بدأ المستهلك اللبناني يتعرَّف في الأشهر الأخيرة على بضائع جديدة بات مُرغَماً عليها، في ظل موجات الغلاء التي لا تتوقف أو شح السلع، لاسيما الغذائية التي اعتاد على شرائها يومياً، إما بسبب التخزين في المستودعات لرفع أسعارها أو تهريبها الى الخارج والعجز عن تدبير سيولة دولارية للاستيراد.
يقول توفيق بدر، صاحب سوبر ماركت في العاصمة بيروت لـ"العربي الجديد" إن "مشهد الرفوف اليوم اختلف كثيراً، هناك أصناف وأسماء لم أسمع بها من قبل، وأنا في هذه المصلحة منذ أكثر من عشرين سنة".
ويلفت بدر إلى أنّ أكثر السلع التي كانت مطلوبة بشكلٍ كبيرٍ وتُباع في محلّه ولم يعد يعرضها أو يشتري منها، هي منتجات شركة "نستله" فرع لبنان، ولا سيما "نيسكافيه" و"كوفي مايت"، ماجي، حليب نيدو، علماً أنها موجودة في السوق ولكن من فروع أخرى للشركة خصوصاً التركية.
ويوضح: "ظهرت أسماء جديدة في هذا المجال مثل MAHMOOD كوفيه، وaltunsa ومئات الشركات التي تدخل للمرة الأولى بهذا الشكل إلى السوق وتنافس بأسعار أرخص وكميات أكثر، ومع ذلك لم يتأقلم المستهلك عليها بعد، فقد اعتاد لسنين طويلة على طعمٍ معيّن وصنفٍ محدَّد لن يستطيع بسهولة تغييره".
يعيش لبنان أسوأ أزمة اقتصادية منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990، أدت إلى انهيار مالي غير مسبوق، وارتفاع جنوني بأسعار السلع الغذائية والمحروقات.
يضيف: "الأمر نفسه فيما يتعلق بأنواع الشوكولا، إذ اعتاد المستهلك على النوتيلا، مارس، تويكس، كيت كات، سنيكرز، وغيرها، بينما مع فقد القدرة على شرائها نظراً لارتفاع أسعارها أكثر من 3 اضعاف، ظهرت بدائل عنها شبيهة جداً من حيث الشكل، والغلاف، ولكن بأسماءٍ مختلفة، وطعم أبدى المواطن انزعاجه منه في المرحلة الأولى، قبل أن يجد نفسه مضطرا إلى شرائه أو تغيير أولوياته وإعادة ترتيب مصروفه والاستغناء عن منتجات كان ينكبّ على شرائها قبل الأزمة الاقتصادية والنقدية، الى جانب مواد أخرى مثل الحليب والألبان والأجبان والزيوت".
من جهته، يشير أحد الموزعين لـ"العربي الجديد" إلى أن "بضائع جديدة دخلت السوق منذ حوالي ستة أشهر، أولا التركية، التي كانت موجودة أصلاً ولكن دائرة منتجاتها توسّعت اليوم، وارتفع الطلب عليها، والأمر نفسه لناحية البضائع السورية، والتي باتت تملأ أكثر من أي وقتٍ مضى الرفوف وخصوصاً في مناطق محسوبة على حزب الله، في بيروت والبقاع والجنوب، وكذلك البضائع الإيرانية الوافدة حديثاً بهذه الكمية الضخمة إلى لبنان".
ويلفت إلى أن "الأصناف التي اعتاد اللبناني على شرائها ما تزال موجودة ولكن بكميات ضئيلة وبمناطق محددة وفي تعاونيات استهلاكية تستقطب زبائن ذوي مقدرة مالية تسمح لهم بشرائها فتؤمنها لهم، وتعرضها على الرف إذ لن تخسر فيها أو تذهب هدراً، بعكس المناطق المحرومة والأحياء الفقيرة، التي لم يعد أصحاب المحال فيها يشترون البضائع المعتادة نسبة إلى القدرة الشرائية شبه المعدومة، فيؤمنون سلعا أرخص بكثير علماً أنّ هذا الواقع موجود في هذه المناطق قبل الأزمة، فكانت المواد التي تباع في أسواقها مختلفة عن تلك التي تعرض في العاصمة بيروت على سبيل المثال وتأخذ بعين الاعتبار الوضع المادي للسكان والمعيشي".
ويقول، إن البضائع السورية والإيرانية زادت كثيراً وخصوصاً بالتزامن مع الحديث عن بطاقات حزب الله التموينية التي تعزز حتماً وجود هذه السلع واستقطابها رفوف التعاونيات ولا سيما في مناطق سيطرة حزب الله وبأسعار أرخص باعتبار أنها تدخل بطرق غير شرعية، ما يعرّض حتماً الشركات الكبرى التي كانت تترأس السوق اللبناني لخسائر جمّة ويحصر نطاق أسواقها.
ومنذ أكثر من عام، يعيش لبنان أسوأ أزمة اقتصادية منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990، أدت إلى انهيار مالي غير مسبوق، وتراجع حاد في احتياطي العملات بالمصرف المركزي، وارتفاع جنوني بأسعار السلع الغذائية والمحروقات، لتشهد الأسابيع الأخيرة ذروة الانهيار المعيشي.
ويقول نقيب مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي لـ"العربي الجديد" إنه لا توجد إحصاءات حول البضائع الجديدة التي دخلت لبنان، ولكن يجب التوضيح أنّ الوضع تغيّر نظراً لارتفاع سعر صرف الدولار، وغلاء بعض الأصناف، ما دفع في أحيانٍ كثيرة الشركات نفسها إلى توزيع أصنافٍ أخرى تعود لها بمغلفات مختلفة، تكون ملائمة أكثر للسوق اللبناني، وبأحجام اصغر ايضاً.
ويضيف :"أصبحنا نرى عبوات بنّ بـ 100 غرام بدل 200 غرام على سبيل المثال، يكون سعره أرخص وإن اختلف وزنه يفضل المستهلك شراءه وترشيد استخدامه حتى يكفيه مدّة اطول، والأمر نفسه بالنسبة الى أكياس البطاطس أيضاً وغيرها من الأمثلة".
ويلفت بحصلي إلى أنه لا توجد وكالات حصرية في لبنان لماركات أو شركات محددة، ما يسمح بتوافد بضائع من مصادر مختلفة، ولا مشكلة بذلك، طالما أنها تدخل عبر القنوات الشرعية من مرافئ وموانئ، وهو حال غالبية البضائع باستثناء السورية والإيرانية التي هناك علامات استفهام كبيرة تطرح على كيفية دخولها وعرضها على الرفوف في السوبرماركت وما إذا كانت تخضع للرقابة، وهذه مسألة كمستوردين نضعها برسم الدولة اللبنانية.
ويتابع :" لا مشكلة أبداً بدخول بضائع جديدة إلى السوق اللبناني وبأسعارٍ أرخص، وهذا واقع نشهده في أحيان كثيرة وليس بحديثٍ، شرط أن لا تكون مهرّبة أو مزوّرة أو مغشوشة".
في المقابل، يقول نقيب مستوردي المواد الغذائية: "السلع المدعومة غير موجودة وهو واقع بات معروفاً، والتهريب مكشوف ولا حسيب أو رقيب، وهناك عراقيل مرتبطة بتأخر فتح الاعتمادات اللازمة من جانب مصرف لبنان، ما أدى إلى تراجع نسبة استيرادها في الأشهر القليلة الماضية وساهم أخيراً في حصول أزمة حليب".
ويضيف أنه لا مشكلة حاليا في مخزون المواد غير المدعومة، ولا مشكلة بالمدى المنظور بالنسبة لها طالما هناك إمكانية لشراء الدولار بأي سعرٍ، ولكن يبقى الحذر والقلق من أن يختلف الوضع ونصل الى مرحلة لا يمكن تأمين العملة الصعبة لشرائها والحصول عليها.
على الصعيد ذاته، أشار آخر تقرير لمرصد الأزمة في الجامعة الأميركية في بيروت، إلى أنّ السلع كلها سجلت ارتفاعاً كبيراً في الفترة الممتدة من يناير/كانون الثاني 2020 حتى إبريل/نيسان الجاري.
وأكد التقرير أنه "يبرز بشكل واضح ارتباط أسعار السلع الغذائية بسعر الدولار في السوق السوداء، حتى للمنتجات المحلية كالخضار والفاكهة وكذلك البيض وزيت الزيتون ومشتقات الألبان، ويساهم الاعتماد على المواد الأولية المستوردة والتي تدخل في إنتاج وتصنيع هذه المواد في هذا الارتفاع".
وأشار إلى أنه "في ظل فقدان القدرة الشرائية لمعظم السكان في لبنان، وجب على وزارتي الاقتصاد والزراعة احتساب علمي ودقيق لكلفة إنتاج وتصنيع المواد المحلية ومراقبة تسعيرها، كما من المُلحّ مراقبة أسباب عدم انخفاض أسعار السلع خلال شهر إبريل/ نيسان الجاري بالتوازي مع انخفاض سعر الصرف منذ تسجيله 15 ألف ليرة في مارس/آذار الماضي، ومن ثم انخفاضه إلى حدود 12200 ليرة هذا الشهر".