أصبحت الشكوى من تطاير الحصى على السيارات وكثرة الحفر والمطبات وإغلاق بعض الشوارع والطرقات الرئيسية بسبب الأمطار حدثا يوميا في حياة المواطنين والمقيمين في الكويت، الأمر الذي يغذي حالة من الغضب ويفاقم أعباء الحكومة في ظل حالة من الانسداد السياسي. ورغم أن هذه المشكلات بدأت في الظهور بالكويت منذ نحو عشرين عاما، فقد تفاقمت في السنوات الأخيرة وباتت موضوعا للسجال بين نواب البرلمان ووزراء الأشغال المتعاقبين، دون الوصول لحل.
وقالت وزيرة الأشغال أماني بوقماز في مقابلة مع صحيفة القبس في فبراير/ شباط، إن في الكويت نحو 7500 كيلومتر من الطرق الداخلية والسريعة "وللأسف جميعها في أسوأ الحالات" بسبب تطاير الحصى والحفر وغير ذلك.
وشهدت البلاد يومي 26 و27 مارس/ آذار ارتباكا في حركة السير بسبب الأمطار، وأُغلقت بعض الطرق وتعطل وصول الموظفين إلى مقار عملهم. وقررت الحكومة عدم احتساب الغياب أو التأخيرات في هذين اليومين.
وأطلقت جمعية المحامين حملة بعنوان "عيب" لمواجهة تراجع جودة الطرق والبنية التحتية. وقالت في حسابها على "تويتر": "عيب أن تعجز مؤسسات الدولة بكوادرها ومسؤوليها عن حل هذه المشكلة البسيطة لأكثر من 20 عاما".
المناخ الصحراوي
يشير بعض الخبراء إلى أن المشكلة تكمن في مناخ الكويت الصحراوي المتقلب، حيث الحرارة الشديدة في الصيف والبرودة الشديدة والأمطار في الشتاء، وهو ما يؤثر سلبا على الخلطة الأسفلتية.
لكن أستاذ قسم الهندسة المدنية في جامعة الكويت الدكتور محمد الياقوت قال لـ"رويترز"، إن الخلطات الأسفلتية تطورت وأصبحت تتعامل مع الحرارة والبرودة والمطر، لكن استمرار الماء فوق الطرق لفترات طويلة بسبب سوء تصريف الأمطار يؤدي لزيادة سرعة تآكلها.
وأوضح الياقوت أن سبب تطاير الحصى في طرقات الكويت غير معروف على وجه الدقة، لكن هناك أسبابا مرجحة منها احتمال وجود خلل في الخلطة الأسفلتية المستخدمة لاسيما في نوعية الصلبوخ (الأحجار الصغيرة) في هذه الخلطة.
وأضاف الياقوت أسبابا محتملة أخرى من أهمها احتكار مجموعة من المقاولين للعمليات والمشاريع واعتماد هؤلاء على مقاولين من الباطن وصفهم "بالأقل كفاءة منهم"، بالإضافة لعدم دقة الإشراف والرقابة على صيانة الطرق.
وقال مدير مركز الجمان للاستشارات الاقتصادية ناصر النفيسي لـ"رويترز" إن هذه المشكلة تمثل استنزافا لموارد الدولة إذ يتم إنفاق المليارات على الطرق وصيانتها "وكلها تذهب هباء منثورا"، هذا غير الأذى والضرر الذي يلحق بمستخدمي الطرق.
وأضاف النفيسي أن موضوع جودة الطرق لم يعد مشكلة لكثير من الدول الأقل ثروة "وحتى للدول المنهارة والفاسدة والتي تعاني حروبا"، مشيرا إلى أن كلفة بناء الطرق وصيانتها بالكويت الخالية من الجبال يفترض أن تكون متواضعة.
البحث عن حل
وفي محاولة للبحث عن حل للمشكلة ومواجهة الرأي العام الغاضب، اجتمعت وزيرة الأشغال في مارس بممثلين للولايات المتحدة وفرنسا والصين وتركيا وكوريا الجنوبية واليابان وألمانيا للبحث عن حلول للأزمة.
وقال الياقوت إن محاولة إيجاد حل واحد لمشكلة الطرق في الكويت هي تبسيط لمشكلة معقدة لأن التعامل مع الحارة اليمنى غالبا ما يختلف عن الحارة اليسرى رغم أن الطريق واحد، "فما بالك بطريق يمتد لعشرات الكيلومترات فيه اختلافات ملموسة على طول الطريق".
وأشار الياقوت إلى أن عملية الصيانة ليست الحلقة الأسهل في التعامل مع الطرق وإنما هي المرحلة المتقدمة، معتبرا أن "الصيانة عملية علاج لمريض ينبغي تشخيص ومعرفة أعراض مرضه أولا وبشكل دقيق قبل البدء بعلاجه".
وخلال السنوات الماضية تشكلت عدة لجان من وزارة الأشغال وأكاديميين ومهندسين وخبراء لكن نتائج هذه اللجان لم تنعكس على أرض الواقع. وقال الياقوت إن توصيات اللجان غالبا لا يتم العمل بها، مشيرا إلى أن مجموع التوصيات من سنة 2014 إلى 2019 كانت 42 توصية، ولم يُطبق سوى ثلاث منها طوال تلك الفترة.
وتعطل كثير من المشاريع وتوقفت جهود الإصلاح المالي والاقتصادي خلال السنوات القليلة الماضية بسبب الصراع المستمر بين الحكومة والبرلمان، إذ يعتمد تنفيذ الخطط على التوافق بين السلطتين، وهو أمر نادر الحدوث.
وأعلن رئيس الوزراء الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح عن حكومته الجديدة أمس الأحد بعد نحو شهرين ونصف من استقالة سابقتها، ولا يزال الوضع غامضا حول كيفية تعامله مع برلمان 2020 العائد بحكم المحكمة الدستورية رغم حله العام الماضي وإجراء انتخابات في سبتمبر/ أيلول.
وأوضح النفيسي أن استمرار مشكلة الطرق يسيء لسمعة الكويت، الغنية أمام الوفود الأجنبية التي تزورها والتي "تصاب بالصدمة" من حالة الطرق، مبينا أن هذا "الوضع لا يمكن تبريره".
وقال النفيسي إن بقاء ملف صغير مثل هذا دون حل "رغم الصرف الفلكي عليه" يمثل إحراجا للحكومة وللدولة، وسيكون من "الجنون" مطالبة المواطنين بدفع ضرائب على غرار دول خليجية أخرى في ظل الوضع الحالي لأن "الضريبة هي مقابل الخدمة".
ويرى الياقوت أن "المستقبل ضبابي لأنه معتمد على الوزير الذي يأتي لوزارة الأشغال. ولو ذهب الوزير تذهب معه كل رؤيته وخططه وجهوده ونبدأ من الصفر. وهذا ما حصل فعليا مع كل الوزراء خلال السنوات العشر الماضية".
(رويترز)