انتهى التمرد المسلح لمجموعة فاغنر العسكرية يوم السبت، إلا أن الاقتصاد الروسي لا يزال يترنح ذعراً من حالة عدم اليقين السياسية والعسكرية التي خلفها هذا التحرك العسكري المفاجئ، كونه أكبر تهديد للسيطرة السياسية للرئيس فلاديمير بوتين خلال ربع قرن تقريباً في السلطة، وفقاً لتحليل وكالة "بلومبيرغ".
ردة الفعل الأولى كانت هروب عدد كبير من السياح الأجانب من روسيا خوفاً من تطور الأحداث وفق جولة قامت بها "العربي الجديد" على عدد من مكاتب السياحة والسفر، فيما انخفضت يوم الاثنين، سوق الأسهم عند افتتاح التعاملات في بورصة موسكو، حيث تراجع مؤشر MOEX بنسبة 0.84 في المائة إلى 2771.52 نقطة، بينما خسر مؤشر RTS المقوم بالدولار 1.2 في المائة إلى 1027.54 نقطة، وفق وكالة تاس الروسية.
وخسر الروبل بنسبة 3 في المائة تقريباً مقابل الدولار صباح الاثنين، وهو أكبر معدل هبوط هذا العام، وخلال النهار، تمكنت العملة الروسية من محو خسائرها لتتداول على ارتفاع بنسبة 0.1 في المائة عند 84.59 للدولار.
وكتب المحلل الاستراتيجي في بنك ألفا جون والش في مذكرة: "تقلل العملة الروسية من خسائرها مع تهدئة المخاوف بشأن أحداث نهاية الأسبوع". وقال إنه على الرغم من استيعاب السوق لمعظم الصدمات، إلا أن الأحداث تزيد من مخاطر التضخم.
وقال محللو "يوني كريديت" لـ "بلومبيرغ": "من المرجح أن يؤدي استمرار عدم اليقين إلى إبقاء الروبل تحت الضغط"، وتوقعوا انخفاضاً إلى نحو 90 مقابل الدولار. وقد رفعت البنوك الروسية أسعار الصرف يوم السبت إلى أكثر من 100 روبل للدولار مع تقدم جيش بريغوجين نحو موسكو.
تأثر السياحة
وقالت إليزافيتا فيكتور، وهي صاحبة شركة سياحية في موسكو، لـ"العربي الجديد": "صباح يوم السبت الماضي فوجئنا بتمرد قوات فاغنر وإعلانها التوجه نحو موسكو، ما جعلنا نحن نقلق شخصياً، فما بالك بالسياح؟".
وأضافت فيكتور: "كنا في حالة ترقب، في نفس اليوم كان لدينا سياح من دول مجاورة، الكثير منهم طلبوا العودة إلى بلادهم يوم السبت مباشرة رغم أن أسعار تذاكر طيران كانت مرتفعة للغاية".
بدورها، تقول المرشدة السياحية آنوشكا، التي فضلت عدم الكشف عن اسم عائلتها، لـ"العربي الجديد" إن "قطاع السياحة متأثر منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية، والتمرد جعل الوضع يزداد سوءاً، ويسبب حالة من الخوف بين السياح الذين قل عددهم أساساً بسبب الحرب والعقوبات".
وتوضح أنوشكا أن "ما حدث سيكون له تأثير في المستقبل، الأوضاع الآن شبه مستقرة والأمور عادت إلى طبيعتها، لكن هناك سياح لن يأتوا إلى روسا خوفاً من تكرار هكذا أحداث. القطاع السياحي سيحتاج إلى الكثير من الوضع ليعود إلى التعافي".
قلق عالمي
وأكد خبراء اقتصاديون في أحاديث مع "التلغراف" البريطانية أن الاقتصاد الروسي قد يتعرض للاختناق بعد محاولة الانقلاب التي قادها زعيم فاغنر من روستوف، وهي مركز تصدير حيوي للحبوب والنفط. وتوقع هؤلاء أن ترتفع أسعار الحبوب العالمية بأكثر من الربع، مع زيادات حادة في أسعار النفط خلال الفترة المقبلة.
في حين أن الروبل محظور من التبادلات العالمية للعملات، فإن الروس العاديين يضطرون إلى دفع أكثر من ضعف سعر شراء الدولار من متاجر العملات المحلية مقارنة بالفترة ما قبل التمرد.
وذكرت وسائل إخبارية محلية يوم السبت أن مكاتب الصرافة المحلية كانت تطالب بما يصل إلى 200 روبل للدولار، بزيادة حادة عن أسعار اليوم السابق التي بلغت حوالي 85 روبلاً.
كما ارتفعت أسعار الرحلات الجوية من روسيا، بعد زعزعة قبضة الرئيس بوتين على السلطة. وحذر أحد الخبراء الجيوسياسيين من أن فقدان الثقة في الأعمال التجارية داخل روسيا قد يكون أسوأ مما كان عليه خلال الغزو الأولي لأوكرانيا، الذي قضى على 44.5 مليار دولار من الناتج الاقتصادي للبلاد خلال عام 2022.
وقالت تاتيانا أورلوفا، كبيرة الاقتصاديين في الأسواق الناشئة في أكسفورد إيكونوميكس والمتخصصة في الشؤون الروسية لـ "التلغراف"، إن روستوف تحتل "موقعاً استراتيجياً" كأحد مراكز التصدير الرئيسية في البلاد. وهي أيضاً المقر الرئيسي للمنطقة العسكرية الجنوبية في روسيا، وهي أحد المراكز العصبية التي تشرف على غزو أوكرانيا.
تُعد روسيا واحدة من أكبر مصدري الحبوب في العالم، وأي اضطراب في الإمدادات عبر روستوف والموانئ الأخرى سوف ينتشر بسرعة في جميع أنحاء العالم.
وقالت ماريا شاجينا، المتخصصة في العقوبات الاقتصادية والاستراتيجية في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إن الوضع بالفعل "يزعزع استقرار" الاقتصاد الروسي. في المقابل توقع كريس ويفر، الرئيس التنفيذي لشركة الاستشارات الاقتصادية ماكرو أدفازوري، أن أسعار الحبوب يمكن أن ترتفع بنسبة تصل إلى 29 في المائة بعد تمرد روستوف.
وقال نايغل غولد ديفيز، كبير الاقتصاديين في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية لروسيا وأوراسيا لـ"التلغراف" إن التأثير على ثقة الأعمال سيكون "أسوأ" من الضربة التي تلقتها روسيا بعد غزو أوكرانيا في فبراير/ شباط 2022. إذ منذ بداية رئاسة بوتين، كان شعار حكمه هو الاستقرار ووحدة السلطة، وقوة الدولة العمودية، كما يسميها.
وعملياً كان المستثمرون يراقبون تداعيات التمرد في روسيا، حيث توقع البعض الانتقال إلى الملاذات الآمنة مثل سندات الحكومة الأميركية والدولار.
وترك التمرد رغم انتهائه، أسئلة دون إجابة بشأن قبضة الرئيس فلاديمير بوتين على السلطة.
وقال جو كابورسو الخبير الاستراتيجي في بنك الكومنولث الأسترالي في سيدني لوكالة "رويترز" الاثنين: "بدأ التمرد وتوقف عندما أغلقت الأسواق، لذلك لم يكن هناك رد فعل فوري". غالبًا ما كانت الأسواق المالية متقلبة منذ غزو روسيا لأوكرانيا، مما تسبب في حدوث تصدعات من خلال التمويل العالمي، حيث سارعت البنوك والمستثمرون للتخلص من الانكشاف.
بعد أحداث يوم السبت، قال بعض المستثمرين إنهم يركزون على التأثير المحتمل على الأصول الآمنة مثل سندات الخزانة الأميركية وأسعار السلع، نظرًا لأن روسيا مورد رئيسي للطاقة والحبوب.