بيرني مادوف.. محتال بدّد 65 مليار دولار من أموال المودعين

21 ابريل 2021
بيرني مادوف (Getty)
+ الخط -

أقنع الآلاف من عملائه بأن يعطوه مليارات الدولارات من مدخراتهم لاستثمارها، ووعدهم بإعادتها مع أرباح استثمارها عند طلبهم، لكنّ هذا التوصيف، الذي قدمه لإحدى المحاكم، لم يكن دقيقاً، فالأموال لم تُستثمر في أيّ من أدوات الاستثمار المعروفة أو المستحدثة، إنّما جرى إيداعها في أحد الحسابات البنكية لدى "تشيس مانهاتن" بحيّ الأعمال الشهير، وول ستريت، في نيويورك. وكلّما مرّ به قومٌ لسحب ما تصوروا أنّه من أرباح استثماراتهم، دفع لهم من الأموال المتدفقة بلا توقف من عملاء آخرين، لمدة سنوات.
أنشأ بيرني مادوف شركته للاستثمار، أو بالمعني المصري: لتوظيف الأموال، بخمسة آلاف دولار من مدخراته، وخمسين ألف دولار أخرى اقترضها، وظلّ رئيساً لها، قبل إلقاء القبض عليه لاتهامه في ما اعتبر أكبر قضية نصب واحتيال عرفتها أسواق المال والاستثمار في التاريخ، بعدما تسببت في ضياع نحو 65 مليار دولار من أموال المودعين. كان بعضهم من أقاربه وأصحابه وأعضاء النادي الاجتماعي الذي كان يذهب إليه في مانهاتن، بينما كان البعض الآخر مجموعة من المستثمرين من المؤسسات والعائلات الغنية في أوروبا وآسيا وأميركا اللاتينية.
لم تكن نية مادوف خالصة منذ البداية، فعين أخاه عضواً منتدباً في الشركة ومسؤولاً عن الانضباط فيها، وعيّن ابنة أخيه مديرة للشؤوون القانونية فيها، بالإضافة إلى ابنيه اللذين شغلا منصبين هامين، إلاّ أنّ أحداً لم يعلم بأيّ مخالفة له على مدار ثلاثة عقود. 

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

لكنّ الاحتياطات التي اتخذها مادوف لم تفلح في إخفاء جرائمه للأبد، إذ أبلغ أحد أبنائه السلطات الفيدرالية عن ممارساته غير القانونية عام 2008، والتي لم يكن على علم بها من قبل، ليجري القبض على الأب ويُحكم عليه بالسجن لمدة قرن ونصف،  مع دفع تعويضات تقترب من 170 مليار دولار. ويشاء القدر أن يُبلغ مادوف في سجنه بوفاة ابنيه، أحدهما انتحاراً بسبب فعلة أبيه، والآخر بعد صراع مع مرض السرطان الذي كان قد شفي منه من قبل.
بدأ مادوف احتياله على المستثمرين في أوائل التسعينيات، في فترة كانت الولايات المتحدة تعاني فيها من ركود اقتصادي، ثم أزمة مالية عالمية، عام 1998، بالإضافة إلى التبعات الدرامية لما بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 وفقاعة الإنترنت. صارع مادوف باحتياله أمواج كلّ تلك الأزمات، إلى أن جاءت أزمة الرهون العقارية في منتصف عام 2007، وما تبعها من انهيار العديد من المؤسسات المالية الكبرى، وكان أشهرها بنك "ليمان براذرز" لتكتب كلمة النهاية لنشاطه وتضع الأساور الحديدية حول معصمه. 
تبدلت حياة آلاف المستثمرين ممن كانوا يعيشون حياة رغدة، مستمتعين بالأرباح التي تدرها قرارات مادوف الاستثمارية والتي منحته قطعة جيدة من "تورتة" أموال صناديق التحوط (المحافظ الوقائية) الضخمة، فاضطروا لبيع منازلهم وسياراتهم، كما خسر بعضهم علاقته مع من استقطبهم من أقاربه وأصدقائه للاستثمار مع هذا المحتال. وفي أيامه الأخيرة، قبل انكشاف أمره، اعترف مادوف لابنيه بأنّ عملياته الناجحة لم تكن أكثر من كذبة كبيرة، ولم يعترف مادوف لابنيه بعد صحوة ضمير، إنّما اضطر لذلك بعد تراكم طلبات العملاء بسحب أموالهم لتصل إلى 12 مليار دولار في ديسمبر/ كانون الأول 2008، لم يتمكن من توفير أكثر من خمسة مليارات منها، ووصل مجموع الأموال الضائعة على المودعين بعد ذلك إلى ما يقرب من 65 مليار دولار.

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

لم تتوقف الخسائر عند الأموال، فبخلاف انتحار ابنه، انتحر شخصان آخران على الأقل ممن ضاعت أموالهم، وأصيب أحد المتعاونين معه من المستثمرين بأزمة قلبية خطيرة بعد أشهر من التحقيقات معه، وعاش أفراد عائلته في مزيج من الخجل والشعور بالذنب وتلقي الاتهامات، لمجرد حملهم اسم الشهرة نفسه الذي ارتبط بعد القبض عليه، بكلّ ما يشير إلى النصب والاحتيال. 
ومن الطرائف في قصة المحتال مادوف أنّ الثقة التي حاز عليها لم تأتِ من المستثمرين فحسب، بل استعانت به الجهات المنظمة لعمليات التداول في أسواق الأسهم الأميركية عند محاولتها تحديث العمل فيها، من أجل الحفاظ على مكانتها الدولية كأكبر وأهم أسواق الأسهم في العالم. وكان الرجل، بأسلوبه الهادئ، وحديثه الواثق، مؤثراً في جميع المتعاملين في الأسواق، أكانوا مستثمرين أم مؤسسات مالية أم جهات رقابية.
لقي مادوف حتفه في محبسه في ولاية كارولاينا الشمالية، الأربعاء الماضي، عن عمر 82 عاماً، بعد قضاء اثني عشر عاماً فقط في السجن.

المساهمون