تكثف شركات النفط الأميركية مساعيها لزيادة الإنتاج في الولايات المتحدة، في الوقت الذي تتعاظم المخاوف من اتساع رقعة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وزيادة التوترات الجيوسياسية، التي دفعت البنك الدولي إلى التحذير في تقرير، أمس الاثنين، من ارتفاع كبير لأسعار الخام في سيناريو شبيه بعام 1973.
أعلنت شركتا "إكسون موبيل" و"شيفرون" عن صفقات استحواذ ضخمة لشراء شركات أميركية، مما سيعزز بصمة شركات النفط الأميركية الكبرى في سوقها المحلية للتنقيب عن الخام.
من المقرر أن تستحوذ "إكسون موبيل" على شركة "بايونير" للموارد الطبيعية مقابل 59.5 مليار دولار، مما يجعلها أكبر منتج في حوض بيرميان، أكبر حوض لإنتاج النفط والغاز الطبيعي في الولايات المتحدة، في وقت أدى استحواذ شركة "شيفرون" على شركة "هيس" بقيمة 53 مليار دولار إلى توسيع أصولها في الولايات المتحدة الأميركية أيضا.
وبالرهان على توقعات الطلب العالمي المستمر على النفط والغاز وانخفاض تكاليف الإنتاج من خلال التآزر مع الشركات المستحوذ عليها، تتطلع "إكسون" و"شيفرون" إلى بناء محافظ أقوى في مجال التنقيب والإنتاج داخل الولايات المتحدة، وكذلك في الفناء الخلفي في أميركا اللاتينية. ويأتي هذا التحول الاستراتيجي في الوقت الذي تنسحب فيه شركات النفط الأميركية العملاقة من أوروبا الغربية وغرب أفريقيا وروسيا، مع التركيز على مناطق أكثر استقراراً وأقرب وسط حالة من عدم اليقين الجيوسياسي.
وقال محللون لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، إن عصر شركات النفط الأميركية العملاقة التي تمتلك مجموعة متنوعة من الأصول المنتشرة في جميع أنحاء العالم قد انتهى. ومن خلال صفقات الاستحواذ التي تجري، ستصبح "إكسون"، التي انسحبت من روسيا والكاميرون وتشاد في السنوات الأخيرة، أكبر منتج في حوض بيرميان الواقع في تكساس ونيو مكسيكو. كذلك ستضيف "شيفرون" أصولاً في عدة مناطق للنفط الصخري، بعد التخلص من الأصول في المملكة المتحدة والنرويج في السنوات الأخيرة.
وقالت "إكسون" عند الإعلان عن الصفقة إن الاندماج مع "بايونير" سيعمل على تحويل محفظة التنقيب والإنتاج لشركة إكسون موبيل من خلال زيادة الإنتاج منخفض تكلفة التوريد، فضلاً عن مرونة رأس المال في الدورة القصيرة. وتتوقع الشركة أن تقل تكلفة التوريد عن 35 دولاراً للبرميل.
وبحلول عام 2027، ستشكل البراميل قصيرة الدورة أكثر من 40% من إجمالي أحجام الإنتاج، مما يضع الشركة في وضع يسمح لها بالاستجابة بسرعة أكبر لتغيرات الطلب.
لا يزال الخطر الأكبر على أسعار النفط الخام منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، يتركز في احتمال انتشار الصراع إلى دول أخرى في المنطقة. ويوفر الشرق الأوسط نحو ثلث النفط العالمي، وقالت إيران قبل يومين إن التوغل الإسرائيلي في غزة "قد يجبر جميع الأطراف على التحرك".
في الأثناء، توقع البنك الدولي، أمس، أن يبلغ متوسط أسعار النفط العالمية 90 دولاراً للبرميل في الربع الأخير من العام الجاري، محذرا من تداعيات تصاعد الصراع في الشرق الأوسط على الأسعار.
وأشار البنك في تقرير عن توقعات أسواق السلع الأولية إلى ثلاثة سيناريوهات للمخاطر، استناداً إلى صراعات في المنطقة منذ السبعينيات، مع التدرج في زيادة المخاطر وعواقبها.
وأوضح أن من شأن سيناريو "الاضطراب البسيط" الذي يعادل تأثيره انخفاض إنتاج النفط الذي حدث خلال الحرب الأهلية في ليبيا عام 2011 بما يتراوح بين 500 ألف ومليوني برميل يومياً، أن يدفع أسعار النفط إلى نطاق يتراوح بين 93 و102 دولار للبرميل في الأشهر الثلاثة الأخيرة من هذا العام.
وأضاف أن من شأن سيناريو "الاضطراب المتوسط"، الذي يعادل تقريباً أثر حرب العراق عام 2003، أن يقلص إمدادات النفط العالمية بمقدار يتراوح بين 3 ملايين و5 ملايين برميل يومياً ليدفع الأسعار للارتفاع إلى ما بين 109 و121 دولاراً للبرميل.
وقال البنك الدولي إن سيناريو "الاضطراب الكبير" يقارب تأثير الحظر النفطي العربي عام 1973 والذي أدى إلى تراجع إمدادات النفط العالمية بما يتراوح بين 6 ملايين و8 ملايين برميل يومياً، ما من شأنه أن يؤدي في البداية إلى صعود الأسعار إلى ما بين 140 و157 دولاراً للبرميل، أي قفزة تصل إلى 75%.
وقال أيهان كوسي، نائب كبير الخبراء الاقتصاديين في البنك الدولي إنه "إذا استمر ارتفاع أسعار النفط فهذا يعني حتماً ارتفاع أسعار المواد الغذائية... وإذا حدثت صدمة حادة في أسعار النفط فإن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى نمو تضخم أسعار المواد الغذائية الذي ارتفع بالفعل في العديد من البلدان النامية".