المواطن السوداني عبد الرحيم بشير، يحكي عن معاناته في البحث عن عمل منذ أن تخرج من الجامعة على مدار أكثر من عشر سنوات حاملا شهاداته يجوب بها المؤسسات العامة والخاصة، إلا أنه يصطدم كل مرة بخروجه خاوي اليدين.
وبشير الذي يحمل شهادة بكالوريوس الهندسة الكهربائية يقول لـ"العربي الجديد" إنه تخرج عام 2010، ولكن كل الطرق سدت أمامه.
وأضاف: لم أستطع إكمال دراستي فوق الجامعية بسبب الأوضاع المعيشية التي تعيشها أسرتي.
وبشير يمثل أعداداً كبيرة من الشباب الخريجين العاطلين عن العمل والذين اتجهوا إلى الأعمال اليومية المؤقتة في سوق بناء وقيادة الـ"توكتوك" وغيرها، لكسب قوت يومهم.
في هذا السياق، قال إسماعيل هارون، وهو والد لثلاثة أبناء تخرج منهم اثنان من جامعة سودانية مرموقة أن ابنه الأول درس كلية الطب وعمل في كل ولايات السودان "طبيب امتياز" لخمس سنوات، ولكنه لم يستطع دخول امتحان التخصص للكلفة العالية التي لم تستطع أسرته التكفل بها فاضطر للذهاب إلى العمل في مجالات أخرى حتى يستطع دفع ما عليه من التزامات في ظل الأوضاع الاقتصادية المتقلبة.
وقال هارون لـ"العربي الجديد" إن الحسرة والضياع يبدوان واضحين عليه وعلينا، ولا نستطيع أن نفعل شيئاً.
من جانبها، أكدت الخريجة الجامعية أسماء زين العابدين، أن أغلب الخريجين يقضون سنوات عمرهم بحثا عن العمل من دون جدوى، وشهاداتهم تُعلق على جدران المنازل من دون الاستفادة منها.
وأوضحت أن فرص التوظيف القليلة المعلن عنها يتنافس عليها عشرات الآلاف من الخريجين.
كما حمل الخريج عثمان محمود، الحكومة مسؤولية البطالة. وطالب بضرورة توفير فرص العمل للشباب وذلك عبر إنشاء مشاريع كبيرة في الأقاليم تستوعب فيها الشباب والخريجين للاستفادة من الموارد المتاحة.
وكان التقرير الاقتصادي العربي الموحّد الذي نشر في عيد العمال مطلع شهر مايو/ أيار الماضي قد كشف أن 75 في المائة من العاطلين العرب يتركزون في خمس دول عربية، هي السودان وسورية ومصر والجزائر والعراق.
التقرير الاقتصادي العربي الموحّد كشف أن 75% من العاطلين العرب يتركزون في 5 دول، هي السودان وسورية ومصر والجزائر والعراق
وتحرك مجلس الوزراء السوداني من أجل الحد من ظاهرة البطالة عبر الشروع الفوري في بدء استيعاب خمسة آلاف موظف وموظفة في العاصمة والولايات.
وسبق أن توقعت وزيرة المالية السابقة، هبة محمد علي، أن تحقق موازنة عام 2021 معدلات نمو للناتج الإجمالي تكون كافية لخفض معدلات البطالة، وتقليل التفاوت في توزيع الدخل.
ويرى مراقبون أن سياسات التعليم العالي لم تخلق مشروعات للخريجين تغطي احتياجاتهم. ووفقا لبيانات وزارة التعليم العالي، فإن أكبر شريحة للخريجين في السودان من القانونيين والزراعيين.
ورغم أن فرص التوظيف في العاصمة الخرطوم وبقية أنحاء السودان تتراوح بين 25 و50 ألف وظيفة سنويا، إلا أن بعض المراقبين يرون أنها ضئيلة ولا تتناسب مع أعداد الخريجين.
وبلغت نسبة البطالة بين الشباب حوالي 34% وبين الشابات 45% وبين حملة الشهادات الجامعية 25% وفقا لنشرات حكومية.
وتوقعت دراسات وورش عمل زيادة مستمرة في معدلات الخريجين نتيجة للتوسع المستمر في مؤسسات التعليم العالي يقابله نمو بسيط في معدلات الاستيعاب السنوي للوظائف العامة.
الخبير الاقتصادي، محمد الناير، أرجع أسباب تفشي البطالة إلى عدم توافق سياسات التعليم العالي ومخرجاتها مع سوق العمل خاصة التخصصات النادرة.
ويقول الناير لـ"العربي الجديد" إن الحكومة عليها مسؤولية كبرى لزيادة فرص توليد العمل في القطاعين العام والخاص، عبر تشجيع الاستثمار بمشروعات ذات عمالة كثيفة وإنشاء محفظة تمويلية تساهم فيها البنوك السودانية بنسب مقدرة من ودائعها تهتم بشأن الخريجين.
خبير اقتصادي: أغلب الخريجين لا يجدون طريقهم إلى سوق العمل، سواء كان في القطاعين الخاص أو العام ويلجؤون إلى الأعمال الحرفية كالبناء والحدادة
ويؤكد المتخصص في الشؤون الاقتصادية، محجوب إبراهيم، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن التضخم المفرط في البلاد والذي ناهز 400% وتعثر الاقتصاد سيكون لهما انعكاس على الاقتصاد السوداني، مشيراً إلى أن من مظاهر ذلك التأثير زيادة البطالة.
ومن جانبه، يرى وزير المالية السوداني، جبريل إبراهيم، في تصريحات صحافية مؤخراً، أن إعفاء جزء كبير من ديون السودان سيساعد على جذب الاستثمارات، مما يوفر فرص عمل كبيرة للشباب، ويحد من نسبة البطالة التي تبلغ الآن 40 في المائة.
لكن الخبير الاقتصادي، حافظ إسماعيل، يقول إن نسبة البطالة الحقيقية في السودان وسط الشباب والخريجين وصلت إلى ما بين 80 و90% خلال السنوات العشر الأخيرة.
وعزا إسماعيل تفشي البطالة وسط الشباب والخريجين إلى الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد والسياسات التعليمية والتوظيف القائم على المحسوبية.
وقال إن أغلب الخريجين لا يجدون طريقهم إلى سوق العمل، سواء كان في القطاعين الخاص أو العام ويلجؤون إلى الأعمال الحرفية كالبناء والحدادة.
وأوضح أن الفرص المتاحة عبر لجنة الاستخدام الاتحادي والولائي، لا تشكل سوى نسبة 1% من الخريجين سنوياً.
وحول انعكاسات البطالة وسط الشباب، قال إن الوضع في السودان المتردي بصورة أسرع من أي مكان أدى إلى مخاطرتهم بحياتهم عبر الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط.