تتصاعد المخاوف من نشوب حرب عالمية ثالثة نتيجة عدة تطورات خطرة في أكثر من بقعة في العالم، من عدوان الاحتلال الإسرائيلي المستمر على الفلسطينيين في غزة، والمواجهات في جنوب لبنان، وحرب أوكرانيا، وغير ذلك. لكن ما معنى حرب عالمية ثالثة بالنسبة للمستثمرين؟
سعت مجلة "إيكونوميست" إلى الإجابة عن هذا التساؤل في تقرير موسّع استهلته بالإشارة إلى أن أوروبا "كانت تتجه نحو المسلخ" لسنوات قبل أن تصل إلى صراع لا بد منه بحلول العام 1914، ومع ذلك كانت الحرب العالمية الأولى بمثابة صدمة بالنسبة للمستثمرين، كما أشار المؤرخ نيال فيرغسون، في بحث نشره عام 2008.
وحتى الأسبوع الذي سبق اندلاع الأزمة، لم تكد تتحرك الأسعار في أسواق السندات والعملات والمال، ثم قامت الدنيا ولم تقعد، لدرجة أن إحدى الصحف كتبت في الأول من أغسطس/آب 1914: "لقد اختبر العالم معنى الحرب بلمح البصر".
"لكن هل يمكن للأسواق المالية أن تقلل اليوم من تقدير مخاطر نشوب صراع عالمي جديد؟"، تسأل المجلة لتجيب بأنه "في هذا السيناريو الكابوس، بدأ الانزلاق إلى حرب عالمية ثالثة قبل عامين، مع احتشاد القوات الروسية على الحدود الأوكرانية".
والعدوان الإسرائيلي المتواصل منذ ما بعد عملية "طوفان الأقصى" مباشرة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول المنصرم، ينطوي على "احتمالات مخيفة للامتداد عبر حدود فلسطين المحتلة"، برأي المجلة.
وفي مقابل الدعم الأميركي والغربي للعدوان الإسرائيلي، وإذا ما قررت الصين أن الوقت قد حان للاستفادة من قوة عظمى مشتتة وغزو تايوان، قد ينتهي الأمر بالولايات المتحدة إلى الانجرار بسهولة نحو 3 حروب في وقت واحد.
ومن شأن هذا السيناريو بالطبع أن يضع الأضرار المالية في مرتبة متأخرة على قائمة الفظائع. ومع ذلك، فإن جزءاً من مهمة المستثمر يكمن بالتفكير في ما يعنيه ذلك بالنسبة لمحفظته الاستثمارية.
تجدر الإشارة إلى أنه حتى الآن، لم يتسبب احتمال نشوب حرب عالمية ثالثة إلا بهزات بسيطة في الأسواق، مع أن الخوف كان يسيطر عليها أكثر من الجشع منذ بعض الوقت. فقد كانت أسعار السندات مضطربة، حتى بالنسبة لسندات الخزانة الأميركية التي يفترض أنها "خالية من المخاطر"، بينما كانت العائدات في ارتفاع طيلة القسم الأعظم من العام الجاري.
وانخفضت مؤشرات الأسهم في أميركا والصين وأوروبا لمدة 3 أشهر متتالية. ومع ذلك، يمكن تفسير هذه التقلبات بشكل معقول بعوامل زمن السلم، بما في ذلك الاقتراض الحكومي الضخم، وتوقعات أسعار الفائدة، والمساهمين الذين تغلّب عليهم تفاؤلهم السابق.
لكن الأمر الأكثر قتامة هو أن مستثمري اليوم، مثلهم في ذلك كمثل مستثمري العام 1914، قد يصابون بالصدمة قريباً، إذ يشير التاريخ إلى احتمال ثالث مفاده أنه حتى لو توقّع المستثمرون حرباً كبرى، فلن يتمكنوا من فعل الكثير لتحقيق الربح منها على نحو يمكن الاعتماد عليه.
وأسهل طريقة لفهم ذلك هي أن تتخيل نفسك في العام 1914، وأنت تعلم أن الحرب العالمية الأولى كانت على وشك الوصول. في هذه الحالة، ستحتاج إلى وضع رهاناتك سريعاً. ففي غضون أسابيع، سيتم إغلاق البورصات الرئيسية في لندن ونيويورك وأوروبا القارية، وستبقى مغلقة لعدة أشهر على الأقل.
بعبارة أُخرى، تنطوي الحرب على مستوى من عدم اليقين الجذري يتجاوز بكثير المخاطر القابلة للحساب التي اعتاد عليها معظم المستثمرين. وهذا يعني أنه حتى الحروب العالمية السابقة لها دروس محدودة للحروب اللاحقة، حيث لا توجد حربان متشابهتان.
وفي هذا الصدد، تُظهر دراسة فيرغسون أن قواعد اللعبة المثالية للعام 1914، من شراء السلع والأسهم الأميركية وبيع السندات والأسهم والعملات الأوروبية، لم تكن ذات فائدة تُذكر في أواخر الثلاثينيات. وقد حاول المستثمرون في ذلك العقد التعلم من التاريخ.
وتوقعاً لحرب عالمية أُخرى، باعوا الأسهم والعملات الأوروبية القارية. لكن هذه الحرب المختلفة كانت لها استثمارات رابحة مختلفة، وتفوقت الأسهم البريطانية على الأميركية، وكذلك فعلت سندات الحكومة البريطانية.
واليوم، ثمة مصدر أكبر وأفظع من عدم اليقين، لأن العديد من القوى التي من الممكن أن تتورط في الحرب المحتملة تمتلك أسلحة نووية. ومع ذلك، ليست لهذا الأمر أهمية مالية تُذكر، لأنه في حالة حدوث صراع نووي، من غير المرجح أن يحتل أداء محفظتك الاستثمارية مرتبة عالية بين أولوياتك.
يمكن القول إن ضباب الحرب أصبح أكثر كثافة بالنسبة للمستثمرين منه بالنسبة للجنرالات العسكريين الذين لديهم، على الأقل، رؤية أكثر وضوحاً لمجريات الأحداث. وإذا حدث الأسوأ، فقد يتعجب مؤرخو المستقبل من لامبالاة المستثمرين اليوم.