- روسيا تبحث عن طرق للرد على العقوبات الغربية، بما في ذلك مصادرة أصول المستثمرين الأجانب واتخاذ تدابير ضد الأصول غير التبادلية لدول غير صديقة، في محاولة للضغط على المصالح الغربية.
- على الرغم من العقوبات، تستمر روسيا في تعزيز موقفها الاقتصادي، مستفيدة من فائض الحساب الجاري وبناء أصول في الخارج، وتدافع عن مصالحها من خلال الطعون القانونية ومخططات مبادلة الأصول للمستثمرين الأجانب.
صحيح أن قدرة موسكو محدودة على الرد بالمثل إذا استولى الزعماء الغربيون على الأصول الروسية المجمدة بسبب تضاؤل الاستثمار الأجنبي، لكن مسؤولين واقتصاديين يقولون إنه لا تزال هناك طرق يمكن لروسيا الرد بها وإلحاق الأذى بالمصالح الغربية.
تجدر الإشارة بداية إلى أن الولايات المتحدة تطمح للاستيلاء على الأصول الروسية المجمدة التي تناهز قيمتها 300 مليار دولار على مستوى العالم، وتسليمها إلى أوكرانيا، في حين يفضل زعماء الاتحاد الأوروبي حجز الأرباح من الأصول، ويقدرون أن إجماليها سيتراوح بين 15 و20 مليار يورو بحلول عام 2027، وفقاً لتحليل معمّق أجرته رويترز ونشرته اليوم الخميس.
فالاحتفاظ بجزء كبير من هذه الأموال يجري تحت سيطرة مركزية في الأماكن الموجودة فيها، ما يعني أنه يمكن الوصول إليها إذا قرر الغرب ملاحقتها، فيما تقول روسيا إن أي محاولة للاستيلاء على أموالها أو شيء من مصالحها ستكون بمثابة "لصوصية"، محذرة من عواقب كارثية رغم أنها كانت غامضة بشأن كيفية الرد تحديداً. وقد اعترف الرئيس السابق دميتري ميدفيديف، يوم السبت الفائت، بأن روسيا ليس لديها ما يكفي من ممتلكات تابعة للدولة الأميركية للرد بشكل متناسب، ولذلك ستتعين عليها ملاحقة أموال مستثمري القطاع الخاص بدلاً من ذلك، في خطوة قال إنها لن تكون أقل إيلاماً.
وتقول رويترز إنها تحدثت إلى ستة اقتصاديين ومحامين وخبراء يتتبعون حالة الأصول المجمدة من قبل الجانبين منذ بداية حرب أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، فكان الإجماع بينهم هو أن أحد الإجراءات المضادة الأكثر ترجيحاً سيكون مصادرة الأصول المالية للمستثمرين الأجانب والأوراق المالية المحتفظ بها حالياً في حسابات خاصة من "النوع سي" (C)، والتي حُظر الوصول إليها منذ بدء الحرب ما لم تمنح موسكو تنازلاً.
ولم تكشف روسيا عن المبلغ الموجود في الحسابات التي يحتفظ بها صندوق الإيداع الوطني للتسوية في البلاد، وهو كيان خاضع للعقوبات. لكن مسؤولين روس قالوا إن المبلغ مماثل للأصول الروسية المجمدة البالغة قيمتها 300 مليار دولار. وفي هذا الصدد، قال مدير المحفظة الاستثمارية في شركة الاستثمار Aigenis فلاديمير يازيف: "يمكن البدء بمصادرة المدفوعات على الأصول المجمدة في حسابات من النوع C لصالح الدولة. وإضافة إلى ذلك، قد تدرس الحكومة اتخاذ تدابير بشأن تجميد الأصول غير التبادلية التي لا تزال تحتفظ بها دول غير صديقة. وتشمل هذه الأصول الضرائب والمنح والتبرعات الخاصة".
وأفاد محام روسي مطلع على الحسابات C، طلب عدم ذكر اسمه، بأنه إذا رفض غير المقيمين المشاركة في مخطط مبادلة الأصول الذي يديره وسيط روسي معين من قبل الدولة، فإن الخيار الوحيد المتبقي سيكون المصادرة أو حبس الرهن. وبموجب هذا المخطط، سيحصل الغربيون على حيازات الروس المجمدة من الأوراق المالية الأجنبية، ويحصل الروس على حيازات الغربيين المجمدة من الأوراق المالية الروسية. وأمام المستثمرين الأفراد الراغبين في المشاركة مهلة حتى 8 مايو/أيار لتقديم العروض.
أما المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف فقد قال، مطلع الأسبوع الجاري، إنه لا يزال هناك الكثير من الأموال الغربية في روسيا التي يمكن أن تستهدفها الإجراءات المضادة التي تتخذها موسكو، مشيراً إلى أن الحكومة ستواصل أيضاً تقديم الطعون القانونية ضد مصادرة الأصول، مؤكداً أن "روسيا ستدافع بلا كلل عن مصالحها".
الاستيلاء على الشركات
واقترح ميدفيديف، يوم السبت، مصادرة الأصول الروسية المملوكة للأفراد كرد على أي مصادرة أميركية لاحتياطياتها، مضيفاً أن مثل هذه الخطوة مبررة بسبب "الحرب الهجينة" التي تشن ضد موسكو. والرئيس السابق الذي يتبنى وجهات نظر متشددة تجاه الغرب هو حليف وثيق للرئيس فلاديمير بوتين ويحتفظ بنفوذه بصفته نائباً لرئيس مجلس الأمن الروسي.
ومع ذلك، منذ أن فرضت الدول الغربية عقوبات شاملة ردا على غزو أوكرانيا، انخفضت الحيازات الأجنبية في روسيا بنحو 40% إلى 696 مليار دولار، حسب ما تظهر بيانات البنك المركزي، ما يقلل من قوة مثل هذا التهديد. وبالإضافة إلى الحصص في الشركات والأصول المادية، يمكن لروسيا أن تستهدف الاستثمار الأجنبي المحتفظ به في الأوراق المالية، بحسب أحد الاقتصاديين الذي طلب عدم ذكر اسمه بسبب حساسية الموضوع.
غير أن خبراء قالوا إن أحدث الأرقام التي نشرها البنك المركزي الروسي بشأن الاستثمار الأجنبي المباشر أظهرت أن نسبة كبيرة من الأموال الأجنبية تأتي على الأرجح من شركات روسية مسجلة في الخارج. وتوقفت روسيا عن نشر تفاصيل أرقام كل دولة على حدة بعد الغزو، لكن آخر البيانات المنشورة في الأول من يناير/كانون الثاني 2022، أظهرت أن قبرص، حيث جرى تأسيس العديد من الشركات الروسية، تمثل نحو 30% من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في روسيا. كما أُسّست العديد من الشركات الروسية في هولندا.
وذكرت وكالة أنباء ريا التي تديرها الدولة في روسيا، في يناير/كانون الثاني الفائت، أن أصول الشركات الغربية بقيمة 288 مليار دولار أصبحت جاهزة للاستيلاء عليها في روسيا، وفقاً لبيانات يناير/كانون الثاني 2022. ولم تتمكن رويترز من تحديد من أين حصلت وكالة الاستخبارات المالية على أرقامها، لكن أرقام البنك المركزي أظهرت 289 مليار دولار في المشتقات والاستثمارات الأجنبية الأخرى وقتها.
وانخفض هذا الرقم إلى 215 مليار دولار بحلول نهاية عام 2023. وقالت الوكالة أيضاً إن قبرص وهولندا استحوذتا على 98.3 مليار دولار و50.1 مليار دولار من تلك الأصول على التوالي، بما يشير إلى درجة عالية من ملكية الشركة الروسية، بينما لم يستجب البنك المركزي ووزارة المالية لطلب التعليق على الأرقام.
الأصول الغربية داخل روسيا
لقد أجبرت موسكو فعلاً الشركات الأجنبية التي تبيع أصولها في روسيا على القيام بذلك بخصومات لا تقل عن 50%، ووضعت أصولاً غربية أخرى تحت إدارة مؤقتة وعينت مسؤولين تنفيذيين أصدقاء للكرملين. واعترفت الشركات الغربية بخسائر بلغت في مجموعها 107 مليارات دولار، وهو مبلغ كبير يتجاوز قيمة الأصول المادية.
وباعت مجموعة الطاقة شل وعملاق الوجبات السريعة ماكدونالدز وشركتا صناعة السيارات فولكسفاغن ورينو أعمالهما في روسيا، فيما تواصل مصالح أُخرى، بما في ذلك بنك رايفايزن النمساوي ومجموعة نستله للأغذية وشركة بيبسيكو الأميركية العملاقة للأغذية والمشروبات، القيام بأعمال تجارية.
وثمة مجال آخر من مجالات النفوذ التي تتمتع بها موسكو في أوروبا، حيث تحتفظ مؤسسة الإيداع يوروكلير، ومقرها بروكسل، بأغلبية الاحتياطيات الروسية. ويشعر بعض السياسيين في الكتلة بالقلق من أن اليورو قد يتأثر سلباً إذا بدأت دول أخرى مثل الصين، حليفة روسيا، في إعادة الاحتياطيات إلى الوطن في إجراء احترازي ضد الانقضاض عليها مستقبلاً. وهناك أيضا خطر يتمثل في أن تحاول روسيا، من خلال إجراءات قضائية، الاستيلاء على أموال يوروكلير في خزائن الأوراق المالية في هونغ كونغ ودبي وأماكن أخرى. ومكمن القلق هو أن هذا قد يستنزف رأس مال يوروكلير ويتطلب عملية إنقاذ ضخمة. ورفض متحدث باسم يوروكلير التعليق على ما قد تفعله روسيا في هذا الصدد.
وعلى أثر توتر علاقاتها مع الغرب، استخدمت روسيا فائضاً في الحساب الجاري يناهز 300 مليار دولار في الفترة 2022-2023 لبناء أصول في الخارج، وعلى الأرجح في ما يسمى بالمناطق الصديقة التي لا تعارض الحرب في أوكرانيا علناً، بحسب رويترز التي أشارت إلى أن جهود روسيا للحد من اندماجها في الأنظمة المالية الغربية منذ ضمها شبه جزيرة القرم عام 2014، أدت إلى خفض الاعتماد على الأموال الأجنبية، لكنها حدّت أيضاً من الانتقام المحتمل في أي معركة أصول مجمدة.
(رويترز، العربي الجديد)