أكد خبراء اقتصاد ورجال أعمال، أن رفع تملك المستثمر غير القطري في رأسمال العديد من الشركات المدرجة في بورصة قطر يعد خطوة متقدمة تدعم قواعد الحوكمة لدى الشركات القطرية، من أجل دفع عجلة التنمية الاقتصادية، وجذب استثمارات أجنبية في الأنشطة والقطاعات الاقتصادية والتجارية، ما يساهم في تحقيق التنوع الاقتصادي، ورفع مؤشر الثقة والأمان الاستثماري في الدولة الخليجية التي تتربع على عرش الغاز الطبيعي المسال في العالم.
ويرى هؤلاء الخبراء أن زيادة نسبة المستثمر غير القطري في رأسمال الشركات لتصل إلى 100%، لا تدخل في إطار الخصخصة، التي تهدف إلى عملية تحويل كلي أو جزئي لملكية رأسمال الشركات العمومية إلى القطاع الخاص، عن طريق البيع المباشر أو بوساطة الأسواق المالية، لأن الخصخصة لا تنسجم مع رؤية قطر في إستراتيجيتها الاقتصادية، إذ لا يوجد لدى الدولة أية قطاعات متعثرة أو تُكبد الحكومة خسائر مالية كبيرة.
وشددوا على أن ما يحصل هو مسعى جيد لجذب المزيد من المستثمرين الأجانب للسوق القطرية، بمختلف قطاعاتها، الصناعية، والمصرفية والمالية والتأمين وغيرها، بهدف تحقيق التنوع في المصادر الاقتصادية، لاسيما في القطاعات غير النفطية.
وحققت دولة قطر طفرة في الاستثمار الأجنبي المباشر، وجذبت في العام الماضي 29.78 مليار دولار، وفقا للتقرير السنوي لوكالة ترويج الاستثمار القطرية.
وشهد عام المونديال إطلاق 135 مشروعا جديدا ضمن مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر، ساهمت في خلق 13,972 وظيفة جديدة، وهو ما ضاعف حجم الإنفاق الرأسمالي للاستثمار الأجنبي المباشر بنحو 25 مرة، كما تضاعف عدد الوظائف التي استحدثت مقارنة بعام 2021.
وكشف التقرير عن إطلاق أكثر من 800 مؤسسة تجارية أجنبية جديدة من خلال منصات ترخيص الأعمال.
حوافز للأجنبي بعيدا عن الخصخصة
واعتبر رجل الأعمال القطري، علي حسن الخلف، في حديث مع "العربي الجديد"، أن إقرار تملك غير القطريين في رأسمال الشركات بنسبة 100%، "من حقهم"، مؤكدا أنه عامل جاذب للاستثمارات وينشط السوق المالي، ولا يشكل عبئا على المواطنين، لأن الشركات قائمة في قطر أصلا، كما أن المستثمرين القطريين يستحوذون على نسبة كبيرة من ملكية أسهم شركة الكهرباء والماء القطرية وغيرها.
وحول الخصخصة، يرى الخلف أن السماح للأجنبي بالتملك الكامل في رأسمال الشركات في قطر لا يعني الخصخصة، بقدر ما هو مسعى لتوسيع قاعدة الاستثمار الأجنبي، وزيادة حجم التداول في السوق المالية، مشيراً إلى أن شركة اتصالات قطر التي غيرت اسمها من"كيوتل" إلى "أُريدُ" وكانت مملوكة للدولة، أدرجت في بورصة قطر، وكذلك جرى إدراج شركة "مسيعيد للبتروكيماويات القابضة"، وهذا ليس خصخصة وإنما بهدف زيادة حجم السوق المالي والاستثمار في البلاد.
استقطاب رؤوس الأموال
ويقول الخبير الاقتصادي، مراد كواشي لـ"العربي الجديد إن رفع نسبة تملك غير القطريين إلى 100% في العديد من الشركات من مختلف القطاعات، يدخل في إطار استراتيجية جديدة تتخذها الحكومة من أجل رفع مستوى الاقتصاد القطري، واستقطاب أكثر لرؤوس الأموال الأجنبية، عبر تحسين بيئة الأعمال والانفتاح أكثر على الاقتصاد العالمي والأسواق المالية العالمية.
وأشار إلى أهمية توفير تدفقات رأسمالية، واعتبرها محاولة لاستغلال الأوضاع العالمية، فالأسواق الأوروبية والأميركية، كما يقول، أصبحت أقل جاذبية، مؤكدا أنه خلال الأشهر الماضية أصبحت دول الخليج، وقطر خاصة، ملاذا آمنا لرؤوس الأموال العالمية، وبالتالي تسعى الحكومة القطرية من خلال هذه القرارات إلى استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية، والانتقال من سوق المال القطرية إلى مصاف الأسواق المتقدمة، على المدى المتوسط.
واعتبر كواشي الاقتصاد القطري، أكبر اقتصاد عربي منفتح، تتوفر فيه ضمانات قانونية للاستثمار، متوقعا أن يشهد على المدى القصير، تدفقا لرساميل أجنبية خاصة في القطاعات الهامة والاستراتيجية، سواء المالية والبنوك والتأمين أو الصناعات التحويلية، مشددا على أن ذلك سيصب في صالح قطر بالدرجة الأولى، والمنطقة برمتها بالدرجة الثانية.
ونص قانون تنظيم الاستثمار غير القطري الصادر عام 2019، على إعفاء مشروعات الاستثمار غير القطري من الرسوم الجمركية على وارداتها من الآلات والمعدات اللازمة لإنشائها، كما تُعفى مشروعات الاستثمار غير القطري في مجال الصناعة، من الرسوم الجمركية على وارداتها من المواد الأولية والمواد نصف المصنعة اللازمة للإنتاج، والتي لا تتوافر في الأسواق المحلية.
ولا تخضع الاستثمارات غير القطرية، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، لنزع الملكية أو لأي إجراء ذي أثر مماثل، ما لم يكن ذلك للمنفعة العامة، وبطريقة غير تمييزية، ولقاء تعويض عادل ومناسب وفقاً لذات الإجراءات المطبقة على المواطنين.
وحسب القانون نفسه، يتمتع المستثمر غير القطري بحرية القيام بجميع التحويلات الخاصة باستثماراته من وإلى الخارج دون تأخير، ويشمل ذلك عائدات الاستثمار، وحصيلة بيع أو تصفية كل أو بعض الاستثمار، وحصيلة المبالغ الناتجة عن تسوية منازعات الاستثمار، على أن تجري التحويلات بأي عملة قابلة للتحويل، بسعر الصرف الساري في تاريخ التحويل.
مؤشر الثقة والأمان الاستثماري
ويرى أستاذ العلوم السياسية والاقتصاد الدولي، رائد المصري، أن رفع نسبة الملكية الأجنبية في أسهم الشركات القطرية، أعطى إيجابية على مستوى السيولة والتداول في السوق، وتوسعت أحجام الشركات القطرية، ما خلق المزيد من السيولة والتدفقات الاستثمارية. وأشار المصري في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن زيادة نسبة تملك غير القطريين في رأسمال بنوك قطرية، مثل بنك قطر الوطني (حكومي)، ومصرف قطر الإسلامي والبنك التجاري، ومصرف الريان وغيره، وصلت إلى 100%، وهو ما يأتي في إطار تدعيم أحكام قانون تنظيم استثمار رأس المال غير القطري في النشاط الاقتصادي.
وأوضح أستاذ الاقتصاد أن القانون ساهم في زيادة الاستثمار الأجنبي في رؤوس أموال الشركات المدرجة، وفي زيادة السيولة وأحجام التداول وزيادة تنافسية بورصة قطر، كما دعم قواعد الحوكمة لدى الشركات القطرية، من أجل دفع عجلة التنمية الاقتصادية، وجذب استثمارات أجنبية في جميع الأنشطة والقطاعات الاقتصادية والتجارية، واستقطاب وتدفق رؤوس الأموال الأجنبية بنسبة 100%، وتحقيق التنوع الاقتصادي، وتسهيل دخول المستثمر الأجنبي للسوق، ورفع مؤشر الثقة والأمان الاستثماري في الدولة.
وأشار إلى أن أحكام قانون تنظيم واستثمار رأس المال غير القطري في النشاط الاقتصادي، لا تسري على الشركات والأفراد الذين تسند الدولة إليهم استخراج أو استغلال او إدارة مصادر الثروة الطبيعية، بموجب امتياز أو اتفاق خاص، إلا بقدر التقيد بأحكام عقد الامتياز أو الاتفاق الخاص.
كما لا تسري أحكام القانون على الشركات التي تؤسسها أو تساهم فيها الحكومة وغيرها من المؤسسات والهيئات العامة والشركات التي تساهم فيها الدولة بنسبة لا تقل عن 51%، ولا تسري كذلك أحكام القانون على الشركات والأفراد المرخص لهم من "قطر للطاقة" بإجراء أي من العمليات البترولية أو التي تستهدف الاستثمار في قطاع النفط والغاز والبتروكيماويات.
وعن مدى اعتبار السماح بالتملك الحر للأجانب في رأسمال الشركات القطرية نوعا من الخصخصة، يرى المصري أن هذه الخطوة القطرية ليست في طريق الخصخصة، إذ لا يوجد لدى الدولة أية قطاعات متعثرة وتكلفها أعباء كبيرة، فالاحتياطات النقدية الأجنبية متوفرة، وصندوق الثروة السيادي القطري من أكبر الصناديق الاستثمارية. وأوضح أن دولة قطر ليست بحاجة لهذا النوع من الأعمال، فلديها الكثير من مروحة الاختيارات الاقتصادية، ولكن الهدف هو تدفق رؤوس الأموال، وإدخال مستثمرين أجانب، بما يدفع عجلة البلاد الاقتصادية والمالية، و"قطر ناجحة في اعتماد هذه السياسات خاصة خلال الأزمات التي شهدتها المنطقة والعالم ومنها كوفيد-19 وغيرها"، على حد قوله.
إنعاش سوق المال
يقول المحلل المالي، أحمد عقل، لـ"العربي الجديد"، إن رفع نسب تملك الأجانب في أسهم العديد من الشركات المدرجة في بورصة قطر إلى 100% سيكون إيجابيا على السوق، وسيساهم في تحريك المياه الراكدة بأسواق المال، وفي ضخ مزيد من الاستثمارات الجديدة للدخول، خاصة لبعض المؤسسات والمؤشرات العالمية.
ولفت إلى تشجع المستثمرين، وخاصة "المحافظ والمؤشرات العالمية"، للاستثمار في أسهم السوق القطرية، إضافة إلى تحقيق شروط الانضمام أو الترقية للأسواق المتقدمة، حيث يعد التملك بنسبة 100% من العوامل الإيجابية لترقية الأسواق الناشئة للأسواق المتقدمة.
ويوضح المحلل الاقتصادي، محمد حمدان، لـ"العربي الجديد" أن رفع نسبة تملك الأجانب في أسهم الشركات القطرية، مر بمراحل، "ففي الفترة الأولى كان 25% ثم 49% قبل أن يرتفع أخيرا إلى 100%، لافتا إلى أن ذلك يأتي في سياق انفتاح الحكومة القطرية، وسن قوانين وتشريعات تسعى إلى جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية إلى سوق المال في قطر، فكلما أتيحت الفرص للمستثمر الأجنبي تدفقت السيولة وانتعشت حركة التداولات في البورصة، وبالتالي ارتفعت الأرباح".
وفي هذا السياق أوضح حمدان، أن قطر سنت تشريعات وقوانين في الفترة الأخيرة سهلت ويسرت على المستثمرين الأجانب دخول أموالهم إلى الدولة الخليجية التي استضافت أول بطولة لكأس العالم لكرة القدم تقام على أرض عربية، والتي تتمتع بمؤشرات الأمان في الاستثمار، وتملك وضعا ماليا واقتصاديا جيدا، حيث الاحتياطيات الضخمة من الغاز الطبيعي المسال، وأصول مليارية للصندوق السيادي، ما يعزز الدخل القومي ويحقق التنوع الاقتصادي.
وتواصل قطر تهيئة بيئة آمنة وجاذبة للأعمال والاستثمار، حيث قررت السماح بتملك غير القطريين للعقارات بنسبة 100% والانتفاع بها في 25 منطقة، ورفعت نسبة التملك في الشركات إلى 100%، ، وأنشأت في عام 2021 "محكمة الاستثمار والتجارة"، ما يبعث على الطمأنينة للمستثمرين في الداخل والخارج وأصحاب الأعمال الراغبين في الاستثمار في قطر.
وكان مجلس الوزراء القطري، قد وافق مؤخراً على زيادة نسبة تملك المستثمر غير القطري في رأسمال العديد من الشركات المساهمة المدرجة في بورصة قطر، ومنها الشركة القطرية للصناعات التحويلية، وشركة قطر للتأمين، والخليج للمخازن، والملاحة القطرية "ملاحة"، وشركة مجموعة الدوحة للتأمين.
ورفعت شركة قطر لنقل الغاز المحدودة "ناقلات" سقف نسبة تملك غير القطريين إلى 100%، وكشفت شركة الكهرباء والماء القطرية قبل أيام عن زيادة نسبة ملكية المستثمر غير القطري إلى 100% من رأس المال.
وكانت أرباح الشركات المدرجة في بورصة قطر، خلال النصف الأول من العام الجاري، قد تراجعت 11.22% إلى 24.55 مليار ريال (6.74 مليارات دولار) مقابل 27.66 مليار ريال للفترة ذاتها من العام الماضي.