يدرس الرئيس الأميركي، جو بايدن، تنفيذ خطة إنفاق ضخمة جديدة في الاقتصاد الأميركي بقيمة 3 تريليونات دولار تخصص لمشروعات البنية التحتية.وحسب وكالة بلومبيرغ ومصادر أميركية أخرى، فقد تم بالفعل تقديم الخطة للرئيس بايدن من قبل مستشاريه ويتجه لعرضها في مؤتمره الصحافي غداً الخميس. وتتناول خطة الإنفاق الجديدة الاستثمار في الطرق والكباري والموانئ والمطارات وشبكات الكهرباء والإنترنت، التي يرى اقتصاديون أنها أحد أكبر العوامل التي تعرقل النمو الاقتصادي السريع وتؤخر كفاءته وقدرته التنافسية.
وحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، فإن خطة البنية التحتية تنقسم إلى شقين، الشق الأول يتناول تحديث وصيانة البنى التحتية التقليدية؛ المطارات والطرق والكباري. والشق الثاني يعالج قضايا الجامعات والتعليم والتدريب والتأهيل ضمن إطار رفع دخول الطبقة الوسطى وتوسيعها. وتصب الخطة في تعزيز الانتعاش الأميركي وتحديث الولايات المتحدة وتأهيلها للحفاظ على موقعها القيادي في العالم.
يذكر أن البنية التحتية الأميركية لم تحظ بالتحديث خلال العقود الأخيرة، مقارنة بالبنى التحتية الحديثة في الصين، وبالتالي فهي بحاجة إلى استثمارات كبيرة وعاجلة.
ويرى خبراء في تحليل بصحيفة "وول ستريت جورنال"، أن إدارة بايدن ستوفر التمويل للخطة الجديدة عبر رفع الضرائب على الأثرياء وإصدار السندات ومقترحات أخرى خاصة بالشراكة بين القطاع الخاص والحكومة.
لكن في المقابل، فإن الخطة ربما ستجد معارضة من أعضاء الكونغرس الذين يرفضون التوسع في العجز بالميزانية ورفع الدين العام الأميركي. وكان الدين العام الأميركي قد ارتفع بنسبة 25% خلال العام الماضي إلى 21.8 تريليون دولار. ويقدر حجم الاقتصاد الأميركي في نهاية العام 2020 بنحو 20.93 تريليون دولار، وفقاً لبيانات الوكالة الفيدرالية الأميركية للتحليل الاقتصادي.
ولكن مستشاري بايدن، يرون أن الخطة تستحق الإجازة والتنفيذ من قبل الكونغرس والبيت الأبيض، رغم أنها سترفع من الدين العام الأميركي لأنها ببساطة ستدعم الانتعاش ولفترة طويلة وستزيد من عدد الوظائف الجديدة وترفع من كفاءة الأداء الاقتصادي بالبلاد وتخلق وفورات للشركات الأميركية.
في هذا الشأن، يرى البروفسور هنري بتروسكاي من جامعة ديوك الأميركية في تحليل نشر مقتطفات منه "مجلس العلاقات الخارجية" الأميركي، أن زحام الطرق وتعطل الحركة يكلفان الاقتصاد الأميركي نحو 120 مليار دولار سنوياً. ويقدر خبراء في البنى التحتية في ذات التحليل، أن مشروعات البنى التحتية في أميركا بحاجة ماسة لاستثمارات عاجلة تقدر بنحو تريليوني دولار خلال السنوات الخمس المقبلة حتى العام 2025.
ويقترح الكونغرس الأميركي مجموعة من الخطط لإصلاح مشاريع البنى التحتية وتحديثها في الولايات المتحدة. من بين هذه المشروعات، إنشاء بنك فيدرالي لتمويل مشاريع البنى التحتية، وتأسيس مشروعات مشتركة بين الحكومة والقطاع الخاص تختص بالبنى التحتية، وذلك إضافة إلى زيادة التمويل الحكومي من الميزانية الفدرالية. ويبدو أن خطة بايدن ستتناول جميع هذه المقترحات في خطة التمويل المقترحة البالغة 3 تريليونات دولار.
ويرى البروفسور هنري بتروسكاي، في التعليقات التي نشرها "مجلس العلاقات الخارجية" الأميركي، أن المطارات الأميركية تعاني من الاختناق ومجموعة من المشاكل اللوجستية التي تعرقل حركة السياحة الأميركية الداخلية والخارجية التي تجلب للاقتصاد الأميركي مئات المليارات سنوياً وتوظف نحو 1.4 مليون أميركي يرفدون الميزانية الفدرالية بالضرائب. ويقول بتروسكاي، إن أعطال واختناق المطارات تكلف الاقتصاد الأميركي خسائر سنوية تقدر بنحو 35 مليار دولار.
وفي ذات التحليل، يرى خبراء أن الإنفاق على تجديد وتحديث البنى التحتية سيقلل كلف المواصلات ويزيد من كفاءة الاقتصاد ويرفع من قدرته التنافسية على المدى الطويل. وتقول مجموعة من الشركات في حوار "الدائرة المستديرة" الذي خصص لمناقشة قضايا البنى التحتية في العام الماضي، إن استثمار واحد في المائة من الناتج المحلي الأميركي في البنى التحتية سيرفع حجم الاقتصاد الأميركي بنحو 83 مليار دولار سنوياً ويخلق 1.7 مليون وظيفة جديدة.
وتعد الولايات المتحدة من بين الدول المتخلفة نسبياً في الإنفاق على البنى التحتية، مقارنة بإنفاق الدول والكتل المنافسة لها في أوروبا وآسيا، خاصة الصين. إذ يقدر حجم الإنفاق على البنى التحتية في الكتلة الأوروبية بنحو 5% سنوياً من إجمالي الناتج المحلي الذي تقدر بيانات "يوروستات" حجمه بنحو 18.292 تريليون دولار في العام 2019 السابق لجائحة كورونا. وهذا يعني أن أوروبا تنفق أكثر من 900 مليار دولار سنوياً على تجديد وتحديث مشروعات الطرق والكباري والمطارات. بينما تنفق الصين التي لديها بنى تحتية حديثة اكتمل معظمها خلال العقد الماضي، نحو 8% من الناتج المحلي الإجمالي الذي يقدره البنك الدولي بنحو 14.28 تريليون دولار في العام 2019، أي أنها تنفق سنوياً أكثر من 1.12 تريليون دولار.
وفي المقابل، فإن الولايات المتحدة تنفق نحو 4% فقط من إجمالي الناتج المحلي على البنى التحتية. لكن خبراء يرون أن من عوامل تخلف البنية التحتية في أميركا أن الحكومة الفيدرالية تترك عمليات الصيانة والتحديث لحكومات الولايات التي عادة لا تمنحها أولوية في التمويل.
وترى منظمة "صن رايز"، وهي منظمة مدنية أميركية دعمت بقوة الحملة الرئاسية لجو بايدن، أن مبلغ 3 تريليونات ربما لن يكون كافياً لمعالجة المشاكل العويصة التي تعاني منها البنى التحتية في الولايات المتحدة، وربما تحتاج إلى أكثر من هذا المبلغ.
ونصحت رئيسة المنظمة، ألين سيلز، الرئيس بايدن بعدم الالتفات للمعارضة التي يجدها من قبل نواب الحزب الجمهوري بالكونغرس لأنهم يخططون لطرح خطة موازية لخطته. ولكن يعتقد جمهوريون أن الخطة لن تجد معارضة تذكر في مجلسي الكونغرس، لأن العديد من نواب الحزب الجمهوري لديهم قناعة بضرورة زيادة الإنفاق على البنى التحتية في الولايات المتحدة. وكان الإنفاق على البنى التحتية من بين الخطط الرئيسية التي طرحها الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب وساهمت في فوزه بالانتخابات الرئاسية في العام 2016.
ومن المتوقع وفي حال تمرير خطة الثلاثة تريليونات دولار من قبل المشرعين، أن تدفع الانتعاش الاقتصادي الأميركي للنمو فوق معدل التوقعات الحالية التي أعلن عنها مجلس الاحتياط الفدرالي "البنك المركزي الأميركي" في تقريره الأربعاء والمقدرة بنحو 6.4% خلال العام الجاري.
وعلى صعيد سوق المال الأميركية، فإن خبراء يرون أن ضخ هذا الحجم الضخم من الاستثمارات في الاقتصاد، سيعني ارتفاعاً قياسياً في مؤشرات سوق المال الأميركية. وكانت سوق "وول ستريت" ارتفعت بنحو 13.1 تريليون دولار في العام الماضي.
ويتوقع اقتصاديون أن ترفع الخطة من القوة الشرائية في الولايات المتحدة، وترفع من حجم السيولة في المصارف الأميركية، وبالتالي ربما تخلق دورة جديدة من الانتعاش الحقيقي في الولايات المتحدة. وتتوفر لدى المصارف الأميركية سيولة كبيرة للتمويل في الوقت الراهن.
في هذا الصدد، يرى مصرف "جي بي مورغان"، أن البنوك التجارية الأميركية غارقة في السيولة، ولديها احتياطات نقدية تقدر بنحو 3.2 تريليونات دولار. كما يشير إلى أن الإيداعات في الحسابات المصرفية ارتفعت بنسبة 35% خلال الربع الأخير من العام الماضي، مقارنة بمستوياتها في الربع الأخير من عام 2019.
ومن المقدر أن ترتفع الإيداعات الجديدة مع صرف العائلات الأميركية لشيكات حزمة التحفيز الأميركي البالغة 1.9 تريليون دولار وضخ 3 تريليونات أخرى في الاقتصاد الأميركي.