مع بقاء أقل من أسبوعين على انتخابات الرئاسة الأميركية في الثالث من نوفمبر/ تشرين المقبل، لا يزال مرشح الرئاسة الديمقراطي جو بايدن يتقدم في استفتاءات الرأي بنحو 9 نقاط على الرئيس دونالد ترامب، وبالتالي فإن أسواق المال والطاقة باتت تضع في حساباتها وصول إدارة سياسية جديدة للبيت الأبيض، ولكنها لم تستبعد تماماً حدوث مفاجأة تقلب طاولة التوقعات ويفوز ترامب بدورة رئاسية ثانية.
"العربي الجديد" ترصد هنا تأثير السياسات الاقتصادية والمالية لكل من ترامب وبايدن على المسرح الأميركي والعالمي بما فيها العربي، خاصة القضية الأهم المتعلقة بمستقبل الطاقة داخل الولايات المتحدة في ظل تعارض الرؤى بين المرشحين.
على صعيد سياسات الطاقة الأميركية فهي تعد من أكثر المواضيع المثيرة للجدل في الولايات المتحدة وذات تأثير مباشر على المنطقة العربية التي تعاني منذ سنوات من انهيار أسعار النفط وتأثيراته السالبة على المداخيل المالية، وبالتالي على العجز الإنفاقي في الميزانيات الخليجية والاقتصادات العربية غير النفطية التي تستفيد من تحويلات المغتربين والتمويلات المباشرة وغير المباشرة من دول الخليج النفطية.
وتتراوح قراءات برنامج الطاقة المتجددة الذي يقترحه بايدن بين من يرى أنه سيفيد صناعة النفط العربية، وبين من يرى أنه سيضرها على المدى الطويل، لأن التحول الأميركي في مجال الطاقة سيتبعه تحول في بقية الدول الصناعية الكبرى في أوروبا وآسيا.
على صعيد تداعيات سياسة الطاقة للمرشح بايدن، يتوقع خبراء أن تكون صناعة النفط الصخري الأميركي وأسعار النفط العالمية أولى ضحايا فوز بايدن، إذ يطرح المرشح الديمقراطي خطة الطاقة المتجددة بديلاً للطاقة التقليدية المعتمدة على النفط ومشتقاته، كما يخطط لتقييد إجراءات الكشوفات النفطية في الولايات المتحدة وحظر التنقيب في المحميات الطبيعية، وهي سياسات لا تعجب الشركات النفطية الأميركية، ولكنها تحظى بقبول شعبي كبير في العديد من الولايات الكبرى في أميركا وتكسبه أنصار البيئة في هذه الانتخابات.
وحسب برنامجه، يخطط بايدن لإنفاق 1.7 تريليون دولار على مشروعات الطاقة المتجددة أو الطاقة النظيفة خلال 10 سنوات، كما يقترح تسريع عجلة تحويل المركبات العامة والسيارات الخاصة في أميركا من الوقود التقليدي المعتمد على المشتقات النفطية إلى الخلايا الكهربائية وتوليد الطاقة من الطاقة الشمسية والرياح والمصادر البيولوجية، كما يدعم بايدن اتفاقية باريس للمناخ خلافاً للمعارضة الصارخة من الرئيس ترامب الذي انسحب منها واصفاً نظرية "التسخين الحراري بالوهم الذي لا تدعمه الحقائق العلمية".
على صعيد إيجابيات خطة بايدن للطاقة المتجددة، يرى مات بريديرت الخبير الاستثماري بشركة " إيكو فن في لندن" أن خطة بايدن للطاقة النظيفة ستغير سلوكيات المستهلك الأميركي من دون أن تضيف كلف مالية جديدة لميزانيته المعيشية.
وقال بريديرت "المستهلك الأميركي لن يدفع مقابل تنفيذ خطة بايدن للطاقة الخضراء، وذلك ببساطة لأن كلف الطاقة الخضراء وأسعار السيارات الكهربائية تواصل الانخفاض".
من جانبها، ترى وكالة موديز الأميركية للتصنيف الائتماني، أن خطة بايدن للطاقة المتجددة ستوفر 8.8 ملايين وظيفة جديدة للاقتصاد الأميركي خلال 10 سنوات. كما قدرت كلفة تنفيذ الخطة للخزينة الأميركية بنحو 490 مليار دولار، معظمها سيكون خلال الدورة الأولى لرئاسته، إضافة إلى الإعفاءات الضريبية لمشتري السيارات الكهربائية والتي تقدرها بمبلغ ضئيل لا يتجاوز 360 مليون دولار سنوياً.
وفي ذات الصدد يدعم كبير خبراء أبحاث الطاقة بمركز الطاقة العالمي بجامعة كولومبيا الأميركية، جوليو فريدمان، خطة بايدن، ولكنه يرى أن نجاح وفعالية الخطة يعتمد على سرعة تطوير البدائل المقترحة للمشتقات البترولية.
من جانبه، يقول الخبير لوقان سكوت إن فعالية خطة مرشح الرئاسة الديمقراطي ونجاحها سيعتمدان على انخفاض أسعار السيارات الكهربائية.
وحسب تحليل في معهد هوفر الأميركي للأبحاث تذهب خطة بايدن في مشاريع الطاقة النظيفة إلى أبعد من المقترحات التي وضعها الرئيس السابق باراك أوباما لخفض التلوث والانبعاث الحراري.
وترى دراسة أصدرها معهد "هوفر انستيتيوشن" يوم الأحد الماضي، أن أجندة بايدن الاقتصادية ستكون مكلفة للاقتصاد الأميركي، إذ إنها ستخفض إنتاجية المصانع الأميركية بمعدل يتراوح بين 1% إلى 2%، كما ستحتاج إلى استثمارات جديدة مكلفة للاقتصاد الأميركي.
وبناء على هذه التغيرات في استهلاك الطاقة التي يخطط لها بايدن، من المتوقع أن ينخفض الطلب على النفط في أميركا وكذلك الإنتاج، خاصة بالنسبة للآبار النفطية التي ترتفع كلفة إنتاج البرميل فيها إلى أكثر من 40 دولاراً.
لكن في المقابل، فإن انهيار صناعة النفط الصخري ربما ستكون مفيدة للمنتجين الآخرين، خاصة في المنطقة العربية التي لا تعتمد في صادراتها على السوق الأميركي، وإنما تذهب معظم الصادرات إلى السوق الآسيوي.
على صعيد سلبيات خطة الطاقة المتجددة، يرى معارضوها أنها ستنهي ثورة النفط الصخري التي جعلت من أميركا دولة مكتفية ذاتياً من النفط، وبالتالي ساهمت في تعزيز "أمن الطاقة الأميركي".
ويشيرون في هذا الصدد، إلى أن هذه السياسة ستعيد أميركا إلى استيراد الخامات النفطية مرة أخرى من دول الخليج والمكسيك وكندا، والاعتماد أكثر على الخامات الثقيلة التي ترتفع فيها نسبة الكبريت وثاني أكسيد الكربون مقارنة بالنفط الصخري الخفيف الأقل تلويثاً للبيئة الذي ينتج حالياً بالولايات المتحدة.
في هذا الشأن يقول رئيس شركة "ريليانس ويل سيرفس" بولاية بنسلفانيا، دان دويل، في مقال تحليلي بنشرة "أويل برايس"، في حال فوز بايدن، فإن "صناعة النفط والغاز الأميركية ستواجه إجراءات مقيدة في الكشوفات والتطوير أكثر قسوة من تلك التي واجهتها الصناعة النفطية على أيام الرئيس باراك أوباما".
ويتخوف دويل من عدم إكمال بايدن الذي يعاني من مشاكل صحية دورته الرئاسية وتحول الحكم إلى نائبته كامالا هاريس والمجموعة اليسارية المتطرفة في الحزب الديمقراطي التي تقودها أوكاسيو كورتيز، التي تكنّ كراهية شديدة للصناعة النفطية وأصحاب الثروات.
ويشير دويل في تحليله، إلى أن تطوير البدائل للمشتقات النفطية سيأخذ عقوداً، وأن أميركا خلال هذه الفترة الانتقالية ستحتاج إلى تلبية متطلباتها من الطاقة عبر الاستيراد، وبالتالي فإن سياسة الطاقة المتجددة التي يروّج لها بايدن ستدمر صناعة النفط الصخري الأميركية بينما ستفيد صناعة النفط العالمية، إذ إنها ستسحب من السوق الإنتاج الأميركي.
كما يقول دويل في انتقاده برنامج الطاقة المقترح من قبل الحزب الديمقراطي أنه "سيوقف ضخ الاستثمارات في الصناعة النفطية، وهذه الاستثمارات هي التي تمول عملية الكشوفات والاستخراج النفطي". كما يشير إلى أن تدمير الصناعة النفطية الأميركية سيعني خسارة مئات الآلاف من الوظائف في أميركا.
على صعيد سياسة الرئيس ترامب للطاقة، فإنه حتى الآن لم يطرح في برنامجه الانتخابي خطة جديدة للطاقة، وإنما قال إنه سيستمر في تنفيذ سياساته الحالية. وهي سياسات تركز على فتح المزيد من الأراضي والمحميات الطبيعية الأميركية أمام الكشوفات والحفريات النفطية بما في ذلك المحميات الطبيعية في ولاية آلاسكا.
وكان ترامب قد انسحب من اتفاقية باريس للمناخ في العام الأول من دخوله البيت الأبيض في عام 2017، ووصف خطط الرئيس باراك أوباما للطاقة بأنها "انتصار للتطرف مقابل صوت العقل ورفعت أسعار الطاقة إلى أعلى مستوياتها في البلاد".
وبالتالي فإن الصناعة النفطية ولوبياتها في واشنطن تتخوف من فوز جو بايدن في الانتخابات المقبلة، وربما سيقودها ذلك إلى دعم ترامب على الرغم من عدم الرضا عنه بسبب فشله في معالجة أزمات النفط الصخري وإفلاس شركاته.