تبدو وسائل الإعلام الإسرائيلية عاجزة عن رصد المكاسب الاقتصادية الهائلة التي تمنحها حكومة بنيامين نتنياهو المتبلورة للتيار الديني الحريدي. فمنذ أن شرع حزب الليكود الذي يقوده نتنياهو في إجراء المفاوضات مع الأحزاب الدينية، وضمنها الحركات الحريدية، يجري الكشف عن مزيد من الالتزامات الاقتصادية التي قطعها نتنياهو على نفسه للأحزاب الحريدية مقابل مشاركتها في حكومته.
ولعل آخر ما كُشف عنه يتعلق بموافقة نتنياهو على أن تمنح الحكومة المقبلة مبلغ 100 ألف شيكل (حوالي 30 ألف دولار) لكل عائلة حريدية ترغب في شراء شقة سكنية. وحسب ما ذكرته صحيفة "غلوبس" الاقتصادية في عددها الصادر اليوم، فإن هذه التسهيلات تُمنح لأتباع التيار الحريدي حصرا ولن يتمتع بها العلمانيون.
ولفتت الصحيفة إلى أنه حسب الاتفاق الذي جرى التوصل إليه بين الليكود وحركة "يهدوت هتوراة" الحريدية، فإن زعيم الحركة الحاخام إسحاق غولدكناف، الذي سيتولى منصب وزير الإسكان في الحكومة المقبلة هو الذي سيتولى بلورة سياسات الإسكان والإشراف على تطبيقها. ومما يفاقم الكلفة المادية لهذا الاتفاق حقيقة أن الحريديم يطالبون بأن يتم بناء 15 ألف وحدة سكنية لهم سنويا.
امتيازات إضافية
إلى جانب ذلك، فإن الاتفاق ينص على أن تصدر الحكومة العتيدة بعد 90 يوما على تشكلها قرارا بتدشين مدينة حريدية جديدة. لكن الحريديم لا يكتفون بذلك، بل يطالبون أيضا بخفض قيمة الفائدة على القروض الائتمانية التي توظف لشراء الشقق السكنية.
وحسب "غلوبس"، فإن "إنجازات" الحريديم على صعيد الإسكان لن تساهم فقط في زيادة الأعباء على خزانة "الدولة" بل ستعمق أيضا أزمة السكن في إسرائيل، حيث يعاني من ارتفاع الأسعار. ولا تقف الأمور عند هذا الحد، فقد حقق الحريديم إنجازا كبيرا على صعيد الحصول على شروط تمييزية في كل ما يتعلق بفرص العمل في مؤسسات القطاع العام والمرافق الحكومية.
فكما ذكرت قناة التلفزة الرسمية "كان" فقد جرى الاتفاق بين الليكود و"يهدوت هتوراة" على أن يجري إعفاء الشباب الحريدي الذي يتقدم للتنافس على فرص عمل في القطاع العام من الحصول على اللقب الأكاديمي الأول، ويتم الاستعاضة عنه بخبرة في المجال، في حين أن الشباب العلماني مطالب بأن يكون حاصلا على اللقب الأول.
لكن مما لا شك فيه أن أحد أكثر التداعيات السلبية على الاقتصاد الإسرائيلي تتمثل في مطالبة الأحزاب الحريدية بأن تُوفر "كهرباء حلال" للمدن والبلدات الحريدية.
وكما كشفت قناة "12"، فإن فكرة "الكهرباء الحلال" تقوم على التزام "الدولة" بعدم إنتاج الكهرباء أيام السبت، والاستعاضة عن ذلك عبر تخزين الكهرباء في مرافق تخزين ضخمة، ومد التجمعات السكانية الحريدية بها أيام السبت. وقد قدر وزير المالية في الحكومة المنتهية ولايتها أفيغدور ليبرمان في مقابلة مع صحيفة "معاريف" أن توفير "الكهرباء الحلال" سيكلف خزانة الدولة 100 مليار شيكل (حوالي 29.4 مليار دولار).
تبعات اقتصادية
وتنضم امتيازات الحريديم الاقتصادية هذه إلى ما سبق أن كُشف عنه، مثل تخصيص مبلغ 2.5 مليار شيكل (حوالي 735 مليون دولار) سنويا دعماً لطلاب المدارس الدينية التابعة للتيار الحريدي.
إلى جانب ذلك، فإن هناك تبعات اقتصادية غير مباشرة للاتفاقات بين الليكود والأحزاب الحريدية. وحسب هذه الاتفاقات، ستلتزم الحكومة المقبلة بتدشين مسارات أكاديمية في الجامعات يتم فيها الفصل بين الجنسين، وتخصيص مناطق استجمام منفصلة للنساء الحريديات على الشواطئ؛ حيث إن تطبيق هذا الاتفاق يتطلب تخصيص موارد مادية.
في الوقت ذاته، فإن هناك كلفة اقتصادية باهظة ستترتب على نجاح أحزاب الحريديم في تضمين الاتفاق مع الليكود بندا يلغي الإصلاحات على النظام التعليمي التي أدخلتها الحكومة المنتهية ولايتها، والتي تربط بين زيادة المساعدات المادية للمدارس الحريدية بالتزامها بالمواد الأساسية، وهي: الإنكليزية والرياضيات والعلوم.
مع العلم أن عدم تدريس هذه المواد يتسبب في خسائر كبيرة للاقتصاد الإسرائيلي. ففي تقرير نشرته صحيفة "كلكست" الاقتصادية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أشارت إلى أن إسرائيل تخسر 220 مليار شيكل (حوالي 65 مليار دولار) سنويا بفعل تبعات عدم تدريس المواد الأساسية، على اعتبار أن تدريس هذه المواد يساهم في إعداد أتباع التيار الحريدي للانخراط في سوق العمل، الذي يعتمد بشكل أساسي على المجالات التقنية والسيبرانية.