تدشين رسمي لبيع أصول مصر: صكوك الرهن العقاري

23 فبراير 2023
الحكومة تسرع الخطى لتوفير تمويلات تخفف بها الأزمة الخانقة التي تواجه مختلف القطاعات(Getty)
+ الخط -

احتفت الحكومة المصرية بإصدار أول صكوك إسلامية سيادية بضمان رهون عقارية عامة، بأعلى عائد دولي، بلغ 11.625%، مقابل ضمان وزارة المالية لسداد القرض والعائد السنوي، ولمدة 3 سنوات.

وفي الوقت الذي أكد وزير المالية المصري محمد معيط، الأربعاء، نجاح بلاده في طرح أول إصدار من الصكوك في تاريخ مصر، بطلبات اجمالية بلغت نحو 6.1 مليارات دولار، وهو ما يعادل أكثر من 4 أضعاف قيمة الطرح، وصف خبراء اقتصاد عملية الطرح بأنها بداية تدشين رسمي لبيع أصول الدولة، عبر شركة مساهمة للصندوق السيادي، تمكنت من إبرام صفقة بيع صكوك بقيمة 1.5 مليار دولار، خلال فترة قياسية، عبر بنوك إماراتية ودولية، لسداد 1.25 مليار دولار فوائد ديون مستحقة في نفس يوم البيع للصكوك، قبل أن تدخل الدولة في مرحلة الإفلاس.

والذي يثير قلق الأوساط الاقتصادية، هو معدل الفائدة المرتفع جدا للصكوك البالغ 11.625%، يسدد على 3 سنوات، مقابل سداد دين دولي تم الحصول عليه في هذا التوقيت من العام الماضي بسعر فائدة، 5.57%، تدفع أقساطه وفوائده على 5 سنوات، مع فارق ضمان الرهن العقاري لسداد قيمة الصكوك والفوائد، فإذا ما عجزت الدولة عن سداده، سيتحول الأصل العقاري إلى ملكية خاصة لحائزي تلك الصكوك فور حلول موعد السداد، حسب الخبراء.
اعتبرت الحكومة كثرة الراغبين في شراء الصكوك المطروحة في بورصة لندن، أول من أمس الثلاثاء، إلى ما يوازي 4 مرات لتغطية الطرح، علامة على ثقة المستثمرين في الاقتصاد المصري، وإبداء رغبتها في التوسع بطرح المزيد من الصكوك لمواجهة العجز المتزايد في الدولار، وفي المقابل اعتبره الخبراء كارثة اقتصادية، تحمل الأجيال القادمة قروضا لن يستفيدوا منها، وبيعا لأموال الشعب بأسعار بخسة عبر رهن عقاري، يصدر في شكل صكوك سيادية، إضافة إلى تكلفة الاقتراض المبالغ فيها.

تشير مصادر مسؤولة، رفضت ذكر هويتها، لـ"العربي الجديد" إلى أن الديون المصدرة عبر الصكوك محملة على شركة مساهمة، أسسها صندوق مصر السيادي لتتمكن الدولة من إصدار الصكوك بضمان ملكية الأصول العقارية، على أن تعاد قيمة الأصل إلى الدولة، بعد سداد الموازنة العامة لقيمة دين الصكوك.
وفي هذا السياق، قال خبير التمويل والاستثمار والمصرفي المصري، رشاد عبده، لـ "العربي الجديد" إن الصكوك التي تصدر برهونات عقارية، تعني أن الدولة المصدرة إما متعثرة أو موقفها سيئ، ولا تملك رؤية مستقبلية، لوجود تدفقات نقدية، تسمح لها بدفع الديون أو التزاماتها.
أوضح خبير الاستثمار، أن ارتفاع سعر الفائدة إلى هذا النحو على تلك الصكوك، انعكاس طبيعي للمركز المالي، والأزمة التي يمر بها الاقتصاد حاليا، مشيرا إلى أنه كلما اشتدت الأزمة تدفع المقرض إلى طلب ضمانات وفوائد أعلى من السائدة بالأسواق.
وأوضح أن الدولة ستضطر إلى سداد تلك المستحقات للمقرضين مع تكلفتها العالية، وإلا ستؤول ملكية الأصول المرهونة إلى حاملي الصكوك. أضاف عبده أن ما يحدث من أزمات اقتصادية نتاج طبيعي لما آل إليه حال الاقتصاد الذي يديره أهل الثقة بعيدا عن أصحاب الكفاءات.
طالب خبير التمويل والاستثمار الحكومة أن تتوقف عن الاقتراض بعد أن بلغ حدا يصعب على الدولة تحمل أعبائه، ويحمل الأجيال المقبلة ديونا لا قبل لهم بها، مشيرا إلى ضرورة الحد من الفساد والبيروقراطية والعمل على تسهيل الأعمال للمستثمرين بما يمكن من حل الأزمة الاقتصادية بدلا من التساهل مع معوقي الاستثمار، الذين يبددون القروض.
أرجع مراقبون ارتفاع سعر الفائدة إلى تراجع التقييم السيادي والتصنيف الائتماني للبلاد بشكل خطير، حولها إلى منطقة غير مرغوب فيها وفقا، لمؤشرات مؤسسات التمويل الدولية، مع ارتفاع معدلات مخاطر التأمين على القروض الحكومية.

وخفضت وكالة موديز تصنيف اقتصاد مصر إلى مستوى B3 بدلا من B2، الذي ظلت مصر عليه منذ عام 2013، مع اعتراض مؤسسات التمويل على لجوء الحكومة إلى طرح سندات جديدة بنحو 5 مليارات دولار، خلال العام الحالي، لعدم قدرة الاقتصاد على توليد عوائد كافية لسداد مستحقات الديون، وانخفاض قدرته على امتصاص الصدمات
أدى تراجع التصنيف الائتماني لمصر مع زيادة معدلات الفائدة على الدولار إلى مبالغة مشتري السندات، للحصول على فائدة تعد الأعلى من نوعها على مستوى العالم، بزيادة 725 نقطة، عن المعدلات السائدة بالأسواق الدولية.
كانت الحكومة قد طرحت الصكوك لجمع 1.5 مليار دولار، من أسواق الدين الدولية، لأجل 3 سنوات، بسعر فائدة يصل إلى 11.625%، لسداد ديون مستحقة مقابل سندات، في نفس يوم الإصدار 21 فبراير/ شباط، لجهات دولية، قيمتها نحو 1.25 مليار دولار.
عملت بنوك "سيتي غروب و" كريدي اغريكول" والإمارات دبي الوطني وأبو ظبي الأول وأبو ظبي الإسلامي و"إتس إس بي سي" كمستشاري ترويج لعملية الطرح.
تمكن وسطاء التمويل من جذب طلبات اكتتاب بقيمة 5.8 مليارات دولار وتغطية الطرح بما يعادل 3.5 مرات، بعائد 11.62%.
تأتي الصكوك بعد توقف للحكومة، استمر منذ مارس/ آذار 2022، دفعها إلى توقيع اتفاق ثالث مع صندوق النقد الدولي، يتضمن إعادة هيكلة الدين ومالية الدولة، للحصول على قرض قيمته 3 مليارات دولار، وطرح صكوك قيمتها 3.5 مليارات دولار في الربع الأول من العام الحالي، لسداد ديون مجدولة على الدولة.
يقدر صندوق النقد الدولي فجوة التمويل الخارجي، بنحو 17 مليار دولار سنويا، حتى عام 2026 مدة تنفيذ البرنامج الجديد، مع التزام مصر بسداد 39 مليار دولار قيمة ديون مستحقة بالدولار واليورو، للشركاء الدوليين والخليجيين، منها 1.75 مليار دولار مستحقة هذا العام، و3.3 مليارات بداية عام 2024، ضمن التزامات السنة المالية المقبلة.

أسواق
التحديثات الحية

وكانت الحكومة قد طلبت من وزير المالية محمد معيط ووزيرة التخطيط هالة السعيد التواصل مع مؤسسات دولية خلال مشاركة الوفد المصري، بمنتدى "الحوكمة" الدولي بدبي الشهر الجاري، لحثهم على دعم بيع الصكوك الدولارية، بمبالغ كبيرة ولمدة 3 سنوات، حتى تتمكن الحكومة من دفع فوائد الديون، وعدم ادراجها في قائمة الدول غير القادرة على الوفاء بسداد ديونها، بما يعرضها للإفلاس.
تكشف الصفقة التي قادتها بنوك إماراتية، عن وجود شهية قوية لدى مستثمرين عرب وأجانب على اقتناص صكوك الرهن العقاري، بعد أن تراجع الجنيه إلى مستويات قياسية، تفوق توقعات مؤسسات مالية عالمية، حددت سعره، للعام الحالي، عند 35 جنيها مقابل الدولار.
يشير خبراء إلى اقتناص المستثمرين العرب والأجانب فرصة للسيطرة على أصول مصرية بعد أن انخفض الجنيه إلى القاع، مع عدم قدرة الحكومة على الحصول على قروض غير مشروطة من دول الخليج، وانتهاء زمن القروض الرخيصة والمنح المجانية، التي دفعتها لدعم النظام منذ يوليو 2013.
يتوقع خبير التمويل والاستثمار، وائل النحاس، أن ترتفع الفائدة على السندات أو الصكوك التي ستطرحها الحكومة في الأسواق الدولية خلال الفترة المقبلة، لتزيد عن 12%، متأثرة بتراجع الجنيه، واستمرار الأزمة النقدية، مع توجه الفيدرالي الأميركي إلى زيادة معدلات الفائدة على الدولار، لتصل إلى 6%، مع نهاية العام الحالي.

ويشير في توقعاته لـ "العربي الجديد" إلى أن تراجع التصنيف الائتماني لمصر، سيدفع مشتري السندات والصكوك لطلب زيادة الفائدة بما يزيد 700 أساس عن معدل سعر الفائدة على الدولار، بما يمكن أن يصل بها إلى نحو 13% أو 14%، في حالة وجود سندات منافسة للسندات المصرية في الأسواق الدولية، مع وجود مخاوف محبطة عن التطورات الجيوسياسية بمنطقة الشرق الأوسط، بالمقارنة مع الأسواق الناشئة في أنحاء العالم.

وشدد النحاس على ضرورة بحث الحكومة عن بدائل جديدة للقروض التي تدفعها إلى مزيد من الاستدانة، وتحسين مناخ الأعمال لتنشيط العوائد من السياحة وقناة السويس، والصادرات الصناعية والزراعية، منوها إلى أن الحكومة فقدت قدرتها على الابتكار.

كانت الحكومة قد طلبت من وزير المالية محمد معيط ووزيرة التخطيط هالة السعيد التواصل مع مؤسسات دولية خلال مشاركة الوفد المصري، بمنتدى "الحوكمة" الدولي بدبي


وتسعى الحكومة إلى إنهاء الحالة الضبابية في الاقتصاد وعدم اليقين من قدرتها على إدارة الملف الاقتصادي، في وقت تسعى إلى تطبيق سعر مرن للصرف، يحول في الوقت نفسه دون منع تدهور الجنيه، الذي فقد أكثر من 50% من قيمته، خلال 12 شهرا، 23% منها منذ بداية يناير/ كانون الثاني الماضي فقط.

يمنع صندوق النقد الدولي الحكومة من استخدام الاحتياطات الدولية، والودائع الخليجية، لحماية الجنيه، بما يتيح لها إصدار الصكوك السيادية، مقابل سداد الديون، وبيع الأصول العامة وتوجيه حصيلتها الدولارية، كبديل للودائع الخليجية بالبنك المركزي.

تستهدف الحكومة سد فجوة التمويل التي تحتاجها بالموازنة الحالية، وتجهيز المخصصات اللازمة للموازنة الجديدة، التي يفترض أن يناقشها المجتمع المدني والبرلمان، خلال شهر مارس/ آذار المقبل.

وتوظف الحكومة جزءا من حصيلة التمويل في توفير الدولار للموردين الذين تعالت شكواهم من جديد من عدم قدرة البنوك على تدبير النقد الأجنبي اللازم لدخول السلع الأساسية ومستلزمات الإنتاج من الخارج، بما يمكنه أن يخفف المزيد من الضغط على العملة المحلية.

المساهمون