تحولات استراتيجية في سوق الطاقة.. النفط العربي قلق من خسارة حصته في آسيا لمصلحة الروسي

19 يناير 2023
أكبر ميناء لاستيراد النفط في الصين (Getty)
+ الخط -

أدت الحرب الروسية على أوكرانيا والحصار المالي والعقوبات الغربية القاسية على النفط والغاز الروسيين إلى تحولات استراتيجية في سوق الطاقة العالمية. فقد دفعت العقوبات الشركات الروسية إلى بيع النفط الخام والمشتقات البترولية بأسعار رخيصة للدول الآسيوية، على أمل تعويض خسارة الأسواق الأوروبية والأميركية والغربية. ويتوقع خبراء في الصناعة النفطية أن تؤدي العقوبات الغربية، وخاصة المتعلقة بوضع سقف سعري للخامات الروسية لا يتجاوز 60 دولاراً للبرميل، إلى تحولات استراتيجية تقود إلى خسارة النفط العربي جزءاً من حصته في أهم سوقين لواردات النفط في العالم، هما الصينية والهندية، إذ تفضل الشركات الآسيوية شراء النفط الروسي الرخيص بدلاً من الخامات العربية مرتفعة السعر خلال العام الجاري.

وحتى الآن، لا تمانع الولايات المتحدة في شراء الهند النفط الروسي، حيث إن الهند حليف قوي للولايات المتحدة، وتعوّل على دعمها في حال حدوث مواجهة مع الصين.

من جانبها، تدافع الحكومة الهندية بشدة عن تجارتها مع روسيا، قائلة إنه يتعين عليها الحصول على النفط حيثما كان أرخص. وقال وزير الشؤون الخارجية الهندي، إس. جايشانكار لصحيفة "راجيا سابها"، أمس الأربعاء: "إننا نشتري النفط من مصادر متعددة، لكننا من مصلحتنا شراء النفط الرخيص". وتعمل العقوبات الغربية المفروضة على الوقود الأحفوري الروسي على تسريع التحول في تدفقات الطاقة العالمية، حيث تستفيد الصين والهند بشكل متزايد من الحسومات السعرية الكبيرة على الخامات البترولية الروسية، بينما تقود إلى تراجع حصة واردات النفط العربي في السوق الآسيوية، وتعيد توجيه خاماته لسد نقص البترول ومشتقاته في أوروبا.

لكن أسواق النفط الروسي لا تعتمد فقط على الصين والهند، بل تتمدد إلى باكستان والدول الآسيوية الصغيرة في آسيا، التي تحاصرها أزمة الدولار وتسعى للحصول على النفط الروسي الرخيص، وربما عبر صفقات تبادلية أو حتى الدفع بالروبل. وتسعى روسيا، من جانبها، لكسب هذه الدول سياسياً في صراعها مع الغرب. وبالتالي، يتوقع مراقبون أن تواجه الخامات العربية صعوبة في التسويق والمنافسة في الأسواق الآسيوية خلال العام الجاري.

في هذا الشأن، يقول الباحث بمعهد "بروغيل" للدراسات في بروكسل، سيمون تاغليابيترا: "سيستورد الاتحاد الأوروبي النفط الخام من أماكن أخرى غير روسيا بعد العقوبات". ويضيف: "من المرجح أن تزيد روسيا من صادرات النفط الخام إلى الصين والهند، ما سيقلل الطلب على نفط الشرق الأوسط، وبالتالي، ستحصل أوروبا على مزيد من النفط من الشرق الأوسط وأماكن أخرى".

من جانبها، قالت مديرة في شركة استشارات النفط "إنيرجي أسبكتس"، ومقرها لندن، إنه "حتى لو ارتفعت أسعار الخامات الروسية، فإن الصين والهند ستواصلان شراء النفط الروسي إذا كانت لديهما إمكانية الوصول إلى التأمين الخاص بهما". إذ تشتري الشركات الصينية النفط باليوان الصيني، كذلك فإن الهند تفاوض موسكو على تسديد مشترياتها بالروبل.

على صعيد السوق الصينية، التي تُعَدّ أكبر مستورد للنفط ومشتقاته في العالم، تقول بيانات إدارة الجمارك الصينية إن واردات الصين من الخامات النفطية الروسية تجاوزت السعودية في نوفمبر/ تشرين الماضي، حيث بلغت 1.9 مليون برميل يومياً، بزيادة 16.5% عن مستوياتها في الشهر نفسه من عام 2021، بينما تراجعت واردات الصين من النفط السعودي بنسبة 11.0% إلى 1.61 مليون برميل يومياً.

وبلغ إجمالي الواردات الصينية من النفط في العام الماضي 2022 بأكمله 508.28 ملايين طن، أي ما يعادل 10.17 ملايين برميل يومياً، بانخفاض 0.9%عن عام 2021، وفقاً لبيانات الجمارك الصينية. وحدث الانخفاض بسبب تراجع النمو الصيني إلى 3% بسبب تفشي جائحة كورونا، التي حاصرت الاقتصاد، وأدت إلى إغلاق العديد من الشركات وعرقلة التجارة العالمية. ومعروف أن الصين من الاقتصادات التي تعتمد في نموها على التصدير.

وكشف تقرير صيني، نُشر في ديسمبر/ كانون الأول، أن الصين تواصل تنويع صادراتها البترولية من الدول العربية، لكنها تضع في حسابها احتمال زيادة التوتر مع الولايات المتحدة التي تسيطر بدرجة كبيرة على المضائق والممرات المائية في العالم، خاصة أن قضية "الصين الواحدة"، حيال تايوان، تثير حفيظة واشنطن. وبسبب الافتقار إلى البنية التحتية لخطوط الأنابيب، تستورد الصين نفطها من دول الخليج عبر ناقلات النفط التي تمر عبر كل من مضيق هرمز ومضيق ملقا. ويمكن أن يُغلق المضيقان في حال حدوث توتر عسكري مع الولايات المتحدة. وهذا يعني أن أي عقوبات أو حصار تفرضه القوى الغربية على سفن الشحن المتجهة إلى الصين يمكن أن يهدد إمدادات الطاقة الصينية.

والصين أكبر مستورد للنفط في العالم، حيث تشتري أكثر من 70% من إمداداتها من الخارج، بعد أن تجاوزت الولايات المتحدة في عام 2017. وحوالى نصف هذا النفط يأتي من السعودية ودول الخليج.

وحسب بيانات "أويل برايس"، اشترت الصين نحو 47% من احتياجاتها البترولية من المنطقة العربية في عام 2020، بقيمة 176 مليار دولار. وكانت السعودية المورد الرئيسي لهذا النفط، حيث وفرت نحو 15.9% من إجمالي واردات الصين من الخام في عام 2020، بتكلفة نحو 28.1 مليار دولار، ثم جاء في المرتبة الثانية العراق ثم عمان والكويت والإمارات، كذلك تستخدم الشركات الصينية حيلاً لتفادي الحظر الأميركي على طهران، وتستورد كميات من النفط الإيراني بأسعار رخيصة.

وبالنسبة إلى السوق الهندية، وحسب بيانات شركة "فورتكسا" اللندنية التي تراقب شحنات النفط العالمية، ظلت روسيا أكبر مورّد للنفط إلى الهند للشهر الثاني على التوالي في نوفمبر/ تشرين الثاني، متجاوزة بذلك العراق والسعودية. وتضاعفت مشتريات الهند من النفط الروسي 33 مرة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي مقارنة بمشترياتها في الشهر نفسه من عام 2021، إذ بلغت 1.2 مليون برميل يومياً. وواصلت المصافي الهندية تكرير الخام الروسي الرخيص منذ غزو أوكرانيا.

ويرى محللون أن الزيادة الحادة في ديسمبر حدثت نتيجة تعميق الحسومات السعرية على النفط الروسي بسبب العقوبات الإضافية التي فرضتها مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي، بما في ذلك الحد الأقصى لسعر البرميل عند 60 دولاراً. في هذا الشأن، قالت المحللة الرئيسية في آسيا لدى فورتكسا، سيرينا هوانغ: "من المحتمل أن تكون روسيا قد عرضت خامها بحسم جذاب لمصافي التكرير الهندية، التي تجاوزت الصين في ديسمبر كأكبر مستورد للخام الروسي". وأضافت أنه إلى جانب خام الأورال، كثفت الهند وارداتها من الخامات الروسية الأخرى، مثل "أركو "و"سخالين" و"فاراندي"، في الأشهر الأخيرة. وحسب بيانات "أويل برايس"، بِيع خام الأورال في الأسبوع الماضي بسعر 38 دولاراً للبرميل، وهو سعر جذاب للشركات الهندية.

وتستورد الهند أكثر من 85% من احتياجاتها النفطية من الخارج، ومنعت الحكومة المصافي من رفع أسعار الديزل والبنزين منذ مايو/ أيار الماضي. وبالتالي، ستكون مضطرة أكثر إلى شراء أكبر كميات متاحة من النفط الروسي الرخيص. وتناقش الهند حالياً صفقة شراء النفط الروسي بالروبل.

ولاحظ محللون غربيون أن السوق الأوروبية قد تواجه نقصاً في شحنات الخامات الأميركية خلال العام الجاري، وقد تتناقص تدريجياً في العام المقبل بسبب المتاعب التي تعاني منها صناعة النفط الصخري في أميركا. وبالتالي، سيكون ذلك في مصلحة الخامات العربية التي من المحتمل أن تُحاصَر في آسيا.

المساهمون