لا ينصف سوق العمل النساء في تونس، إذ تكشف البيانات الرسمية تصاعدا متواصلا لبطالة الإناث من مختلف المستويات التعليمية، رغم مساهمتهن الكبيرة في قطاعات اقتصادية واسعة تعوّل بدرجة أولى على جهدهن.
وحسب مراقبين، يدفع النساء في تونس ثمن منوال تنمية يكرّس التمييز بين الجنسين في فرص العمل حيث تمثل المرأة التونسية نسبة 30 بالمائة فقط من القوى العاملة في مختلف القطاعات فيما تنشط أغلب النساء في قطاعات صعبة كالنسيج والسياحة والزراعة الأكثر تضررا من الاضطرابات الاجتماعية التي عاشت على وقعها البلاد طيلة عشر سنوات قبل أن يزداد الوضع تعكّرا بسبب الجائحة الصحية.
وتكشف بيانات رسمية لمعهد الإحصاء الحكومي، أن وضع النساء في سوق العمل لم يتحسن في السنوات العشر الأخيرة، إذ ظلت نسبة البطالة في صفوفهن مرتفعة، ولم تهبط دون 21 بالمائة في مقابل متوسط 12 في المائة لدى الرجال.
وحسب ذات البيانات فقد سجلت سنة 2020 أكبر نسبة في البطالة لدى النساء خلال السنوات التسع الماضية ببلوغها سقف الـ24.9 في المائة مقابل 21.7 بالمائة عام 2019، في حين بلغت بطالة الرجال نحو 14.4 في المائة عام 2020 و12.8 في المائة سنة 2019.
ويفسر المتحدث الرسمي باسم منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر، تواصل التمييز بين الجنسين في سوق العمل باختلال منوال التنمية الذي يكرّس أشكال العمل الهشة في صفوف النساء، ولا سيما في المناطق الداخلية الأكثر فقرا.
وقال بن عمر لـ"العربي الجديد" إنه من الطبيعي أن تزيد البطالة في صفوف النساء مع انحسار فرص الشغل وتصاعد موجات تسريح العمال بعد جائحة كورونا باعتبار قطاعات اقتصادية واسعة تعتمد على النساء اللاتي يقع انتهاك حقوقهن في الأجور وساعات العمل، ولا سيما قطاعات الزراعة والنسيج والسياحة.
وأضاف بن عمر أن هشاشة العمل تجعل النساء أكثر عرضة للتسريح والبطالة، مشيرا إلى أن قوانين العمل في تونس لا تكرّس التمييز غير أن الأعراف الاجتماعية والتمييز بين الجنسين، ولا سيما في المناطق الداخلية يجعل سوق الشغل منحازة إلى صفوف الرجال في بلده.
وفي تقرير أصدرته جمعية أصوات نساء عام 2019 أكد أن معدّل نسبة البطالة بالنسبة للنساء يمثّل ضعف ما هو عليه للرجال ليبلغ 22.2 في المائة للنساء مقابل 12.5 في المائة للرجال.
وبفضل جهود النساء يجني اقتصاد تونس عائدات هامة من صادرات زيت الزيتون والنسيج وهما قطاعان يعتمدان بنسبة عالية على جهد المرأة.
وتمكنت تونس بمساهمة كبيرة من المرأة العاملة في القطاع الزراعي من احتلال المرتبة الأولى عالميا في تصدير زيت الزيتون خارج الاتحاد الأوروبي بمجموع عائدات فاقت 2.2 مليار دينار (الدولار = نحو 2.71 دينار) أي نحو 4.5 بالمائة من موازنة تونس.
كذلك تمثل المرأة أكثر من 85 بالمائة من القوى العاملة في قطاع النسيج الذي يستأثر بنحو ثلث المؤسسات الصناعية في البلاد ويشغل حوالي 185 ألف عامل أي ما يعادل 35.7 بالمائة من إجمالي اليد العاملة في قطاع الصناعة.
وتساهم هذه الشريحة من العاملات في مداخيل مهمة للدولة تعادل 25% من قيمة الصادرات التونسية و20.3 بالمائة من إجمالي الناتج الداخلي الخام للصناعات، حسب بيانات رسمية.
وتكشف دراسة للباحث الاقتصادي، ماهر حنين، عن جملة من الأسباب التي تجعل النساء في تونس الأقل حظوظا في سوق العمل ومن بينها تعرض النساء العاملات في قطاعات ذات قدرة تشغيلية عالية، ومنها النسيج، للعديد من المشاكل أبرزها الاستغلال وانتهاكات حقوقهن الاقتصادية
ويقول حنين إن التشريعات الحالية لا تساعد المرأة على ظروف عمل مريحة، ولا سيما منها المتعلّقة بالحصول على المعاش المبكّر أو تحصيل الحقوق بعد التسريح، مشيرا إلى أن النساء العاملات في إطار عقود محددة المدة، يواجهن عدم تجديد العقد عند تعرضهن لحوادث شغل أو أمراض مهنية تؤثر على مردودهن في العمل.
واعتبر حنين أن منظومة "متوحشة" مقننة تحت غطاء تطبيق مبادئ اقتصاد السوق المحررة من كل القيود تنتهك حقوق العاملات، إذ يعانين من التمييز حتى في مستحقات علاقة العمل من أجور ومنح وتغطية اجتماعية، مشيرا إلى أن في ذلك تعدّياً واضحاً على قوانين الشغل.
وأكد حنين أن النساء اللاتي يعملن في مجالات صناعية بعقود مثبّة أو ما يصطلح عليها محليا "مرسمات" لسن في مأمن أيضا من البطالة أو التسريح، إذ يلجأ أصحاب المؤسسات إلى الإغلاق الفجائي للمؤسسة للتخلص من التزاماتهم تجاه العاملات في حالة طردهن تعسفيا.
وأضاف أن "التسريح أو الإغلاق الفجائي يفرض على المشغل تسديد غرامات الطرد التعسفي، ولكن تنصل المشغلين من مسؤولياتهم يدفع العاملات إلى التقاضي في المحاكم التي عادة ما تسند أحكاما في أغلب الأحيان غير قابلة للتنفيذ ليجدن أنفسهن في النهاية في وضعية مشابهة لزميلاتهن اللاتي يعملن بعقود هشة، إذ يجري التخلص منهن بهدوء وهو ما تبيّنه الأرقام الرسمية حول بطالة المرأة".