"بلومبيرغ": تخفيض قيمة الجنيه تسبّب بانهيار الأسعار في مصر

23 يوليو 2024
أسعار الخبز المدعوم ارتفعت في مصر 300%، القاهرة 24 يونيو 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **تأثير انخفاض الجنيه المصري**: شهدت مصر انخفاضًا كبيرًا في سعر الجنيه مقابل الدولار، مما أدى إلى تراجع أسعار السلع باهظة الثمن وتأجيل المستهلكين لقرارات الشراء، مما أثر سلبًا على الاقتصاد المحلي.

- **أسباب وتداعيات الظاهرة**: سمح البنك المركزي للجنيه بالانخفاض بنحو 40% لمحاولة وقف الأزمة الاقتصادية، مما أدى إلى تخفيض التجار للأسعار لتفريغ المخازن، رغم استمرار ارتفاع تكاليف المعيشة الأخرى.

- **التحديات المستقبلية**: تعاني مصر من نقص النقد الأجنبي وارتفاع أسعار الفائدة وخفض الدعم، مما يزيد من نفور المستهلكين وتراجع المبيعات، مع استمرار التساؤلات حول مستقبل الأسعار والاستقرار الاقتصادي.

قالت وكالة بلومبيرغ إن الانخفاض الكبير الذي شهده سعر الجنيه المصري مقابل الدولار كانت له آثار جانبية مفاجئة، حيث تسبّب في تراجع أسعار السلع باهظة الثمن في البلاد، ودفع الكثير من المشترين المحتملين لكل شيء، بدءاً من الأرائك إلى الثلاجات والسيارات، إلى تأجيل اتخاذ قرارهم بالشراء، انتظاراً لمزيد من التراجع في السعر.

وأشارت الوكالة إلى وجود اتجاه للإحجام عن الشراء، على نطاق واسع، وهو ما اعتبرته مشكلة يعاني منها حالياً الاقتصاد المصري، الذي يقوده المستهلك بصورة كبيرة، ويتعين العمل على حلها في وقت قريب. ونقلت بلومبيرغ عن محمد ياسين، البائع في أحد متاجر الأثاث الكبيرة في حيّ مصر الجديدة شرق العاصمة، قوله إن "الناس يأتون ويسألون عن الأسعار، ولكنهم يخشون الشراء، إذ ربما انخفضت الأسعار أكثر".

وفي مارس/ آذار، سمح البنك المركزي المصري لعملة الجنيه بالانخفاض في السوق الرسمية مقابل الدولار بنحو 40%، في محاولة لوقف أزمة مستمرة منذ عامين كانت تدفع اقتصاد أكبر دولة في الشرق الأوسط من حيث عدد السكان إلى حافة الهاوية، قبل أن تساعد خطة إنقاذ عالمية بقيمة 57 مليار دولار في تغيير الأمور. وقالت بلومبيرغ إن انخفاض الأسعار اللاحق في مصر يتعارض مع أغلب القوانين الاقتصادية، فضلاً عن تجربة أماكن مثل نيجيريا والأرجنتين، حيث ارتفعت التكاليف بعد تخفيض قيمة العملة.

وأوضحت الوكالة أن السبب في هذه الظاهرة كان تسعير أغلب التجار بضائعهم على سعر الدولار مقابل الجنيه في السوق الموازية قبل تخفيض الجنيه، وكان قد تجاوز سبعين جنيهاً لكل وحدة من العملة الخضراء، بينما اختفت السوق الموازية في الوقت الحالي، وأصبح التجار قادرين على شراء الدولار بأقل من خمسين جنيهاً.

وراكم الكثير من المستوردين المصريين الدولارات الأميركية بتكلفة باهظة في أحلك لحظات الأزمة، وسعوا لتمريرها للمستهلكين من خلال رفع الأسعار المحلية بشكل حاد. ولكن مع توافر العملات الأميركية الآن بحرية، وتبخر السوق الموازية، يجد العديد من تجار التجزئة أنفسهم في محاولة يائسة لتفريغ مخازنهم من البضائع بأسعار تبدو مرتفعة بشكل غير مبرر.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وجاء كل هذا في وقت مضطرب لميزانيات الأسرة المصرية، ففي حين أن سيارة مرسيدس قد تكون أرخص مما كانت عليه في عام 2023، فإن تكاليف المعيشة الأخرى مستمرة في الارتفاع، وإن كان ذلك بوتيرة أكثر اعتدالاً من ذي قبل. وفي تصريحات نُسبت إلى مسؤولين حكوميين على مدار الأسابيع الأخيرة، كان هناك توجه واضح من الحكومة المصرية لرفع أسعار الكهرباء والوقود في وقت قريب.

وسيكون انتعاش الطلب علامة مرحباً بها على أن ثالث أكبر اقتصاد في القارة الأفريقية يعيد ضبط آلياته، وأن السياسات التقليدية تترسخ مرة أخرى، بعد فترة من اتخاذ السلطات حلولاً مؤقتة، مثل قيود الاستيراد التي تركت أغلب الشركات في ورطة، وتسببت في اختفاء العديد من السلع الأساسية من الأسواق المصرية. وقد يساعد ذلك في تحفيز الاستثمار الأجنبي المباشر الذي تشتد الحاجة إليه، وفي تعزيز ثقة مشتري السندات الذين تكالبوا على شراء الديون المصرية، في أعقاب تخفيض قيمة الجنيه. وقال محمد أبو باشا، رئيس قسم الأبحاث في بنك الاستثمار، المجموعة المالية هيرميس، ومقره القاهرة، لبلومبيرغ: "إنها لعبة انتظار بين المستهلكين والتجار. يستغرق الأمر على كلا الجانبين بعض الوقت لاستيعاب تقلبات سعر الصرف التي شهدتها الأشهر القليلة الماضية".

وخلال السنوات الثلاث الأخيرة، عانت مصر من نقص شديد في النقد الأجنبي، لدرجة أن بعض السلع الاستهلاكية اختفت من الأسواق، مع بقاء واردات بمليارات الدولارات عالقة في موانئ البلاد. وعانت البلاد أيضًا من عجز عرضي في منتجات أخرى مثل التبغ، حيث خزّن الموزعون وتجار التجزئة الإمدادات تحسباً لضعف العملة المحلية بشكل حاد. وقال التجار الذين يعملون في شركات عقارات وتجارة تجزئة للهواتف المحمولة لبلومبيرغ إن حجم مبيعاتهم انخفض منذ تخفيض قيمة العملة. ووصلت مبيعات السيارات في مايو/ أيار إلى 4810 وحدات فقط، بحسب أحدث البيانات المتاحة، بانخفاض يقارب 75% مقارنة بالمتوسط ​​الشهري في 2021 قبل الأزمة الاقتصادية. وفي الوقت نفسه، انخفضت أسعار الطرازات بما في ذلك هيونداي توسان وفولكس واغن تيغوان وكيا سبورتاج بنحو مليون جنيه (21 ألف دولار)، ما جعل تكلفتها أقلّ بمقدار الربع تقريبًا مما كانت عليه قبل انخفاض العملة.

وقال أبو باشا إن صناعة السيارات تشهد انخفاضات حادة، لأن القطاع كان عرضة بشكل خاص لنقص حاد في المعروض، وهو ما أدى إلى تضخم الأسعار قبل تخفيض قيمة الجنيه. وأضاف أن تجار المنتجات الأخرى "يختارون في الغالب تقديم تخفيضات مؤقتة، بدلاً من التخفيضات المباشرة في الأسعار، حيث ينتظرون مزيداً من الوضوح بشأن الجنيه وسلوك المستهلك".

ولا تزال التخفيضات الكبيرة غير كافية لأشخاص مثل رشا محمود، التي كانت تبحث عن الأجهزة المنزلية لتجهيز منزل الزوجية لابنتها قبل حفل زفافها القادم. وقالت: "نصحني الكثير من الناس بالانتظار قليلاً، لأن الأمور قد تصبح أرخص". وقال اقتصاديو بلومبيرغ: "مصر تسير على حبل مشدود بين المستهلك المحلي والمستثمرين الأجانب". وقال زياد داود، كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة إن "ارتفاع أسعار الفائدة، وخفض الدعم، والتوقعات بانخفاض أسعار السلع المعمرة في المستقبل، كلها عوامل تنفّر المستهلكين. ويمكن للسلطات تحفيز الطلب من طريق خفض أسعار الفائدة أو زيادة الإنفاق العام، ولكن هذه الخطوات قد تؤدي إلى إبعاد المستثمرين عن سوق الدين المحلي".

وفي جميع أنحاء المناطق الحضرية في مصر، تراجع التضخم لأربعة أشهر متتالية، ما جعله منخفضًا بأكثر من 10 نقاط مئوية عن المستوى القياسي السنوي البالغ 38%، الذي سُجِّل في سبتمبر/ أيلول الماضي. وفي الوقت نفسه، كان التباطؤ متفاوتاً، حيث ارتفعت تكاليف الملابس والنقل، لكن أسعار المواد الغذائية تحولت من الانخفاض إلى الارتفاع في الشهر الماضي. وقد يؤدي الإلغاء التدريجي إلى دعم الوقود والارتفاع المحتمل في تعريفة الكهرباء هذا الصيف إلى زيادة الضغوط، على الرغم من أن ارتفاع أسعار الخبز المدعوم بنسبة 300%، الذي بدأ سريانه في 1 يونيو/ حزيران، لم يكن له تأثير يذكر في التضخم الرئيسي في البلاد، وفقاً لبلومبيرغ.

ويتساءل المصريون عمّا سيأتي بعد ذلك، وفي إحدى عربات مترو القاهرة المزدحمة في أحد أيام الأسبوع الأخيرة، تساءل الناس عما إذا كان ارتفاع أسعار الخبز يعني أن الأسوأ لم يأتِ بعد بالنسبة إلى المواد الغذائية الأساسية الأخرى، أو ما إذا كانت بعض الأسعار التي تشهد انخفاضًا قد تستمر في الارتفاع. وقالت سامية، التي كانت تحمل طفلها البالغ من العمر عامين، لبلومبيرغ إنها كانت تدفع 3 جنيهات مقابل 60 رغيف خبز مدعوم من الدولة، وهو ما يكفي لإطعام أسرتها المكونة من خمسة أفراد لمدة أسبوعين، لكن التكلفة تضاعفت الآن أربع مرات. وأضافت: "كنا سعداء أخيراً بانخفاض أسعار السكر والطحين، حتى أعلنت الحكومة زيادة الخبز".

وفي ظل حالة عدم اليقين المماثلة، تجد الشركات، مثل متجر ياسين للأثاث، نفسها في وضع حرج. ويشكو ياسين من أن تراجع الاستهلاك قد أدى إلى انخفاض المبيعات بأكثر من 50% في الأشهر القليلة الماضية، ما يزيد من صعوبة تغطية الأجور وفواتير الكهرباء. وعكس المتجر بالفعل ارتفاع الأسعار بنسبة 30% الذي فرضه قبل تخفيض قيمة العملة، ويقدم حالياً خصومات تصل إلى 50%، في محاولة لجذب بعض العملاء خلال ما يسميه "الركود". وأضاف: "كل هذا فشل في تغيير الوضع. الجميع في وضع الانتظار والترقب".

المساهمون