أنطلقت الانتخابات البرلمانية في لبنان، يوم الأحد، وسط إحباط شعبي واسع بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية والمالية والمعيشية وتهاوي الليرة وزيادة حدة الفقر والبطالة والغلاء والطبقة الوسطى في البلاد.
ويعيش الكثير من اللبنانيين وسط أزمات متفاقمة، بدءاً من انهيار العملة المحلية ومروراً بانقطاع الكهرباء وغلاء معظم السلع والخدمات الضرورية.
وكان الناخبون قد فوجئوا اليوم بانقطاع الكهرباء في عدد من مراكز الاقتراع، وفق تقارير محلية، رغم تأكيد وزارة الداخلية أن التغذية ستكون متوافرة بشكل متواصل طوال اليوم الانتخابي.
زلزل اقتصادي يهزّ البلاد
تأتي الانتخابات الحالية في الوقت الذي يواجه فيه لبنان انهياراً اقتصادياً صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ عام 1850.
وبات أكثر من ثمانين في المائة من السكان تحت خط الفقر، وخسرت الليرة اللبنانية أكثر من تسعين في المائة من قيمتها أمام الدولار، ولامس معدل البطالة نحو ثلاثين في المائة.
بات أكثر من 80% من السكان تحت خط الفقر، وخسرت الليرة أكثر من 90% من قيمتها أمام الدولار، ولامس معدل البطالة نحو 30%
كذلك، تعاني البلاد من شحّ في السيولة وقيود على السحوبات المالية من المصارف وانقطاع في التيار الكهربائي معظم ساعات اليوم.
ومنذ الانتخابات السابقة في عام 2018 هزّ لبنان انهيار اقتصادي، في ظل اتهامات مباشر للنخبة الحاكمة، كما شهد مرفأ بيروت انفجاراً ضخماً في 2020. ويحمّل اللبنانيون السلطة الحاكمة في بلادهم مسؤولية تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد.
وقالت الأمم المتحدة، الأربعاء الماضي، إنّ الدولة اللبنانية والمصرف المركزي مسؤولان عن أزمة مالية غير مسبوقة أدت الى إفقار غالبية السكان الذين يتخبطون لتأمين الحدّ الأدنى من احتياجاتهم.
تهاوي العملة المحلية
مع انخفاض قيمة العملة اللبنانية إلى مستويات غير مسبوقة، يكافح الموظف تحديداً والذي يتقاضى أجره بالليرة اللبنانية من أجل تأمين سيرورة وتكلفة الحياة اليومية، وتأمين أدنى مقومات العيش، وفي ظل هذه المحاولات، تظهر الفواتير الشهرية، لتأمين الكهرباء، والماء، وحتى الإنترنت، معضلة حقيقية لا يمكن للكثير من المواطنين تحمّلها.
يشكو محمد الأحمد (موظف) من عدم قدرته على تأمين تكاليف النقل من منزله إلى عمله، بعدما وصل سعر "تنكة" البنزين إلى أكثر من 500 ألف ليرة، ما يعني تقريباً نحو 25 في المائة من الحد الأدنى للراتب الذي بات اليوم يساوي مليوني ليرة.
يقول الأحمد لـ "العربي الجديد": لم يعد بإمكاني تعبئة الوقود، ببساطة لأن راتبي يوازي حرفياً تعبئة الوقود لمدة شهر، فكيف أتدبر شؤون الحياة اليومية أو أدفع الفواتير الخاصة بتعرفة المولد أو الماء؟".
لا يختلف واقع الأحمد عن فئة كبيرة من المواطنين، الذين يدفعون عملياً أكثر من ضعف الراتب نظير تسديد الفواتير الشهرية. بحسب سامية عيدو (موظفة بالقطاع الخاص) فإن راتبها يذهب حرفياً لتسديد ثمن اشتراك المولد، ودفع فاتورة الإنترنت التي تتقاسمها مع جيرانها، فيما يتكفّل زوجها بتسديد تكاليف المأكل والمشرب.
الفواتير أضعاف الراتب
يتكبد اللبنانيون ما لا يقل عن 6 إلى 8 ملايين ليرة لبنانية تقريباً "ما بين 180 و300 دولار" (على اعتبار أنّ سعر الصرف وصل إلى 27 ألف ليرة) لتسديد فاتورة المولد، تضاف إليها فاتورة الكهرباء الرسمية، وفواتير شراء الماء، والإنترنت، وغيرها من الدفعات الشهرية.
في العاصمة بيروت، تسدد العائلات ما لا يقل عن ثلاثة ملايين ليرة بدل الاشتراك في مولد الكهرباء، فيما تصل التكاليف في مناطق أخرى إلى حدود 4 ملايين ليرة (أكثر من 100 دولار)، وهي توازي راتب موظف من الدرجات الثالثة في القطاع العام.
وبعيداً عما يتكبّده المواطن نظير الفواتير البديلة التي فرضتها قوى الفساد في لبنان، والتي كان الأجدى بها أن تؤمن مقومات العيش الكريم، يسدد اللبناني رسوم الفواتير الرسمية للتيار الكهربائي الغائب أصلاً، إذ يدفع المواطن في الوقت الحالي ما بين 70 ألفاً و200 ألف ليرة بدل الحصول على كهرباء الدولة، بمعدل وسطي يصل إلى 130 أو 140 ألفاً، وترتفع هذه التكلفة بحسب المناطق، وبحسب التغذية الكهربائية.
وإن بدت هذه التكلفة بسيطة، لكنها توازي 10 في المائة من الحد الأدنى، وهو رقم غير مقبول مقارنة مع ما يتكبده اللبناني شهرياً من فواتير ومدفوعات.
المنظومة السياسية تتحمّل المسؤولية
وفي الوقت الذي يتجاهل فيه مرشحون الأزمات المعيشية للمواطن، يعلق رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو على قفزة الأسعار بالقول إن المنظومة السياسية اللبنانية تتحمّل كامل المسؤولية عما وصل إليه الوضع في البلاد.
ويتساءل: هل من المقبول أن يكون رسم الاشتراك في الكهرباء مع الضرائب يوازي أكثر من 70 في المائة من قيمة الفاتورة النهائية؟
ويقول لـ "العربي الجديد": "لطالما شكلت معضلة رسوم فواتير الكهرباء مدخلاً أو باباً لسرقة المواطن، لكن اليوم مع الانهيار الكامل للاقتصاد، سياسة تجويع المواطن، ما هي الحكمة من وراء الضرائب التي تفرض على الخدمات الغائبة عن اللبنانيين".
بحسب برو، لا تقف حدود الفساد عند هذا الحد، بل أيضاً يتكبد اللبناني أكثر من 50 في المائة من قيمة فواتير الماء، الإنترنت، والوقود التي يدفعها شهرياً نظيراً ضرائب ورسوم يستغلها فئة قليلة من السياسيين والتجار.
تسدد العائلات ما لا يقل عن ثلاثة ملايين ليرة بدل الاشتراك في مولد الكهرباء، فيما تصل التكاليف في مناطق أخرى إلى حدود 4 ملايين ليرة
الضرائب والرسوم التي تسدد شهرياً بدل الحصول على الكهرباء من المرجح أن تشهد ارتفاعات، بحسب الخطة التي وضعتها وزارة الطاقة والمياه، لترتفع إلى نحو 20 ضعفاً تقريباً، إذ سترتفع قيمة الكيلوواط 16 ضعفاً، لتصبح 566 ليرة فيما سوف ترتفع الكلفة الثابتة والرسوم بنحو 29 ضعفاً لتصبح 287.000 ليرة. بالتالي قد تتراوح قيمة الفاتورة ما بين 600 ألف ومليوني ليرة لبنانية.
أزمة نقص المياه
وفي الوقت الذي جرت فيه الانتخابات النيابية أمس تشكو العديد من العائلات بسبب نقص المياه في لبنان، إذ تروي سناء حمادة قصة معاناتها مع شراء المياه شهرياً، والتي دفعتها مؤخراً إلى اتباع سياسة تقشفية، كما تقول لـ "العربي الجديد". تتقاضى حمادة (مدرسة) مليوناً و200 ألف ليرة، سددتها بالكامل الشهر الماضي لشراء المياه.
بحسب حمادة، تحتاج أسبوعياً إلى ما بين 150 ألفاً و200 ألف ليرة لشراء المياه المخصصة للخدمة المنزلية، ومع اقتراب فصل الصيف، فإن هذه التكاليف ستترفع حتماً، ما يعني أنها شهرياً تسدد ما لا يقل عن 800 ألف ليرة.
بالإضافة إلى ذلك، تضطر أسبوعياً إلى شراء ثلاث قوارير من الماء المخصص للشرب، بتكلفة تتعدى 200 ألف ليرة أسبوعياً.
الإنترنت والاتصالات
تختلف أسعار الإنترنت بحسب الباقة المقدمة من قبل الشركات. وعادة ما تتراوح الأسعار ما بين 80 إلى 130 ألفاً نظير الحصول على إنترنت من هيئة "أوجيرو" المعنية بالاتصالات، ولكن بسبب رداءة الإنترنت، يضطر الكثير من اللبنانيين إلى الاستعانة بالشركات الخاصة، وقد تتراوح الأسعار ما بين 30 و90 دولاراً شهرياً، أي بمعدل وسطي يصل إلى 60 دولاراً، أي أكثر من مليون و800 ألف ليرة.
أما بالنسبة للاتصالات الخلوية، فحتى الآن لا يزال السعر مقبولاً بالنسبة إلى أصحاب الرواتب بالعملات الصعبة، ولكن لمحدودي الدخل، فهي بلا شك مرتفعة جداً، حسب مواطنين.
يأسف الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة على ما وصلت إليه الأمور في لبنان، ويقول: "الأزمة الاقتصادية الحالية انعكست سلباً على نواحي الحياة كافة".
ويضيف "تغير نمط حياة اللبنانيين، وباتت سياسة التقشف سيدة الموقف، حتى إنّ العديد من الموظفين غير قادرين على الوصول إلى مكان عملهم نتيجة الارتفاعات الجنونية لأسعار الطاقة".
وفق الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة، يحتاج اللبناني إلى ما لا يقل عن 20 مليون ليرة، حتى يتمكن من العيش بكرامة
وبحسب الخبير الاقتصادي، لم يعد اللبناني قادراً على تسديد قيمة الفواتير التي بحسب رأيه تتخطى 6 ملايين ليرة شهرياً، وهو راتب موظف في الفئة الأولى في القطاع العام.
يقول لـ "العربي الجديد": "بات المواطن يتبع سياسة تقشفية كنمط في حياته. ووفق عجاقة، يحتاج اللبناني إلى ما لا يقل عن 20 مليون ليرة، حتى يتمكن من العيش بكرامة، على ألا تتخطى قيمة الفواتير من معدل الأجور أكثر من 20 في المائة، وإلا فإن مستويات التضخم في البلاد ستشهد ارتفاعات غير مسبوقة في المستقبل القريب".