وصلنا إلى المهانة" هكذا يعبّر المواطن حميد بشير (55 عاماً)، الذي كان ينتظر أمام أحد المراكز الخاصة بتوزيع المساعدات الإغاثية الأممية، مع تراجع ملحوظ في حجم الحصص، وتباعد فترات توزيعها.
يقول بشير لـ"العربي الجديد" إنه نزح من محافظة الحديدة إلى مخيم في أطراف صنعاء منذ ثلاث سنوات، ويعيش وغيره من النازحين أوضاعاً مزرية مع عدم القدرة على شراء احتياجاتهم الغذائية، وصعوبة الحصول على عمل، "وما توفر من أعمال تكون بأجور زهيدة لا تكفي لتوفير وجبة واحدة من الطعام في اليوم" وفق تعبيره.
وبينما يتهم زاهر جمال (30 عاماً) من سكان صنعاء جميع السلطات الحاكمة في البلاد "بهذا البلاء" حسب وصفه، يشرح أن الناس تواجه كل أشكال الأزمات الاقتصادية والمعيشية وارتفاع أسعار السلع الغذائية.
بدوره، يستغرب بشار محفوظ من سكان عدن جنوب البلاد وفق حديثه مع "العربي الجديد"، وقوف الحكومة اليمنية متفرجة على معاناة المواطنين واشتداد الأزمات والفوضى في الأسواق، وكأنها "شاهد عيان" في بلد لا يعنيها.
أزمة غير مسبوقة
وتشهد الأسواق ارتفاعاً قياسياً ومتسارعاً في أسعار السلع والمواد الغذائية بنسبة يقدرها متعاملون تجاريون بنحو 400 في المائة على كافة السلع الغذائية، خاصة القمح.
ويؤكد المواطن رامي الشرعبي، وهو عامل في تعز أن هناك ارتفاعاً في الأسعار منذ نحو 10 أيام بشكل غير مسبوق، فيما يصف في حديث لـ"العربي الجديد"، الحكومة اليمنية بالضعيفة ولا تقوم بأي خطوات أو إجراءات للتخفيف عن معاناتهم باستثناء بعض المبادرات المجتمعية المحدودة.
ويرى الباحث الاقتصادي منير القواس في حديثه مع "العربي الجديد"، أن ردة فعل الحكومة اليمنية دائماً بطيئة في التعامل مع الأزمات المحلية أو الدولية الطارئة التي تؤثر على اليمن، وتتحجج بالحرب والصراع الدائر لترمي بمسؤوليتها على جهات محلية أخرى، بينما تضع مشاكلها على طاولة المجتمع الدولي لحلها.
تشهد الأسواق ارتفاعاً قياسياً ومتسارعاً في أسعار السلع والمواد الغذائية بنسبة يقدرها متعاملون تجاريون بنحو 400 في المائة على كافة السلع الغذائية، خاصة القمح
ضغوط على الأفران
وشكلت الحرب الدائرة في أوكرانيا وما رافقها من صراع اقتصادي دولي وتوقف الاستيراد من أهم الدول المصدرة للقمح أزمة إضافية في اليمن.
ويدعو القطاع الخاص الحكومة اليمنية إلى تفهم ما يجري على الصعيد الدولي واستيعابه، والتعاون معه وفق إطار شراكة تديرها الحكومة للحد من آثار الحرب في أوكرانيا على الأسواق المحلية والمواطنين اليمنيين.
في المقابل، تركزت الإجراءات الحكومية لمواجهة الأوضاع الطارئة بدعوة السلطات السعودية وما يسمى بـ "برنامج تنمية" بالتسريع في تنفيذ آلية التسهيل المتفق عليها لإنشاء صندوق مخصص لتسهيل تمويل استيراد المشتقات النفطية من شركة أرامكو السعودية تقدم بضمانة سيادية، وذلك لغرض توفير الاحتياجات المحلية في الجمهورية اليمنية من البنزين والديزل ووقود الطائرات وبأسعار منافسة.
شكلت الحرب الدائرة في أوكرانيا وما رافقها من صراع اقتصادي دولي وتوقف الاستيراد من أهم الدول المصدرة للقمح أزمة إضافية في اليمن
خطط بلا جدوى
ويلفت إلى أن الحكومة اليمنية غير قادرة على رسم وتنفيذ سياسات مالية ونقدية تنسجم وتسير بتناغم مع حركة النشاط الاقتصادي والتغيرات الطارئة.
ويشير إلى أن الأزمة الراهنة الناتجة عن الحرب في أوكرانيا والتي أثرت على مفاصل الاقتصاد العالمي وخطوط الإمدادات والاستيراد وما يلاحظ من تطورات وتغيرات أخرى عديدة، يمكن اعتبارها فرصة لتحييد الاقتصاد اليمني عن الصراع الدائر في البلاد وتفعيل أطر التعاون مع القطاع الخاص والتعامل معه كشريك وليس كخصم، في أوضاع حرجة تتطلب البحث عن الحلول والمعالجات المناسبة للتخفيف من وطأة الأزمات.
ويبدي القطاع التجاري الخاص في اليمن تذمره من حملات التشويه الممارسة ضده بتسببه في تأزيم الأوضاع التجارية وتصاعد أسعار السلع الغذائية، إضافة إلى إثقال كاهله بالجبايات المفروضة والمزدوجة في الوقت الذي يواجه مهام جسيمة في توفير احتياجات الأسواق بتكاليف زادت ثلاثة أضعاف منذ بداية العام الحالي بسبب أزمة المشتقات النفطية التي تشهدها اليمن.