تحديات إدارة الاقتصاد السوري في المرحلة الانتقالية

09 ديسمبر 2024
سوريون يحتفلون في الشوارع بسقوط نظام بشار الأسد، 8 ديسمبر 2024 (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه سوريا تحديات كبيرة في المرحلة الانتقالية بعد سيطرة المعارضة، تشمل تقديم الخدمات الأساسية، وضمان الأمن، وتحديد شكل الحكم المستقبلي.
- يعاني الاقتصاد السوري من تدهور حاد بسبب الحرب وسياسات النظام السابق، مما يتطلب جهودًا لإعادة البناء، والحفاظ على المؤسسات الاقتصادية، وتحديد هوية الاقتصاد المستقبلية.
- تشمل التحديات الأخرى التخلص من الدولة العميقة، ومتابعة ثروات النظام السابق، وتحديد أولويات إعادة الإعمار، ورفع العقوبات، وتأمين الوضع العسكري، وتعزيز التجارة الخارجية.

تتزايد فرص اكتمال سيطرة المعارضة السورية المسلحة على جميع أراضي سورية، بعد أن سيطرت، فجر يوم الأحد، على العاصمة دمشق، وقبلها على حلب وحماة وحمص وقبلها إدلب. وقد رأينا على مدار الأسبوع الفائت، كيف انطلقت المعارضة بعملها في الأراضي التي سيطرت عليها، من حيث الحرص على تقديم الخدمات، ونشر الأمن، وتوفير المتطلبات اليومية للمواطنين، خاصة ما يتعلق بالطعام والشراب والمعيشة، وتصدير خطاب يتسم بالحرص على الحفاظ على مراعاة مصالح وحياة المواطنين. 

لكن إدارة بعض المناطق المحررة من الأراضي السورية، في إطار ما دون الدولة، يختلف تماما عن إدارة دولة بكامل مرافقها، والقيام على خدمة مواطنيها، وهو التحدي الذي سيفرض نفسه على من يتولى إدارة الاقتصاد السوري خلال الفترة المقبلة، والتي ستكون مرحلة انتقالية، إلى أن يتحدد شكل الحكم في سورية.

فنظام الأسد، وعلى مدار أكثر من 12 عاما، أوصل البلاد إلى حالة اقتصادية في غاية السوء، بسبب ممارساته التي اتسمت بالقمع وإعمال التدمير والقتل تجاه الشعب السوري، فانعكس ذلك على المؤشرات الاقتصادية.

في عام 2010 كان الناتج المحلي الإجمالي لسورية 61.3 مليار دولار، وكانت لديها احتياطيات من النقد الأجنبي بحدود 20.6 مليار دولار، وكان معدل النمو الاقتصادي 5.2% بنفس العام، وبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي 2748 دولارا، وفق أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي.

موقف
التحديثات الحية

أما في عام 2023، فنجد أن الأمر قد تدهور بشكل كبير بسبب حالة الحرب التي أوجدها نظام الأسد ضد أبناء سورية، فوجدنا الناتج المحلي الإجمالي يتراجع إلى 7.4 مليارات دولار، وأن معدل النمو الاقتصادي انخفض بنسبة 5% في هذا العام، وأن نصيب الفرد من الناتج المحلي بحدود 300 دولار فقط، وبلغ معدل التضخم 85%، وذلك وفق الأرقام التي أوردتها نشرة ضمان الاستثمار الصادرة عن المؤسسة العربية لضمان الاستثمار، عدد (أكتوبر- ديسمبر 2023).

تحديات الاقتصاد السوري في المرحلة الانتقالية

نعتقد أن ثمة مجموعة من التحديات سوف تفرض نفسها على صانع ومتخذ القرار في سورية خلال الفترة المقبلة، بعد زوال نظام الأسد واختفاء بشار عن المشهد، ومن تلك التحديات:

- الحفاظ على المؤسسات الاقتصادية الكبرى، مثل البنك المركزي وبقية مؤسسات الجهاز المصرفي، وذلك من أجل المحافظة على ما تبقّى للأفراد أو الدولة من مدخرات، وحفظ ما عليهم من حقوق. فضلًا عن أن الحفاظ على البنك المركزي وبقية مؤسسات الجهاز المصرفي، سوف يساعد بشكل كبير على استقرار الأوضاع النقدية، وبقية النشاط الاقتصادي، والمساهمة في تبنّي سياسة نقدية جديدة تناسب مرحلة ما بعد الأسد، وقد تكون المرحلة الانتقالية تسمح بالتعامل وفق عدة عملات لبعض البلاد مثل الليرة التركية أو الدولار، إلى أن يستقر النظام النقدي، وإقرار سعر صرف عادل للعملة السورية المتهاوية.

- الاستفادة من الخبرات المتراكمة لدى الوزارات الاقتصادية (الصناعة، التجارة، الزراعة، الاقتصاد.. إلخ)، خاصة الكوادر البشرية، فمن الخطأ إهدار جميع الخبرات المتراكمة، فعلى الأقل هؤلاء الأفراد ذوو الكفاءة، لديهم معرفة جيدة بعيوب النظام القائم، والممارسات الخطأ التي مورست إبان نظام الأسد. وبلا شك، لا يعني هذا بقاء فاسدين أو موالين لنظام الأسد في هذه الوزارات.

- ضرورة التخلص من الدولة العميقة، وتطهير دولاب الدولة منهم، والعمل على ترسيخ عقد اجتماعي جديد، يقوم على احترام كرامة الإنسان، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والمساواة في الحقوق والواجبات بين كل أبناء الوطن.

- متابعة سريعة ودقيقة لثروات الأسد وأسرته، وأقاربه، وأركان ورموز نظامه، من حيث الأرصدة البنكية، وباقي ثرواتهم المختلفة، وتتبّع الموجود منها في الخارج، والسعي إلى اتخاذ الإجراءات القانونية التي تحفظ حق الشعب السوري في هذه الثروات، والإفادة بشكل كبير من المساعدات القانونية التي اتُبعت في حالات مماثلة.

- تحديد هوية الاقتصاد السوري في المرحلة الانتقالية وما بعدها، ومن الضروري أن يكون حاضرا من اللحظة الأولى، بناء قاعدة إنتاجية قوية، تستفيد من الموارد المتاحة داخل الأراضي السورية، وكذلك الموارد البشرية السورية في الداخل والخارج. مع الحرص على عدم استنساخ تجارب دول أخرى، أو الوقوع في إطار إغراءات المؤسسات المالية الدولية، ففي الوقت الذي يحتاج فيه الاقتصاد السوري، بعد سقوط الأسد، إلى دور قوي ومهم للقطاع الخاص، فإن دور الدولة الاقتصادي أكثر أهمية على الأقل خلال العقدين القادمين، لضمان إقامة نظام اقتصادي عادل يستفيد منه كافة أبناء الوطن، ولا ينحاز لطائفة أو فئة على حساب أخرى.

- العمل على وجه السرعة لحصر المضارين اقتصاديًا وماليًا من نظام الأسد، خاصة خلال السنوات العشر الأخيرة، ومحاولة تعويضهم متى أتيح ذلك، خاصة أولئك الذين هُدمت بيوتهم أو مصانعهم ومشروعاتهم، أو جُرفت أراضيهم الزراعية، أو تم مصادرة أموالهم، أو تأميمها.

- عمل تصور واضح لعملية إعادة الإعمار، وما يستلزمه ذلك من البدء بالضروريات، بسبب الالتزامات المالية المتزايدة على الدولة خلال الفترة المقبلة. فمن المهم إجراء عملية حصر دقيق لكافة ما يخضع لعمليات الإعمار، ثم ترتيب أهمية التنفيذ.

وهنا لابد من ترتيب عملية الإفادة من المساعدات الدولية في هذا الشأن، مع الحرص على أن يساهم قطاع الأعمال السوري في تنفيذ أكبر قدر ممكن من مشروعات إعادة الإعمار، خاصة ما يتعلق باليد العاملة، من أجل تحسين أحوال العمالة ماديًا، وتوفير وتأمين فرص عمل لهم، أكبر فترة ممكنة، إلى أن تعمل أنشطة الدولة الاقتصادية بشكل طبيعي.

- مخاطبة النظام الدولي، برفع العقوبات الاقتصادية عن سورية، والسماح لنظامها المالي بحرية العمل، وكذلك عودة سورية إلى كافة المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية والإقليمية، بما يسمح باستعادة كافة الحقوق الاقتصادية، مع مراعاة الظرف الاقتصادي لسورية، باعتبارها دولة خارجة من حرب، وتسعى لعملية إعادة إعمار كبيرة.

- تحتاج عملية تأمين الوضع العسكري والأمني بعض الوقت، للحفاظ على مكتسبات الثورة على نظام الأسد، ولكن هذا الأمر ينبغي ألا يعطل عودة مؤسسات الدولة، للسلطات الثلاث كثيرا، فالأوضاع الاقتصادية تحتاج إلى السلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية، وقد لا تكون هناك مشكلة لدى السلطات التنفيذية، ولكنها بحاجة إلى قوانين تعيد تنظيم عملها، وتسمح بأعمال الرقابة عليها، كما أن السلطة القضائية تحتاج بلا شك إلى إعادة ترتيب بما يحررها من قيود نظام الأسد الاستبدادي، وتأهيلها للعمل في ظل نظام ديمقراطي حر.

- ستظهر قضية توفير التمويل بشكل كبير خلال الفترة الانتقالية، خاصة فيما يتعلق بتكاليف تسيير أعمال الدولة، فالثوار سيصبحون بنسبة كبيرة من بين رجال الدولة وموظفيها، بالإضافة إلى الأعداد السابقة، وهو ما يفرض أعباء جديدة على موازنة الدولة في بند الأجور والمرتبات، إلا إذا عمل جزء من الثوار في إطار العمل التطوعي، أو عادوا لأعمالهم الطبيعية، وإن كان ذلك سوف يستغرق بعض الوقت.

- أن تكون متطلبات أعمال التجارة الخارجية عبر الحدود البرية مع كل من تركيا والأردن والعراق ولبنان، وبما يسمح بتبادل العملات المحلية، تجنبًا لضغوط الاحتياج للعملات الأجنبية، مع الحرص الشديد على توظيف تحويلات العاملين في الخارج، لتسهل توفير احتياجات البلاد الضرورية من النقد الأجنبي، وعدم اللجوء إلى الاقتراض من مصادر أجنبية، خاصة في الفترة الانتقالية.

المساهمون