- البنوك في دبي تزيد من تدقيقها للروس الراغبين في فتح حسابات، خاصةً الخاضعين للعقوبات وذوي الانتماءات السياسية، مما يعكس تغيرًا في استقبال الأموال الروسية تحت ضغط أمريكي.
- على الرغم من التحديات، يستمر الروس في ترك بصماتهم في دبي بإنشاء مرافق طبية وأكاديميات لكرة القدم، لكن العديد يفكرون في الانتقال إلى أوروبا أو أماكن أخرى بحثًا عن فرص أفضل وظروف معيشية أكثر استقرارًا.
منذ غزو أوكرانيا قبل نحو عامين، أصبحت دبي وجهة مفضلة في أوساط الروس الأثرياء الباحثين عن جمع الأموال أو بناء حياة جديدة. لكن إغراء هذه الإمارة بدأ يتضاءل الآن، بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة وتشدّد مصارفها في تطبيق العقوبات الأميركية، بحسب ما نشرته شبكة "بلومبيرغ" في تقرير موسّع صباح اليوم الخميس.
وتظهر تدفقات الأموال الروسية إلى الإمارات التي تُعد دبي جزءاً منها، علامات التباطؤ، وفقاً لمصرفيين ومسؤولين تنفيذيين ومتخصصين في الاستثمار.
ومع أن أياً منهم لم يتوقع حدوث هجرة واسعة النطاق للأموال النقدية بالفعل في الإمارات، إلا أن مسؤولين تنفيذيين قالوا إنها قد تكون احتوت معظم فوائد الأموال الروسية، ومن غير المرجح أن تشهد المزيد من التدفقات الكبيرة.
ويفكر بعض الوافدين الروس في الانتقال إلى أماكن جديدة أو حتى العودة إلى ديارهم، حيث يؤدي اندفاع المغتربين إلى دبي لارتفاع الإيجارات والنفقات اليومية. وعلى عكس الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لا تفرض دول الخليج عقوبات على روسيا.
ومع ذلك، من المرجح الآن أن تواجه الكيانات الروسية التي تفتح حسابات مصرفية تدقيقاً في البنوك المحلية، حيث تتعرّض الإمارات لضغوط أميركية متزايدة لمعالجة التهرّب المحتمل من العقوبات، وفقاً لما نقلته "بلومبيرغ" عن أشخاص مطلعين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم.
وفي هذا الصدد، يقول رئيس الشرق الأوسط لشركة "هينلي آند بارتنرز" المتخصصة في الهجرة القائمة على الاستثمار، فيليب أمارانتي، إن شركته ترى أن عدداً أقل من الروس يستقرون في الإمارات، و"بالتالي، فإن الاتجاه يتجه نحو الانخفاض"، مضيفاً: "في الواقع، قام بعض عملائي الروس بتقليص حجم أصولهم العقارية التي اشتروها في دبي قبل عامين، واحتفظوا بقاعدة صغيرة هنا، لكنهم عادوا إلى موسكو أو إلى مناطق أُخرى متاحة وجذابة للغاية، مثل موريشيوس".
ونقلت "بلومبيرغ" عن مصادر مطلعة قولها إن البنوك التي تتخذ من الإمارات مقراً لها، بما في ذلك بنك الإمارات دبي الوطني وبنك المشرق وبنك أبوظبي الأول، شددت التدقيق في الكيانات الروسية، وحاولت في الأشهر الأخيرة ضمان قدر أكبر من الامتثال للعقوبات الأميركية.
وذكر مصرفيون مقيمون في دبي أنه على الرغم من أن الطبقة المتوسطة الروسية التي لا تخضع للعقوبات ولم تواجه غالباً مشكلات كبيرة في فتح الحسابات، فقد رفضت البنوك التعامل مع العديد من الروس الخاضعين للعقوبات. كما أن بعض الأشخاص الذين لديهم انتماءات سياسية أو اتصالات بالأشخاص الخاضعين للعقوبات واجهوا أيضاً صعوبات في إدارة الحسابات المصرفية.
وقال بنك الإمارات دبي الوطني في بيان، إنه ملتزم بمكافحة الجرائم المالية ويتبع "العقوبات الدولية المطبقة"، لكنه امتنع عن التعليق على التفاصيل، فيما لم يستجب بنك المشرق وبنك أبوظبي الأول لطلبات التعليق من "بلومبيرغ".
وقال أشخاص مطلعون إن شركة "إم إم سي نوريلسك نيكل" MMC Norilsk Nickel PJSC، وهي أكبر شركة تعدين في روسيا، قررت أيضاً عدم بدء التداول في الإمارات بسبب مشكلات لوجستية ومصرفية، فيما رفضت الشركة أيضاً الإدلاء بتفاصيل إضافية.
غزو أوكرانيا يرفع إقبال أثرياء روسيا على عقارات دبي
وفي أعقاب غزو أوكرانيا مباشرة، أفاد وكلاء عقارات في دبي عن زيادة في عدد الأثرياء الروس الباحثين عن العقارات في أرقى أحياء الإمارة.
ولا تقدم الإمارات إحصاءات عن التدفقات الوافدة حسب الجنسية. ومع ذلك، في تصنيفات مشتري العقارات، تراجع حاملو جوازات السفر الروسية إلى المركز الثالث عام 2023، متخلفين عن الهنود والبريطانيين، بعدما احتلوا المركز الأول عام 2022، وفقاً لشركة "بيترهومز" للوساطة في دبي.
وفي مقابلة مع شبكة "سي إن بي سي" CNBC في يناير/كانون الثاني الماضي، قال رئيس شركة التطوير العقاري "داماك" حسين سجواني، إن الطلب الروسي يتباطأ.
صعوبات مصرفية في دبي وتقليص عدد الموظفين
والشركات الروسية التي لم تواجه مشاكل مصرفية واجهت صعوبات أخرى. من ذلك أن شركة الأسمدة المسجلة في سويسرا "يوروكيم غروب" EuroChem Group AG التي أسسها الملياردير الروسي أندريه ميلنيشينكو الخاضع للعقوبات والذي يحمل جواز سفر إماراتياً، قدمت نفسها لوسائل الإعلام المحلية في حفل استقبال في نادي الفنون بدبي العام الماضي. وقال أشخاص مطلعون على الأمر، إنهم منذ ذلك الحين قلصوا عدد موظفيهم المحليين، وطلبوا عدم الكشف عن هويتهم.
وذكرت المصادر أنه في الأشهر الأخيرة، نُقلت العديد من الوظائف، بما في ذلك العلاقات العامة، مجدداً إلى موسكو، بما يرجع جزئياً إلى أن الحفاظ على العمليات في دبي يصاحبه ارتفاع قياسي في الإيجارات وفواتير مدارس مكلفة للغاية. وأشاروا إلى أن شركة الأسمدة لم تواجه مشكلة مع حساباتها المصرفية في الإمارات وتواصل تشغيلها.
ولفتت "يوروكيم" في بيان، إلى أنها أعادت تنظيم بعض وظائفها في الإمارات، حيث خفضت بعض الموظفين، بينما أضافت أشخاصاً في أقسام مثل الامتثال، معتبرة أنها "عملية عمل روتينية مدفوعة بأهدافنا التنظيمية الداخلية".
وقال العديد من الروس الأثرياء في دبي الذين أجرت "بلومبيرغ" مقابلات معهم إنهم يدرسون الانتقال إلى أوروبا أو أماكن أخرى على المدى الطويل، مع دخول الحرب مع أوكرانيا عامها الثالث.
ومنهم ماريا، مصممة روسية تبلغ من العمر 42 عاماً، والتي قالت إن ارتفاع تكاليف المعيشة في دبي وحرارة الصحراء في الصيف أجبراها على التفكير في خيارات مثل فرنسا أو برلين بالنسبة لعائلتها. وطلبت التعريف باسمها الأول فقط للحفاظ على سرية تفاصيلها الشخصية.
كما ترك إيفان كوزلوف، 37 عاماً، وظيفته كمنظم للمشتقات المالية في شركة "في تي بي كابيتال" VTB Capital في موسكو منذ أكثر من عامين، وعاش مع عائلته في تركيا شهرين تقريباً، ثم وصل إلى دبي في مايو/أيار 2022، حيث شارك في تأسيس شركة "ريزولف لابس" Resolv Labs التي تقدم خدماتها للمنتجات الاستثمارية القائمة على التشفير.
وبينما تقترب الشركة الناشئة من نهاية عملية جمع الأموال، يفكر كوزلوف في الانتقال إلى أوروبا، وربما إلى إسبانيا، حيث يعيش أحد شركائه التجاريين. وقال إنه رغم أن الإمارات مكان جيد لممارسة الأعمال التجارية، إلا أنه يعاني فيها من مشكلات تتعلق بنمط الحياة، مثل الصيف الحار والفرص المحدودة للمشي في العراء، قائلاً: "المشكلة الرئيسية هي أنك لا تشعر بأنه المكان الذي يمكنك اعتباره منزلك على المدى الطويل".
وفي أواخر فبراير/شباط، أُزيلت الإمارات من القائمة الرمادية للرقابة العالمية، ويحرص المسؤولون الإماراتيون على إثبات أن اللوائح لن يتم تخفيفها مباشرة بعد ذلك، حسبما قال بعض الأشخاص المطلعين على الأمر لشبكة "بلومبيرغ"، مشيرين إلى أن ذلك جعل الإمارات ومؤسساتها المالية أكثر صرامة في التعامل مع الكيانات أو المديرين التنفيذيين الروس، خاصة أولئك الذين يواجهون عقوبات.
وحول هذه النقطة، قال الأستاذ المشارك في كلية لندن للاقتصاد، ستيفن هيرتوغ، إن التأثير على اقتصاد الإمارات سيكون هامشياً نسبياً، نظراً للاهتمام بها من الأثرياء في أجزاء أخرى من العالم. ومع ذلك، قال إن "التأثير على دبي سيكون أكبر قليلاً من ذلك على أبوظبي، نظراً لاعتمادها الأكبر على الاستثمار الأجنبي والعقارات".
ومع ذلك، فقد نقلت الشركة المتحدة لإنتاج الألمنيوم (روسال إنترناشونال) عمليات التجارة العالمية إلى دبي في نهاية العام الماضي.
ولا يزال تجار النفط الذين انتقل الكثير منهم من جنيف ولندن في بداية الحرب، يفضلون الإمارات، ويستخدمون الدرهم كبديل مناسب للدولار، وفقاً لبعض الأشخاص المطلعين على الأمر. لكن حتى هذه المجموعة واجهت تدقيقاً أكثر تشدداً منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، عندما عززت واشنطن تطبيق عقوباتها المتعلقة بسقف الأسعار على النفط الخام، حسبما قالت المصادر.
وفي كل الأحوال، ورغم الضغوط، يترك الروس بصماتهم على دبي. فلديهم الآن مرافق طبية خاصة بهم وأطباء أسنان وأكاديمية لكرة القدم في الإمارة، لكن كل هذا لا يقنع أشخاصاً مثل كوزلوف بالبقاء فيها، قائلاً إن "هذا يشبه مقهى المطار حيث ينتظر الجميع الرحلة التالية".
(بلومبيرغ، العربي الجديد)