارنة بـ80 في المائة في العراق و20 في المائة في تركيا.
وبحسب وكالة "سانا" السورية الرسمية للأنباء، فقد بحث وزير الموارد المائية بحكومة بشار الأسد، تمام رعد مع نظيره العراقي مهدي رشيد الحمداني المستجدات المتعلقة بالإجراءات التركية التي أدت إلى حرمان دولتي المصب سورية والعراق من الواردات المائية لنهري الفرات ودجلة.
وجرى خلال اللقاء الذي جرى عبر تقنية الفيديو، بحث الجهود المشتركة للضغط على تركيا لوقف إجراءاتها على النهرين حيث بيّن الوزير العراقي حجم المعاناة التي يواجهها الشعب العراقي بسبب شح الواردات المائية في نهري الفرات ودجلة بسبب الإجراءات التركية خلال الفترة الماضية، لافتاً إلى قيام العراق بالتحرك على عدة مستويات للعمل على زيادة الإطلاقات المائية في النهرين.
من جهته عرض الوزير بحكومة الأسد، تمام رعد، الجهود التي تقوم بها سورية من خلال التواصل مع الدول الصديقة والمنظمات الدولية للضغط على تركيا، للتراجع عن الإجراءات المضرة بسورية والعراق.
معدلات جفاف مرتفعة
من جانبها، تؤكد تركيا أن تراجع منسوب المياه بنهر الفرات، إنما جاء بسبب الجفاف وتراجع الهطول المطري جنوبي تركيا، كاشفة خلال خريطة نشرتها المديرية العامة للأرصاد الجوية التركية، عن مستوى الجفاف الذي يضرب مناطق جنوبي تركيا المحازية لمناطق شمال شرقي سورية.
وأظهرت الخريطة نسب الجفاف العادية والخطيرة والتي تشكلت على مدار 9 أشهر ماضية، بين يونيو/حزيران 2020 ونهاية آذار/مارس 2021 وأن كلا من مناطق “وان”، “بيتليس”، “شانلي أورفا”، “ماردين”، “ديار بكر”، “شرناق” وغيرها من مناطق جنوبي تركيا، ارتفعت فيها نسبة الجفاف فوق المستوى الآمن “جفاف شديد”.
ونفت مصادر تركية رسمية قطع تركيا للمياه بشكل متعمد أو بناء على أبعاد سياسية، مؤكدة أن ما جرى هو نقص حاد في هطول الأمطار نتج عنه جفاف شديد ضرب الأراضي التركية قبل السورية: "تركيا لم تقطع مياه نهر الفرات كما يدعي البعض دون أي دليل"، مشيرة إلى أن الأيام القادمة ستشهد انخفاضًا في مستوى الجفاف، إثر بدء ذوبان الثلوج مع قدوم فصل الربيع الجاري، ما سينعكس على ارتفاع منسوب المياه.
ومرت قضية مياه نهر الفرات بمراحل وخلافات عدة بين الجانبين السوري والتركي، توجت باتفاقية مؤقتة لتقاسم المياه عام 1987 خلال ملء حوض سد أتاتورك تمتد خمس سنوات، تعهد خلالها الجانب التركي بتوفير معدل سنوي يزيد عن 500 متر مكعب بالثانية عند الحدود التركية السورية بشكل مؤقت إلى حين الاتفاق على التوزيع النهائي لمياه نهر الفرات بين تركيا وسورية والعراق.
ويروي سد الفرات أراضي زراعية تبلغ مساحتها أكثر من 640 ألف هكتار، وتتوزع مشاريع الإصلاح على المناطق غرب وشرق مسكنة باتجاه سهول حلب بمساحة 270 ألف هكتار وحوض والبليخ بمساحة 185 ألف هكتار وحوض الميادين الأعلى بمساحة 40 ألف هكتار وفي حوض الخابور الأسفل بمساحة 70 ألف هكتار وحوض الفرات الأسفل بمساحة 125 ألف هكتار.
وتعتبر مدن الجزيرة السورية "الرقة، دير الزور والحسكة" خزان سورية المائي والغذائي، حيث يزيد إنتاج القمح عن 2 مليون طن والشعير عن نحو 700 ألف طن، فضلاً عن زراعات مروية أخرى، من بقوليات وخضر.
وكان الهدف من بناء سد الفرات عام 1968 ري مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية الخصبة ودرء أخطار فيضانه وخلق مجتمع جديد متطور في منطقة المشروع.