تبدأ الولايات المتحدة يوم الأربعاء، عهداً جديداً بتنصيب المرشح الديمقراطي جو بايدن، الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة، بعد شهور عصيبة مليئة بالشكوك شهدتها البلاد بسبب رفض الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب الاعتراف بنتيجة الانتخابات وتأليب مناصريه على رفضها، وما ترتب على ذلك من اقتحام مبنى الكونغرس في واشنطن "كابيتول هيل".
وبالتالي فإن الرئيس جو بايدن يصعد لمنصة الحكم ليواجه مجموعة من التحديات الكبرى، وهو يبدأ يومه الأول في البيت الأبيض على الصعيدين المحلي والخارجي.
على الصعيد المحلي، تواجه إدارة الرئيس بايدن كيفية محاصرة التفشي الواسع والسريع لجائحة كورونا في البلاد، إذ بلغ عدد الإصابات حتى يوم الثلاثاء، 24 مليون إصابة، كما بلغ عدد الوفيات حوالى 400 ألف وفاة.
وبالتالي فإن محاصرة الجائحة وتداعياتها لها تنزلات مباشرة على ارتفاع معدل البطالة وإعادة النشاط للأعمال التجارية، وبالتالي زيادة النمو الاقتصادي الأميركي وفرص التوظيف.
ويرى محللون أن تنفيذ خطة محاصرة انتشار الجائحة وتداعياتها السلبية على الاقتصاد ستكون من أولويات إدارة الرئيس بايدن في المائة يوم الأولى.
وحسب إحصائيات مصلحة العمل الأميركية، فإن عدد العاطلين عن العمل بلغ 10.7 ملايين عاطل في نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وهؤلاء جميعاً يحتاجون إلى إعانات عاجلة، كما أن أصحاب الدخول الدنيا يترقبون بفارغ الصبر الشيك الذي من المقرر أن يرتفع من 1400 دولار إلى ألفي دولار، بعد حيازة الحزب الديمقراطي على الأغلبية في مجلسي الكونغرس.
على صعيد أسواق المال، لدى المستثمرين آمال وطموحات أن تنهي الإدارة الجديدة الاضطرابات التي خلقتها الإدارة السابقة بسبب قرارتها المتقلبة وتغريدات ترامب المزعجة، وفي ذات الوقت ينتاب المستثمرين في الأسهم القلق على أرباحهم من الضرائب التي أعلن الرئيس بايدن عنها أثناء حملته الانتخابية.
وبالتالي يراقب المستثمرون مسار الإدارة الجديدة لمعرفة متى ستطبق الضرائب على الثروة وعلى أرباح رأس المال وعلى التوزيعات والشركات وكم ستكون نسبتها، لأن ذلك سيكون له تأثير مباشر على أرباح الشركات وتزيعاتها، وبالتالي مستويات أسعار الأسهم وأداء بورصة "وول ستريت" التي حققت ارتفاعات قياسية خلال العام الماضي 2020، وبلغت قيمتها السوقية أكثر من 50.8 تريليون دولار وكسبت في العام الماضي نحو 13.1 تريليون دولار، حسب بيانات شركة سيبلس الأميركية المتخصصة في أبحاث البورصات والأسهم العالمية.
وهنالك أكثر من 150 مليون مواطن أميركي مستثمر في البورصة الأميركية، ويعتمد العديد منهم في دخلهم على توزيعات أرباح الشركات والمضاربة على أسعار الأسهم. ويخطط بايدن لرفع الضرائب على أرباح رأس المال المستثمر التي تفوق مليون دولار، وكذلك زيادتها على الدخول التي تفوق 400 ألف دولار في العام.
وعلى الرغم من أن أسواق المال بدت مرتاحة لعهد الرئيس بايدن عبر ما حققته من ارتفاعات رغم الاضطرابات وإشاعة عدم الاستقرار من قبل الرئيس ترامب وانصاره، إلا أن هنالك قلقا ومخاوف بشأن سياسات بايدن الداخلية، ومدى قدرته على إنهاء الانقسام السياسي والعرقي والطبقي الحاد الذي تزايد خلال الأربع سنوات الماضية، وأصبح يهدد الاستقرار السياسي والاجتماعي في بلد يقود النظم الديمقراطية والرأسمالية والليبرالية في العالم.
فالمستثمرون رغم سعادتهم بحزمة الإنقاذ المالي الكبيرة التي أعلن عنها الرئيس بايدن والمقدرة بنحو 1.9 تريليون دولار، إلا أنهم غير متيقنين حول تداعيات الإسراف الإنفاقي المتوقع من الإدارة الديمقراطية الجديدة واحتمال إطلاق يد الاحتياطي الفدرالي "البنك المركزي الأميركي" في التحفيز النقدي وشراء السندات و"الريبو".
إذ يرى محللون أن ذلك ستكون له انعكاسات خطيرة على ارتفاع التضخم، وارتفاع العجز في الميزانية والارتفاع الصاروخي في الديون السيادية التي تجاوزت حتى الآن 26 تريليون دولار. وبالتالي هنالك مخاوف من تراجع جاذبية سندات الخزانة الأميركية وتدهور سعر صرف الدولار، الذي تراجع بمعدلات كبيرة خلال النصف الثاني من العام الماضي. وخسر نحو 7.0% من قيمته مقابل اليوان الصيني.
في هذا الشأن يقول الاقتصادي البريطاني، سايمون فرينش، من شركة بانمور غوردون في لندن، "إن إنفاق الترليونات على الاقتصاد هو أفضل خيار أمام إدارة جو بايدن، لأن بديل عدم الانفاق سيكون ارتفاع معدلات البطالة وانكماش النمو الاقتصادي". ويرى الاقتصادي فرينش ان الحكومات الأميركية المتعاقبة تجاهلت التوفير والادخار في سنوات الانتعاش الاقتصادي، وبالتالي فإن إدارة بايدن ستدفع ثمناً غالياً خلال سنوات الانكماش الاقتصادي.
على الصعيد العالمي تواجه إدارة بايدن تحديات الحد من التمدد التجاري والاقتصادي والتقني الصيني في الأسواق، ومنعها من الصعود أكثر في المسرح العالمي. وأعلن بايدن عن نيته تكوين تحالف من "الاقتصادات الديمقراطية"، على رأسها بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي والهند ودول النمور الآسيوية.
وهذه الاستراتيجية تختلف عن استراتيجية الرئيس الخاسر دونالد ترامب التي عملت على احتواء التمدد الصيني عبر رفع الرسوم على الصادرات الصينية من دون اللجوء لتشكيل تحالف مع الأصدقاء والاقتصادات الرأسمالية. وكانت النتيجة ارتفاع العجز التجاري الأميركي مع الصين إلى أعلى من مستوياتها قبل فرض الرسوم، وتذمر الشركات الأميركية المنتجة في الصين وتصدر منتجاتها من هنالك للسوق الأميركي.