يشهد اليمن توسعا مضطردا في زراعة نبتة "القات" والذي يأتي على حساب العديد من المنتجات والمحاصيل الزراعية مثل البقوليات بمختلف أصنافها من فاصوليا وفول وعدس ولوبيا.
وأثر ذلك على الخيارات الغذائية لليمنيين التي تضيق بسبب الصراع الدائر في البلاد والذي فاقم الأوضاع الإنسانية على مختلف الأصعدة في ظل تدهور اقتصادي ومعيشي وارتفاع قياسي للتضخم يزيد على 70%.
وعلى الرغم من الجهود التي بذلت في اليمن العامين الماضيين لزيادة المساحات المزروعة بالبقوليات ورفع نسبة إنتاجيتها وتشجيع ومساعدة المزارعين والأسر اليمنية في المناطق الزراعية لإنتاج مثل هذه المحاصيل الغذائية، إلا أن أحدث البيانات الصادرة عن إدارة الإحصاء الزراعي تشير إلى محدودية تأثير هذه الجهود على البقوليات التي تدهورت عملية زراعتها بشكل كبير منذ بداية الحرب في البلاد قبل ما يزيد على خمس سنوات.
وحسب البيانات التي اطلعت عليها "العربي الجديد"، فقد تراجع إنتاج اليمن من البقوليات من 80 ألف طن نهاية العام 2014 من مساحة مزروعة تبلغ نحو 41 ألف هكتار، إلى 60 ألف طن العام 2018 من مساحة مزروعة قُدرت بنحو 38 ألف هكتار.
في حين ترجح البيانات ارتفاعها العام الحالي 2020 إلى نحو 93 ألف طن نتيجة لتمكن هذه الجهود من انتزاع مساحة زراعية طفيفة لزراعة بعض أصناف البقوليات مثل الفاصوليا والعدس، إذ يرجح ارتفاع المساحة المزروعة من إلى 48 ألف هكتار.
الخبير الزراعي، ياسر المجيدي، يحذر من خطورة انحسار زراعة المحاصيل الغذائية كالبقوليات والتي يعتبرها العمود الفقري في موائد اليمنيين التي لا تخلو من الفاصوليا والفول والعدس، في ظل أوضاع معيشية متردية.
ويوضح المجيدي في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن زراعة القات تستهلك كميات ضخمة من المياه مع تغير المواسم الزراعية وتراجع منسوب سقوط الأمطار، إلى جانب ما يتعرض له اليمن من تغيرات مناخية وعواصف وفيضانات، إذ اجتمعت كل هذه العوامل لتحد من عملية التوسع من زراعة البقوليات وعديد المحاصيل الزراعية الأخرى.
تقدر آخر بيانات مسح ميزانية للأسر في اليمن الصادرة قبل الحرب عن الجهاز المركزي للإحصاء إنفاق حوالي مليون و562 ألف أسرة يمنية على البقوليات بنحو 23 مليار ريال، تستحوذ الفول والفاصوليا المستوردة والمعلبة على النسبة الأكبر من الإنفاق بما يقارب 19 مليار ريال.
فيما ينفق اليمنيون على نبتة "القات"، بحسب بيانات مسح ميزانية الأسرة التي اطلعت عليها "العربي الجديد"، نحو 149 مليار ريال.
وتأتي البقوليات في المرتبة الأخيرة بين المحاصيل الزراعية من حيث الكمية المنتجة حيث تشكل نسبة 2% بالمتوسط من إجمالي الكمية المنتجة من المحاصيل الزراعية في اليمن. وتشهد أسعارها ارتفاعات قياسية في الأسواق المحلية في اليمن، إذ وصل سعر الكيلوغرام من الفاصوليا إلى نحو 1200 ريال بعد أن كان سعر الكيلوغرام الواحد لا يزيد على 600 ريال.
في السياق، يبرر المزارع في سهل تهامة الزراعي غربي اليمن، سيف المشولي، سبب عزوف المزارعين في اليمن عن زراعة المحاصيل الغذائية، بعدم جدواها من ناحية العائد المادي الذي لا يغطي تكاليف زراعتها الشاقة، إلى جانب محدودية التدخلات الحكومية وفق حديث المشولي لـ"العربي الجديد"، لمساعدة المزارعين ليس فقط في تسويق منتجاتهم ومحاصيلهم وتوفير احتياجاتهم لزراعة بعض هذه المحاصيل مثل الحبوب، بل وعدم مساعدتهم في مواجهة ما يواجهونه من معاناة نتيجة التغيرات المناخية والسيول الجارفة التي تأتي في طليعة الأضرار التي تعرضون لها خلال العامين الماضيين.
وبالإضافة إلى الحرب، تعتبر التغيرات المناخية من العوامل الأساسية التي أضرت كثيراً بالإنتاج المحلي للغذاء وحالة الأمن الغذائي في البلاد ومن ذلك الأضرار التي خلفتها الزوابع والأعاصير والفيضانات التي ضربت المناطق اليمنية خلال الفترة 2010 – 2019.
كما يعاني المزارعون أيضاً من شح الأمطار وسقوطها خارج المواسم الزراعية والجفاف والتصحر بالتزامن مع ارتفاع أسعار الوقود اللازم لضخ مياه الري.
بدوره، يؤكد الباحث الزراعي عبد الله النجار، تضاؤل المساحات الصالحة للزراعة، إذ ليس هناك أراض كافية يمكن زراعتها، في حين التهمت نبتة "القات" مساحات واسعة مع وصول زراعته إلى القيعان الخصبة مثل قاع جهران في ذمار شمال اليمن والبون في عمران الواقعة شمال صنعاء.
ويذكر في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن اليمن يعاني من انهيار غذائي وتدنٍ كبير في نسبة الاكتفاء الذاتي والذي لم يكن يتجاوز في اّخر عام قبل الحرب 6%، إضافة إلى عدم وجود بيئة مؤاتية للإنتاج الزراعي، وكذلك لارتباط عملية إنتاج أهم المحاصيل مثل الحبوب كالقمح والشعير والبقوليات بالأمطار التي أثر تذبذبها في السنوات الأخيرة على حجم إنتاجها.