حالة من التخبط تشهدها الصيدليات في لبنان، على خلفية قرار التوقف القسري عن العمل، بعدما وصل أصحابها إلى حائط مسدود بشأن تأمين الأدوية للمرضى أو إبقاء أبوابها مفتوحة "شكلياً" للزبائن في ظل فراغ الرفوف.
وكما مشاهد طوابير السيارات أمام محطات الوقود، يقف كذلك الناس بخطٍ طويل بانتظار أن يأتي دورهم لشراء دواء يتشككون سلفاً في أنه مقطوع ولكنهم يحاولون البحث عنه في أكثر من منطقة على سبيل الأمل والحاجة الماسة إليه.
يقول عدد من الصيادلة لـ"العربي الجديد"، إن قرار التوقف القسري عن العمل يفترض أن يشمل يومي الجمعة والسبت، بيد أن مواقف أصحاب الصيدليات اختلفت، فهناك من يريد إضراباً شاملاً ومفتوحاً كوسيلة ضغط حتى تحقيق المطالب، وآخرون لا يريدون تحميل المريض مسؤولية تقاعس الدولة والمعنيين، وبينهم من يعتبر أن التجارب السابقة على صعيد الإقفال لم تكن لها نتائج إيجابية ملموسة والمطلوب اليوم ترشيد الدعم أو رفعه جزئياً.
يشدد الصيدلي علاء الرحباني، في حديثه مع "العربي الجديد"، على أن أصحاب الصيدليات يشعرون مع المواطن وهم منه وله، بيد أن الاستمرار بالدعم الكامل لا يأتي بنتيجة، بل على العكس يصار إلى استثماره واستغلاله بالتهريب والتخزين، فيما المطلوب منظومة صحية كاملة متكاملة، تشمل رفع الدعم جزئياً وبشكل مدروس، إنشاء ملف رقمي لكلّ مريض يُنشر عبر نظام خاص تستحدثه وزارة الصحة، عدم صرف أي دواء من دون وصفة طبية، وغيرها من الخطوات التنظيمية التي تحصّن القطاع من أي عمليات مشبوهة.
ويوضح الرحباني أن "رفع الدعم يجب أن يطاول على سبيل المثال الأدوية المستوردة التي تقابلها أدوية وطنية شبيهة من حيث التركيبة والفعالية والجودة يمكن وصفها للمريض، وبهذه الطريقة نساهم في تقوية الصناعة المحلية وندعم الاقتصاد اللبناني ونلجم التهريب والتخزين، وبالتالي نحوّل لبنان من بلدٍ مستهلك إلى منتج".
ويلفت إلى أن عدد الأدوية المسجلة المحلية والمستوردة يصل تقريباً إلى 5436 صنفاً، عدا أدوية الأمراض المستعصية التي تدخل بموافقة خاصة عبر توقيع وزير الصحة.
من جهته، يقول رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي، لـ"العربي الجديد"، إن "وزارة الصحة وضعت لائحة كان قد طلبها مصرف لبنان (المركزي) لتحديد الأولويات المفترض دعمها في الوقت الراهن من أدوية ومستلزمات وخدمات طبية وأرسلتها إليه بانتظار فتح الاعتمادات، لكن هذه الحلول تبقى مؤقتة، بينما على البنك المركزي أن يضع مبلغاً محدداً للدعم لنتصرف بدورنا على أساسه ونركز من خلاله على الأساسيات".
ويعرب عراجي عن أسفه لقيام بعض التجار بتخزين الأدوية وفصلها أحياناً بين مدعوم وغير مدعوم، ويجدد دعوته للشركات المستوردة لعدم قطع الدواء نظراً لأهميته ومخاطر عدم تناوله بانتظام على صحة المريض، ولا سيما أدوية الأمراض المزمنة.
وكان وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن قد أشار، يوم الأربعاء الماضي، إلى ضرورة التعاون لحل المشكلة، رامياً كرة المسؤولية في مرمى حاكم مصرف لبنان بالدرجة الأولى والفرقاء السياسيين المختلفين.
وقال حسن إن "البنك الدولي لا ينصح برفع الدعم عن الدواء في ظل الأزمة المعيشية القائمة قبل العام 2023، ونحن ننتظر من مصرف لبنان المركزي اللوائح المدعومة والتي تسلمت من خلالها المستودعات الموجودات حتى نقوم بالإجراءات المطلوبة مع المعنيين".
وأضاف أن "الأرقام التي طرحت من حاكمية مصرف لبنان، وجاء فيها أنه تم دفع 485 مليون دولار في أول 5 أشهر من العام الحالي لمستوردي الأدوية، والفواتير المقدمة بقيمة مليار و200 مليون دولار، أي تكفي لمدة عام، غير دقيقة، وتحتاج إلى مطابقة وتفنيد".
ونظم صيادلة لبنان أكثر من تحرك في الفترة الماضية وصل بعضها إلى إقفال الصيدليات للمطالبة برفع جعالتهم، أي نسبة الربح على سعر المبيع، في ظل أزمة الدولار الذي يلامس سعره اليوم الـ15 ألف ليرة، في حين أن الدواء ما زال يباع وفق سعر الصرف الرسمي 1500 ليرة. وطالب الصيادلة بتعديل تسعير أصناف معينة من الأدوية والضغط على الشركات للتوقف عن احتجاز الأدوية وحليب الأطفال وتسليمها بشكل عادل إلى كافة الصيدليات.