بيير سلامة... اقتصادي فرنسي حارب نهب ثروات العالم الثالث

21 اغسطس 2024
بيير سلامة انشغل بالتحرر الاقتصادي لدول أفريقيا وأميركا اللاتينية (العربي الجديد)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **بيير سلامة: الاقتصادي الماركسي والمناهض للإمبريالية**:
وُلد بيير سلامة في الإسكندرية عام 1942 وتوفي في أغسطس 2023. كان اقتصادياً ماركسياً ومديراً لمجلة "Tiers Monde"، متخصصاً في قضايا التخلف والعنف واقتصاد المخدرات، مع تركيز خاص على دول أميركا اللاتينية.

- **نضاله من أجل تحرر دول العالم الثالث**:
انحاز لدول العالم الثالث وناضل ضد الحروب في الجزائر وفيتنام. اكتشف أميركا اللاتينية وأصبح مجال تخصصه الأثير، وشارك في المجلس العلمي لجمعية "Attac".

- **إسهاماته الفكرية والاقتصادية**:
ركز على التنمية واستبدال الواردات في الأرجنتين، ودرس حدود التراكم الوطني للرأسمال. تناول قضايا الفقر، الفوارق، تراجع التصنيع، المديونية، واقتصاد المخدرات، ونبه إلى مخاطر تحول بلدان مثل البرازيل إلى مزود بالمواد الأولية للصين.

تدفع وفاة الاقتصادي الفرنسي من أصول عربية بيير سلامة، إلى استحضار تيار اقتصادي حول العالم، سعى إلى تخليص دول العالم الثالث من وصمة "التخلف" التي لا تزال تلاحقها منذ عقود طويلة بغض النظر عن المسميات التي يجري إطلاقها بشان تحولاتها الاقتصادية. فلم يكن ينطلي على الاقتصادي الشهير وصف هذه البلدان بالنامية، وهو تصنيف كان يراه سياسياً بهدف التغطية على وضعية التخلف التي تعاني منها بلدان لم تستطع الصعود حتى الآن. كان سلامة، الذي توفي في التاسع من أغسطس/ آب الجاري، اقتصادياً ماركسياً ومديراً سابقا لمجلة ناطقة باللغة الفرنسية هي Tiers Monde (العالم الثالث) الشهيرة، حيث تخصص في اقتصاد المخدرات والعنف وقضايا التخلف في العديد من مناطق العالم، رغم انشغاله أكثر بدول أميركا اللاتينية.

عندما تقرأ له أو تستمع لبيير سلامة الذي رأى النور في الإسكندرية في الحادي عشر من أغسطس/ آب 1942، تتحول قضايا الاقتصاد المعقدة إلى ما يشبه القصة التي يرويها قاص متمكن من خيوط الحكاية. يُصنف ضمن الرافضين للإمبريالية والمناهضين للعولمة بسبب الفوارق التي تتسبب فيها بين الدول وداخل المجتمعات. لم تكن الآراء التي تصدر عنه مبنية على بناء نظري صارم لا يقبل استحضار الواقع. فقد ساهم سلامة في تكوين أجيال من الطلبة والباحثين منحدرين حتى من بلدان عربية، الذين تسلحوا معه بأدوات معرفية لا تقتصر على النظريات الاقتصادية، بل معززة بالأبعاد التاريخية والسياسية، عند تناول الظواهر الاقتصادية.

انحيازه لدول العالم الثالث في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية والانشغال بتحررها الاقتصادي، تجلى لديه منذ شبابه، حيث ناضل ضد الحروب في الجزائر وفيتنام. يرى متابعو سيرته أن لقاءه بالوزير البرازيلي الأسبق سيلسو فورتادو المنفي في باريس، جعله يكتشف أميركا اللاتينينة التي أضحت مجال تخصصه الأثير على مدى عقود.

لم يكتف بالتدريس بصفته أستاذا فخريا في جامعة السوربون بباريس، بل تبنى العديد من القضايا التي يراد من ورائها تحسين حياة الناس، حيث كان عضواً في المجلس العلمي لجمعية "Attac" منذ تأسيسها، والتي تناضل من أجل تشجع المبادرات التي تفضي إلى تملك المواطنين للسلطة التي يمارسها أصحاب المال على الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية في جميع أنحاد العالم.

ساهم بيير سلامة بمعية مجموعة من الاقتصاديين، منهم المصري سمير أمين وأرغيري إيمانويل وأندري غنتر فرانك وسلسو فورتادو، في دق ناقوس خطر الهيمنة التي تسعى الإمبريالية إلى فرضها على شعوب أفريقيا وأميركا الجنوبية. في مساره الدراسي ركز في أبحاثه في السبعينيات من القرن الماضي على التنمية المبنية على استبدال الواردات في الأرجنتين، قبل أن يعكف في رسالة الدكتوراه في 1970 على دراسة حدود التراكم الوطني للرأسمال في البلدان نصف الصناعية. تلك أطروحة خلفت أصداء كبيرة في البلدان السائرة في طريق النمو في أميركا اللاتينية.

في كتاباته كان يؤكد أن الفوارق تشكل تحدياً حقيقا للتنمية، لأن تفاقمها أو الحفاظ عليها في مستويات مرتفعة يؤدي إلى مجتمعات قائمة على الاستعباد وغير المستقرة، معتبرا أن العلاقة بين الفوارق والنمو لا يمكن فهمها دون استحضار متغيرات أخرى، من قبيل درجة انفتاح الأسواق ودرجة تدخل الدولة في المجال الاقتصادي. فهو كان دائم التفكير في كيفية جعل النمو عاملاً في تقليص الهوة بين المواطنة السياسية والمواطنة الاجتماعية وتحويل النمو إلى تنمية مستدامة.

في كتبه انشغل بالفقر وتحديات الفوارق وتراجع التصنيع في بلدان العالم الثالث والمديونية واقتصاد المخدرات والبلدان الصاعدة. فهو يرى أن البلدان الصاعدة الممثلة في تكتل "بريكس" تمثل أهمية بالنسبة للاقتصاد العالمي رغم أن الكثير من بلدان هذا التكتل لا يوجد تجانس بينها، كما ينبه إلى مسألة تحول بلدان مثل البرازيل إلى مزود بالمواد الأولية للصين خدمة لصناعتها، ما قد يفضي إلى تراجع التصنيع لدى البرازيل.

المساهمون