انعكست الظروف المعيشية الصعبة، التي يواجهها أغلب المصريين على مبيعات الهواتف المحمولة (النقالة) التي هوت بأكثر من النصف خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري 2020، وفق البيانات الحكومية، بينما يؤكد تجار أن الواقع يؤكد تراجع المبيعات بنسبة تفوق كثيراً التقديرات الرسمية.
ويخيم الصمت على شارع عبد العزيز بوسط العاصمة القاهرة، الذي يضم عشرات المحلات المتخصصة في بيع الهواتف، في ظل وجود شحيح للزبائن، والذين جاء بعضهم بغرض بيع هواتفهم وليس الشراء.
ووفق تقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي، نهاية الأسبوع الماضي، تراجعت قيمة واردات هواتف المحمول بنسبة 51.4%، لتصل إلى 362.3 مليون دولار خلال النصف الأول من العام الحالى، مقارنة بـ746.1 مليوناً خلال نفس الفترة من العام الماضي 2019.
لكن تجارا أكدوا أن المبيعات تراجعت بنحو 70%، مشيرين إلى أن التخفيضات التي عرضها الكثير من التجار ووصلت إلى حد حرق الأسعار لم تحرك المبيعات.
يقول التاجر محمد عبدالمنعم لـ"العربي الجديد": "هذه الفترة من أصعب الفترات التي تمر على تجارة الهواتف المحمولة، مشيرا إلى انهيار القدرات الشرائية للكثير من المواطنين في ظل تداعيات جائحة فيروس كورونا.
وتسببت الجائحة في توقف الكثير من الأعمال وتسريح مئات آلاف العاملين وتراجع مداخيل الملايين، فضلا عن سياسات رفع أسعار الخدمات الأساسية بشكل مستمر من قبل الحكومة والتي تستنزف ما يتوفر من مدخرات متوسطي الدخل الذين كانوا يستغلونها في شراء هواتف جديدة أو ملابس وبعض المستلزمات.
ويقول محمد جمال، صاحب متجر صغير لبيع الهواتف: "هناك زيادة متسارعة في الأعباء المعيشية بشكل متسارع، وخاصة ارتفاع أسعار الخدمات الأساسية كالمياه والكهرباء مع ثبات الدخل".
ومنذ بداية العام، تواصل مبيعات الهواتف المحمولة تراجعها، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ليسجل يناير/كانون الثاني، أعلى نسبة تراجع بنحو 96% مقارنة بنفس الشهر من عام 2019.
ودخل المصريون هذا العام بصعوبات معيشية أكثر قسوة، تزايدت حدتها مع التداعيات الاقتصادية لتفشي فيروس كورونا الجديد في البلد الذي يعاني من تردي الخدمات الصحية في المستشفيات العامة وجشع الكيانات الخاصة.
ووفق دراسة صادرة عن جهاز الإحصاء، في 20 يونيو/ حزيران الماضي، تحت عنوان "أثر فيروس كورونا على الأسر المصرية"، فإنّ 50.1% من الأسر المصرية أضحت تعتمد بشكل رئيسي على المساعدات من الأصدقاء والأقارب لتغطية احتياجاتها المعيشية منذ بدء أزمة كورونا في البلاد، نهاية فبراير/ شباط الماضي، التي لم يكن الوضع قبلها أفضل كثيراً وفق خبراء اقتصاد.
وأشارت البيانات إلى أنّ 73.5% من المصريين المشتغلين انخفضت دخولهم بسبب تداعيات جائحة كورونا، لافتة إلى أن نحو 90% من المصريين خفضوا استهلاكهم من اللحوم والفاكهة، و36% خفضوا كميات الطعام، ونحو 20% قللوا عدد الوجبات، ونحو 92% لجأوا إلى الطعام الرخيص، وذلك لانخفاض الدخل.
ورغم الضائقة المعيشية لأغلب المصريين، طبقت الحكومة بحلول يوليو/ تموز الماضي زيادة جديدة على أسعار الكهرباء للاستهلاك المنزلي، تصل نسبتها إلى 30%، لتعد بذلك سابع زيادة في الأسعار منذ وصول السيسي الذي رفع الأسعار بنحو 660%.
كذلك صدّق السيسي على فرض رسوم على مبيعات البنزين بأنواعه والسولار والتبغ والمحمول، من أجل زيادة العائدات المالية للحكومة التي أضحت تعتمد بنسبة تصل إلى 80% على الضرائب، وفق الأرقام الصادرة عن وزارة المالية.
كما تلاحق الحكومة ملايين المصريين لتحصيل ما تقول إنه مقابل التصالح في مخالفات البناء التي جرت على مدار سنوات طويلة ماضية، فيما هدد الرئيس عبد الفتاح السيسي بإنزال الجيش لإبادة المباني المخالفة على حد وصفه.
وأثارت هذه التهديدات، غضب الكثير من المصريين، ليخرج الآلاف في مظاهرات متفرقة في العديد من المحافظات بشكل متواصل منذ أربعة أيام مطالبة بإسقاط السيسي، في ظل استمرار المعاناة المعيشية وسياسات الحكومة لاستنزاف جيوب منذ نحو ست سنوات.