بضائع المواسم ترهق تجار غزة... جهود مضنية لتدوير رؤوس الأموال

24 ابريل 2023
ضعف القدرة الشرائية للمواطنين يقلص حركة الأسواق (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -

يواجِه تاجر الملابس الفلسطيني سليم الشرافي تحدياً سنوياً يبدأ فور انتهاء المواسم التجارية، التي يجري خلالها توفير جزء كبير من البضائع، فيما تحول القدرة الشرائية الضعيفة لدى المواطنين دون نفاد الكميات التي يكدسها التجار.

ويرجِع تكدُس البضائع في المتاجر، والمحال التجارية، والمخازن بعد انتهاء المواسم، إلى التقدير الخاطئ من بعض التجار، تجاه حاجة السوق، علاوة على اصطدام البضائع الكثيرة بحالة الركود والتردي الذي تشهده عمليات الشراء، بسبب ضعف القدرة الشرائية، وغلاء الأسعار، وعدم تناسبها مع الواقع الاقتصادي الصعب.

وتجتمع عدة عوامل للمُساهمة في زيادة ضعف القوة الشرائية لدى المواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة، بدءاً من استمرار الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ عام 2006، وعدم انتظام صرف رواتب الموظفين الحكوميين في غزة، وحرمانهم مستحقاتهم المالية، مروراً بتأخر صرف مُخصصات الشؤون الاجتماعية، وحرمان نسبة من الأسر الفلسطينية المنح المالية المُخصصة للفقراء.

يقول الشرافي لـ"العربي الجديد" إن المواسم تُشكل فرصة ذهبية للتجار لتعويض الخسائر التي لحقت بهم طوال العام بفعل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وضعف إقبال المواطنين على الشراء، ما يدفعهم إلى توفير كميات أكبر من البضائع المُعتادة، على أمل بيعها خلال الأيام المعدودة للمواسم، التي تشهد حركة تجارية نشِطة.

ويُشير إلى أن المواسم باتت تشكل هاجساً لدى التجار، خصوصاً أنها أصبحت تحتكم إلى الأوضاع الصعبة، حيث يُفكر الزبون ملياً قبل شراء المُنتج، والسبب في ذلك محدودية قدرته الشرائية، واكتفاؤه بالحصول على الأساسيات اللازمة.

ويندفع كثير من التجار، مع اقتراب حلول المواسم الخاصة بالأعياد والمناسبات المختلفة، إلى توفير البضائع بكميات كبيرة على أمل تعويض الخسائر التي لحقت بهم، ما يسبب تكدُس البضائع، بعد اصطدامهم بالواقع الصعب للمواطنين، ويخلق ذلك حالة من الإرهاق لدى التجار، بفعل تجميد سيولتهم المالية، في تلك البضائع. وتتنوع أصناف البضائع الموسمية بين السلع الغذائية والحلويات وأصناف الزينة والملابس وغيرها من المستلزمات التي يزداد الطلب عليها.

أسواق
التحديثات الحية

ويخلق اختلاف البضائع المُكدسة تحديات مُتنوعة، إذ تواجه المواد الغذائية خطر انتهاء مُدة الصلاحية، أما الزينة، وأصناف الملابس الخاصة بمختلف الشرائح العُمرية، فتُعرِّض صاحبها لخسائر مزدوجة، من خلال تجميد الأموال، علاوة على تعرُّضها لفقدان قيمتها بعد إنتاج موديلات جديدة، ما يضطر التاجر إلى بيعها بثمن أقل من سعر التكلفة في بعض الأحيان.

ويقول الخبير الاقتصادي ماهر الطباع، إن تكدس البضائع الموسمية يزيد أعباء التجار، خصوصاً أن نسبة كبيرة من تلك البضائع لا تُباع إلا في الموسم الخاص بها، كالتمور الخاصة برمضان، وأصناف الملابس والشوكولاتة الخاصة بالأعياد.

يضيف الطباع لـ"العربي الجديد" أن نسبة من التجار تعلموا خلال السنوات الماضية الكثير من الدروس الخاصة بعدم تكديس البضائع، خصوصاً في ظل ضُعف القدرة الشرائية، وتأثيرها في استهلاك البضائع من الأسواق، إلا أن البعض لا يزال يقع في الفخ ذاته، إذ إنّ من الصعب تقييم حاجة السوق بشكل دقيق.

ويلفت إلى أن تكدس البضائع يسبب أضراراً اقتصادية على كل المنظومة الاقتصادية، تبدأ بتجمد الأموال للموسم القادم، وبيعها بخسارة بسبب المُنافسة من الأصناف الجديدة، وبخاصة الملابس وألعاب الأطفال، والزينة التي تفقد بريقها مع الوقت. أما بخصوص المواد الغذائية الموسمية، فيضطر التجار إلى بيعها بخسارة قبل انتهاء صلاحيتها.

في الأثناء، يقول الخبير الاقتصادي حامد جاد، إن المواسم باتت تشهد أكثر من جانب، خصوصاً في ظل ارتفاع الأسعار، حيث تُساهِم بتكدس البضائع لدى أصحابها التجار، نتيجة ضعف القدرة الشرائية للمستهلك المحلي في قطاع غزة، الذي يُعاني ظروفاً اقتصادية متردية.

ويوضح جاد في حديث مع "العربي الجديد" أن النشاط في الأسواق يحتكم إلى العديد من العوامل، حيث يرتبط أساساً بصرف رواتب الموظفين الحكوميين، كذلك صرف مُخصصات الشؤون الاجتماعية التي تستفيد منها 81 ألف أسرة فلسطينية، إلى جانب صرف المنحة القطرية، وعمال غزة لدى الجانب الإسرائيلي وعددهم 15 ألف عامل، علاوة على عُمال المياومة، وأصحاب الدخل غير الثابت، مؤكداً أن أي خلل في تلك العوامل يُضعِف القدرة الشرائية، ما يُساهم بتكدس البضائع وكسادها.

ويشير جاد إلى أن تعاقُب المواسم يُرهق جيب المواطنين، ما يجعلهم غير قادرين على الإيفاء بكل المستلزمات، مفسراً ذلك بالقول: "حين يقوم رب الأسرة بتوفير مستلزمات رمضان في ظل أوضاع اقتصادية صعبة، قد يدفعه نفاد السيولة إلى تقليص المصروفات الخاصة بالعيد، خصوصاً في ظل ارتفاع الأسعار، ما يؤثر عموماً في الحركة التجارية".

ويضيف أن بعض التجار خففوا نسبة وارداتهم تحسباً لكساد بضائعهم، إلا أن عدم القدرة الحقيقية على تقييم حالة السوق يوقع نسبة من التجار في الأزمة السنوية المُتكررة، التي تتحول بموجبها السيولة النقدية إلى بضائع، قد تفقد سنة إنتاجها وموديلاتها، ما يُكبد التجار خسائر كبيرة.

ويعاني قطاع غزة منذ ما يزيد على 16عاماً ظروفاً اقتصادية سيئة، تتزايد صعوبتها مع تواصل الحصار الإسرائيلي الذي فاقم نسبة الفقر التي وصلت إلى 80%، ونسب البطالة في صفوف الشباب التي تخطت حاجز 70%، فيما يعتمد أكثر من ثُلثي الفلسطينيين في القِطاع على المُساعدات الإغاثية والإنسانية التي تُقدمها المؤسسات المحلية والدولية.

 

المساهمون