- قلة الهطولات المطرية وصعوبة استخدام الحصادات الآلية تزيد من التعقيد، مما يجبر الفلاحين على الاعتماد على العمالة اليدوية ذات التكلفة العالية.
- بعض الفلاحين يلجأون إلى تأجير أراضيهم للمستثمرين بنظام الربع لتقليل المشقة والتكاليف، لكن هذا يثير مخاوف من فقدان الرغبة في الزراعة بالمستقبل.
بدأ موسم الحصاد الزراعي في مناطق الجنوب السوري ويبدو أن الكل خاسر بسبب التكاليف الباهظة لمكونات الإنتاج وأجوره ما عدا الحكومة. فما الذي يجري؟ ارتفعت أجور اليد العاملة في الحصاد لهذا الموسم لتلامس 150 ألف ليرة (10.2 دولارات) للدونم الواحد في بعض قرى وبلدات محافظة السويداء جنوب سورية، وذلك بالتزامن مع ارتفاع الأسعار وانخفاض القيمة الشرائية لليرة السورية، الأمر الذي يضع الفلاحين بين خيارين أحلاهما مر: إما أن يرضوا بالأسعار الجديدة، أو أن يبيعوا المحصول للرعاة بسعر التكلفة. (الدولار= 14700 ليرة).
وما يفاقم المشكلة أن الهطولات المطرية في العديد من مناطق المحافظة، كانت دون توقعات الفلاحين الذين وجدوا أنفسهم أمام العديد من التحديات، مثل صعوبة استخدام الحصادات الآلية، والاضطرار إلى اللجوء للأيدي العاملة ذات الأجور المرتفعة. فقد بدأت في منتصف الشهر الجاري عمليات حصاد العدس والشعير في المحافظة، على أن يتبعها حصاد القمح في يونيو/حزيران المقبل، ثم الحمّص بعد ذلك. وتشير التقديرات الأولية لمديرية الزراعة التابعة للنظام السوري في محافظة السويداء إلى أنه من المتوقع إنتاج قرابة 13 ألف طن من الشعير لهذا الموسم، بحسب أحد معاوني مدير الزراعة، مشيراً إلى أن نحو 31% من المساحات المزروعة بالشعير والمقدرة بنحو 32540 هكتاراً قد تعرضت للتلف لتباع كمراعٍ للأغنام.
تحديات تواجه الفلاحين السوريين
ويواجه المزارعون في السويداء العديد من التحديات مع بدء استعدادهم لجني محاصيلهم، حيث إن مساحات كبيرة من الأراضي المزروعة بالقمح والشعير وعرة ولا يمكن جني محصولها باستخدام الحصادات الآلية، لا سيما في الريف الشمالي للمحافظة. وفي هذا الصدد، يقول لـ"العربي الجديد" المزارع جمال حرب من إحدى قرى الريف الشمالي الشرقي إنه يلجأ كل عام للاعتماد على الأيدي العاملة لجني محاصيله، مشيراً إلى أن هذا الموسم لم يكن حسب المأمول حيث لم تكن الأمطار كافية لإنتاج محصول وفير كما أن سعر حصاد الدونم الواحد باليد العاملة وصل إلى 125 ألف ليرة، ولا يمكن للحصادات دخول أراضيه لوعورتها وقصر سيقان المحصول، ليقوم ببيع الزرع لأصحاب الأغنام للرعي، بمبلغ يضمن له استرجاع تكاليف الزراعة فقط.
ويرى حسين الأحمد، وهو شاب من السويداء يعمل في إحدى ورشات الحصاد باليد، أن أجور اليد العاملة قليلة مقارنة بالتعب والجهد، مضيفاً أن هذا العمل يحمل مخاطر متعددة ابرزها التعرض للدغات الأفاعي والعقارب، عدا عن الخوف من الوضع الأمني في الأراضي القريبة من البادية، مؤكداً أن هذا يجعل الأجور غير مقنعة للعامل وأن مشكلة الفلاح هي مع الدولة التي لا تدفع له ثمناً عادلاً في محصوله، بينما تطرحها هي بأسعار مرتفعة.
أسعار الحصادات.. الكل يشكو الخسارة
ويُعدّ الاعتماد على الحصادات حلاً إيجابياً من حيث عاملي السعر والوقت بالنسبة للفلاح، لكن رغم ذلك فإنه مكلف حيث قدر أحد فلاحي الريف الجنوبي الشرقي ثمن تكلفة الدونم الواحد بـ100 ألف ليرة بين أجر حصادة 45 ألفاً، ونقل أكياس المحصول 15 الفاً، وثمن الأكياس، حيث ينتج الدونم محصولاً يملأ كيسين بسعر خمسة آلاف، إضافة لثمن أكياس التبن وأجرة تعبأتها، ما عدا تكاليف النثريات من خيوط الحبك وطعام العمال وتنقلات صاحب الأرض. ويضيف المزارع رباح غبرة المنحدر من الريف الجنوبي لمحافظة السويداء: "إذا ما أضفنا تكاليف الزراعة فإننا نجد أن الدونم الواحد يكلف في الموسم 150 ألف ليرة".
في المقابل، يرى صاحب حصادة أن هذه الأجور بخسة وبالكاد تكفي، مقارنة بالجهد المبذول وأسعار قطع الغيار والزيوت للحصادات، موضحاً أن الأجر اليومي لسائق الحصادة 150 الف ليرة مقابل 100 الف للعامل العادي، وبالتالي لا صاحب الأرض راض بما جنى ولا صاحب الآلية راض أيضاً. وبحسب تعبيره "الكل خاسر ما عدا حكومة النظام السوري التي في النهاية ستأخذ المحصول بالسعر الذي لا يلائم الفلاح، حيث على الفلاحين أن لا يرضخوا لأسعار الحكومة".
وأكد المزارع غبرة أن معم الفلاحين لم يحصلوا على مخصصاتهم من المازوت الزراعي المخصص لعملية الحصاد، الأمر الذي قد يجبرهم على شراء المادة من السوق السوداء بأسعار وصلت إلى 22 ألف ليرة لليتر الواحد، الأمر الذي يفرض تكاليف مضاعفة على الفلاح الذي يخشى خسارة موسمه.
تضمين الأراضي الزراعية للمستثمرين.. الحل الأفضل
ويلجأ الكثير من الفلاحين في المحافظة منذ سنوات إلى اتباع سياسة ربما تكون حلاً جيداً لتوفير مؤنتهم على أبعد تقدير حيث يقومون بتأجير أراضيهم لمستثمرين على الربع، حيث يحصل صاحب الأرض في نهاية الموسم على ربع المحصول دون أن يتدخل بأي عملية من عمليات الإنتاج، وهذا النهج يتبعه الفلاحون في القرى ذات المساحات الزراعية الضيقة لتأمين مؤونتهم من الحبوب غالباً، فيما يلجأ له الفلاحون من مناطق ذات مساحات واسعة لتوفير مؤونتهم وبيع ما يزيد عن حاجتهم دون أن يتكلفوا عناء الزراعة والحصاد، ويعتبر الكثيرون منهم أن ذلك هو الحل الأمثل والأفضل جدوى والأقل مشقةً هذه الأيام.
لكن هذا الحل يلقي بظلاله على المستثمر وخاصة بعد رفع الأجور ما يزيد تكاليف المحصول، وبين هذا وذاك، تُثار مخاوف كبيرة من أن يفقد فلاحو المحافظة خلال السنوات المقبلة الرغبة نهائياً في الزراعة التي تعد المورد الأساسي للدخل في المحافظة.