بطاقة لبنان الدوائية: مُسكّن جديد لأزمة العلاج الخانقة

05 سبتمبر 2021
اللبنانيون يعانون من أسوأ أزمة اقتصادية انعكست على توفر الدواء (حسين بيضون)
+ الخط -

انتقد صيادلة ومواطنون، إعلان وزارة الصحية اللبنانية في حكومة تصريف الأعمال، عن الاتفاق مع شركة صينية لتزويد وزارة الصحة العامة بنظام رقمي متطور يسمح بإنشاء منصة موحدة لإدارة وصرف الأدوية، في الوقت الذي يعاني البلد من أسوأ أزمة اقتصادية انعكست شحاً في الأدوية واحتكاراً لها من قبل بعض المستوردين.

ونهاية الأسبوع الماضي، أعلن وزير الصحة حمد حسن، عن الاتفاق مع شركة Medical Value Chain (MVC)، واصفا إياه بـ" الإنجاز". وتتلخص الأهداف الأساسية للمشروع في "خفض الفاتورة الدوائية، وتأمين الدواء الآمن للمريض، ومنع تهريب وتزوير الأدوية، وضمان الحصول على الدواء المدعوم من مصرف لبنان، ومنع تخزين الأدوية من قبل أي طرف بما في ذلك المواطنون" وذلك بحسب وزارة الصحة.

خمسة أهداف أساسية، قال مطلعون على الملف الصحي في لبنان لـ"العربي الجديد" إنها "ممتازة عند قراءتها، ولكنها غير قابلة للتنفيذ وستبقى حبراً على ورق يتحكم بها المهربون والسوق السوداء والمحتكرون والتجار أصحاب النفوذ والدعم السياسي الحزبي وحتى الديني".

وأشار هؤلاء إلى أن الأزمة تتفاقم بدل أن تسلك طريق الحل، إذ إن الدواء ما زال مقطوعاً أو محتجزاً عند التجار والمحتكرين والمهربين. وقال الصيدلي علاء الرحباني لـ"العربي الجديد" إنّ "إصدار بطاقة دوائية من دون خطة شاملة للمنظومة الصحية وطريقة استعمالها سواء بالصيدليات والمستشفيات، وبالتالي في ظل غياب الآلية المتكاملة للملف الصحي، يجعل منها بلا أي معنى".

أما لسان حال قسم كبير من اللبنانيين، فهو أنّ "السلطات الرسمية تصر على اعتماد عبارة "إنجاز" عند كل إجراء يُتخذ أو تدبير يُنفّذ قبل أن تتبخّر الخطوة سريعاً ويتبيّن أنها لم تكن غير تهليل فردي فولكلوري لتهدئة نفوس مواطنين تمضي أيامهم برحلات البحث عن أبسط مقوّمات العيش".

"ما فائدة بطاقة بلا دواء؟" هذا ما علق به مواطنون التقتهم "العربي الجديد" أثناء دخولهم عدداً من الصيدليات، شمال بيروت. قال طوني، الذي كان يبحث عن دواءٍ لزوجته التي تعاني من مرض السكري: "البلد تحوّل إلى سوق سوداء".

وأضاف: "هذه تاسع صيدلية أطرق بابها بحثاً عن الدواء وأنا أعلم تماماً أنه متوفر، لكن للأسف، أصبحنا تحت رحمة تجار يسرحون ويمرحون بلا رقابة، باستثناء بعض المداهمات التي يشكك بها اللبنانيون ويرون أنها بلا فائدة ما دام التهريب مستمرّا والحدود متفلّتة والرؤوس الكبيرة محميّة".

كما يشكو مواطنون من أن الأدوية التي يعثرون عليها في الصيدليات تباع بأسعار مختلفة وأحياناً بفارقٍ كبيرٍ بين صيدلية وأخرى، رغم أنّ من المفترض أن تكون مقطوعة من السوق باعتبار أن الشركات المستوردة تمتنع عن التسليم، ما يعني أنها كانت مخزنة وبالتالي من الأدوية المدعومة.

وفي كثيرٍ من الأوقات تكون الأدوية مسعَّرة حتى بأكثر من عشرين ألف ليرة لبنانية بشكل يظهر وكأنّ الدولار المعتمد للدواء المستورد يزيد عن التسعيرة الرسمية في الدولة المصنعة أو المصدرة له وهو ما لوحِظ عند قسمٍ لافتٍ من اللبنانيين الذين قصدوا بعض الدول لشراء أدوية لذويهم وهي مفقودة من السوق أو تباع بأسعار مرتفعة حتى عند شرائها بالدولار الأميركي.

هذه الشكاوى وصلت إلى مسامع رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي الذي أكد لـ"العربي الجديد" أن "الجشع في لبنان بات مخيفاً، وللحدّ منه يجب أن يكون هناك عقوبات رادعة وتشدد من جانب الجهات المعنية ووزارة الصحة، خصوصاً في قضية الدواء وخطورة ما يحصل على صحة الناس".

وقال عراجي إن "مستوردي الأدوية لا يريدون الاستيراد في الوقت الراهن إلّا على عشرين ألف ليرة للدولار، والأدوية تباع في السوق السوداء وهناك شكوك كبيرة من أن بعضها يباع في الخارج، وهناك فوضى دوائية كبيرة وكل الخطوات التي نلجأ اليها لتأمين الدواء للمواطن تبقى بمثابة حلول جزئية كما يحصل في البنزين والمازوت والكهرباء وغير ذلك في ظلّ انعدام الاستقرار على صعيد الليرة اللبنانية، وعدم تشكيل حكومة تبدأ الإصلاحات وتدخل المجتمع الدولي على الخطّ".

وأضاف أن "من أسباب الفوضى على صعيد الأمراض المزمنة والمستعصية والمناعية، أنّ الشركات المستوردة تقول إنّ لديها أموالاً عند مصرف لبنان المركزي قدرها 600 مليون دولار وحصل اتفاق منذ أسابيع أن يوفر لها دعماً لهذه الأدوية بقيمة 50 مليون دولار، وقد صرف مصرف لبنان في يوليو/ تموز الماضي 87 مليون دولار، 50 مليوناً للأدوية و37 مليوناً أخرى للمستلزمات الطبية بيد أن الشركات بدل أن تستورد بقيمة الخمسين مليون دولار احتسبتها من الديون، عدا عن التباين الحاصل في الأرقام بين مصرف لبنان والشركات المستوردة".

ورأى أن إصدار بطاقة للأدوية أمر مهم، لمراقبة مسار صرف الدواء حتى يتمكن المريض من الحصول على دوائه بما يكفيه، في خطوة من شأنها التصدي أكثر لعمليات البيع في السوق السوداء أو التهريب، لكنّه عاد وكرر ضرورة استقرار الليرة وتشكيل حكومة جديدة تجري المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وتحصل على دعمه.

المساهمون