تتوالى المواقف التي تُبدي تفاؤلا حيال أزمة الوقود المستعرة في المملكة المتحدة منذ نحو 6 أيام، لكن الثابت الوحيد في كل هذه "المعمعة" أن المواطنين والمقيمين لا يزالون يعانون الأمرّين للحصول على المحروقات من محطات التوزيع.
رئيس الوزراء بوريس جونسون سعى، الثلاثاء، لتهدئة مخاوف شعبه بعدما أدت عمليات شراء بدافع الذعر إلى نفاد الوقود من المحطات في المدن الكبرى، وقال إن الحكومة تجري استعدادات لضمان جاهزية سلاسل الإمداد قبل عيد الميلاد.
قال جونسون إن الوضع في محطات الوقود يتحسن، بالرغم من أن مئات المحطات في مناطق كثيرة ظلت مغلقة وقضاء أصحاب السيارات ساعات في البحث عن الوقود أو الجلوس في ضجر في طوابير بانتظار ملء خزانات سياراتهم.
أضاف جونسون في تصريحات نقلها التلفزيون: "بدأنا نرى الآن أن الوضع يتحسن. نسمع من الصناعة (صناعة الوقود) أن الإمدادات تعود إلى المحطات بالشكل الطبيعي، وأرغب في الواقع في مناشدة الجميع ممارسة أعمالهم بشكل عادي"، حسبما نقلت "رويترز".
كانت تصريحات جونسون هي الأولى له منذ أن ظهرت مشاكل إمدادات الوقود في مطلع الأسبوع، عندما أوردت شركات النفط تقارير عن صعوبات في نقل البنزين والديزل من المصافي إلى المحطات.
واتهم كير ستارمر، زعيم حزب العمال المعارض، جونسون وحكومته بالتخبط من "أزمة إلى أخرى".
وارتفعت الأصوات المطالبة بإعطاء أولوية للأطباء والممرضات والعاملين الأساسيين الآخرين في ملء خزانات سياراتهم لضمان استمرار عمل المستشفيات وخدمات الرعاية الاجتماعية، لكن جونسون قال إن من الأفضل "تحقيق الاستقرار بالطريقة العادية".
وتدفقت نداءات المساعدة من مقدمي الرعاية الصحية وخدمات التوصيل والمعلمين وغيرهم من المهنيين المتضررين من الطوابير الطويلة أمام المحطات منذ يوم الخميس. فقد أعلن بعض الموزعين عن إغلاق نقاط البيع لعدم توافر سائقي شاحنات لتوصيل الوقود، مما تسبب باندفاع إلى المحطات التي شهدت أحيانًا مشاحنات بين سائقي السيارات المتوترين.
المعاناة مستمرة
وفي مقابل كلام جونسون، قال نائب رئيس الجمعية الطبية البريطانية ديفيد ريغلي لمحطة سكاي نيوز: "لا يمكننا أن نمضي ساعتين أو ثلاث ساعات في الطابور عندما يكون لدينا مرضى علينا معاينتهم".
وبقلق، قال سائق سيارة الأجرة ديفيش روباريليا، البالغ من العمر 58 عامًا، بعدما فشل في التزود بالوقود الاثنين: "إذا كانت الحال مثل أمس، فسينفد لدي الوقود"، حسبما أوردت "فرانس برس".
وقالت بعض المدارس إنها تفكر في العودة إلى التعليم عن بعد إذا لم يتمكن المعلمون من الوصول إلى المدارس.
مثل السلطات، لاحظت جمعية تجار البنزين بالتجزئة، التي تمثل 65% من محطات الخدمة البريطانية، "بوادر أولى" مبشرة بانتهاء الأزمة مع 37% من محطاتها الآن بدون وقود.
الجيش جاهز للتعاون
هذا الوضع الاستثنائي هو أحدث تبعات نقص العمالة الناجم عن الوباء وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مع تأثير مشكلات التوصيل أيضًا على تزويد متاجر السوبر ماركت ومطاعم الوجبات السريعة، وحتى الحانات بالبضائع.
وصرح زعيم المعارضة العمالية كير ستارمر، عبر شبكة "سكاي نيوز"، بلهجة مستنكرة: "نحن في وضع جعلت فيه الحكومة البلاد في حالة من الفوضى بسبب حالة تامة من عدم الاستعداد".
ولا تكف الحكومة عن التأكيد على أن المملكة المتحدة لا تعاني نقصًا في الوقود، ولكن النقص ناتج عن الطلب الاستثنائي الناجم عن اندفاع المستهلكين القلقين من نفاد الوقود لشرائه، كما كانت الحال مع ورق التواليت أو بعض المنتجات الغذائية في بداية الجائحة.
وحمل وزير النقل غرانت شابس على سائقي السيارات الذين يملأون زجاجات بالبنزين بقوله: "ما أن نسرع في العودة إلى عادات التسوق العادية، سرعان ما تعود الأمور إلى طبيعتها".
وتؤكد الحكومة أن النقص في سائقي الشاحنات (نحو 100 ألف)، الذي عطل إمداد بعض المحطات، وكان وراء حركة الذعر التي شهدتها البلاد خلال عطلة نهاية الأسبوع، سببه بشكل أساسي التأخير في التدريب أثناء الوباء، وهو أمر يعاني منه العالم بأسره. لكنها أقرت الثلاثاء بأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "عامل" إضافي وراء ذلك.
وفي مواجهة الأزمة، دعت الحكومة سائقي الجيش إلى البقاء على أهبة الاستعداد لإيصال الوقود إلى محطات الخدمة إذا لزم الأمر، على أن يتلقوا تدريبًا متخصصًا قبل ذلك.
وفي محاولة لحل صعوبات التوظيف وجذب مزيد من سائقي الشاحنات الأجانب، خففت الحكومة موقتًا شروط التأشيرات، متراجعةً عن وعود التشدد مع الهجرة المتصلة ببريكست.
لكن التأشيرات المقترحة لمدة ثلاثة أشهر، والتي من المفترض أن تحسِّن الوضع خلال فترة الانشغال التي تسبق عيد الميلاد، قوبلت بالتشكيك، إذ يخشى القطاع من أنها لن تكون كافية لجذب السائقين من الاتحاد الأوروبي.
وقال بوريس جونسون إن البريطانيين لا يريدون حلاً يمر عبر "الهجرة غير المنضبطة" التي خبروها بالفعل "لفترة طويلة، 20 عامًا وربما أكثر".
عودة الوضع إلى طبيعته تحتاج وقتاً
ونقلت "أسوشييتد برس" عن وزير النقل غرانت شابس قوله، الثلاثاء، أن هناك "مؤشرات غير مؤكدة" على أن أزمة إمداد الوقود في البلاد تتراجع، لكن سيمر بعض الوقت قبل عودة الوضع لطبيعته.
وقال شابس إن "هناك الآن أول مؤشرات غير مؤكدة على الاستقرار في مجال التخزين، لكنها لن تنعكس على الطوابير بعد". وأضاف: "لكنها أول مرة نشهد وجود مزيد من الوقود فعلاً في محطات التزود".
وتابع: "كما أعلنت الصناعة أمس، كلما تمكنا جميعا من العودة أسرع لعاداتنا الشرائية العادية، كلما عاد الأمر أسرع لطبيعته".