بينما أحدث النفط انقلاباً ضخماً في المشهد الجيوسياسي العالمي، حينما أسقط الإمبراطورية الشيوعية في بداية التسعينيات، فإنه يعود مرة أخرى وبعنف ليشكل خارطة العالم مجدداً بعد جائحة فيروس كورونا، وربما يقلب الطاولة على سياسات الرئيس الأميركي جو بايدن البيئية ويرفع التضخم، وقد يفقده الأغلبية في انتخابات النصف للكونغرس العام المقبل 2022.
ومنذ بداية العام الجديد يشهد العالم دورة جديدة في أسعار الطاقة ومسار استثماراتها في أسواق المال العالمية، حيث يبيع المستثمرون أصول الطاقة المتجددة ويشترون أسهم شركات الطاقة التقليدية، وهو ما سيدفع إلى تراجع تمويلات مشروعات الطاقة المتجددة التي يعول عليها بايدن، ويؤلب عليه شركات الطاقة الكبرى التي تعترض على قوانينه الجديدة المقيدة للاستكشافات والتنقيب النفطي في العديد من الولايات.
وحسب نشرة "أس آند بي غلوبال انتيليجنس" الأميركية الصادرة أخيراً، يواصل كبار المستثمرين الهروب من أسهم شركات الطاقة المتجددة في سوق "وول ستريت"، بينما تكثف المصارف والصناديق مشترياتها من أسهم شركات النفط والغاز الطبيعي.
وفي ذات الصدد، قالت نشرة" انفسترز بيزنس ديلي" الأميركية، الأربعاء الماضي، إن المستثمرين يركزون الآن على أسهم شركات الطاقة العالمية الكبرى التي شهدت ارتفاعاً كبيراً في أسعارها، وحققت أرباحاً ضخمة في الربع الأول من العام الجاري ويبيعون أسهم شركات الطاقة المتجددة.
ومن المتوقع أن تتواصل أرباح شركات النفط والغاز الكبرى، حينما تعلن نتائجها للربع الثاني من العام الحالي، وربما تعود لتحفيز المساهمين مرة أخرى بعد أن توقفت عنها في العام الماضي.
وتستفيد شركات الطاقة العالمية والمصافي في الوقت الراهن من ارتفاع أسعار النفط الخام إلى نحو 75 دولاراً للبرميل، وتتجه للارتفاع ربما فوق 80 دولاراً للبرميل خلال النصف الثاني من العام، وكذلك من ارتفاع غير مسبوق في الطلب على الغاز الطبيعي مقارنة بالمعروض، وهو ما دفع أوروبا للعودة للفحم الحجري في توليد الكهرباء.
وتقول شركة ترافيغورا السويسرية المتخصصة في تجارة النفط إن سعر 100 دولار لخام برنت بات متوقعاً قبل نهاية العام، كما يرى محللون في مصرف "جيه بي مورغان" الأميركي في تعليقات لنشرة "زيس إذ موني" يوم الثلاثاء الماضي، إن شركات النفط الكبرى ربما تعود لتوزيع الأرباح على حملة الأسهم خلال العام الجاري.
في ذات الصدد، ذكرت نشرة "ماركت ووتش" الأميركية، أن مؤشر أسهم شركات الطاقة التقليدية ارتفع بمعدل 36% خلال العام الجاري حتى نهاية مايو/ أيار الماضي، وهو ارتفاع غير مسبوق لم تشهده أسهم النفط والغاز منذ بداية القرن الحادي والعشرين.
ومنذ بداية العام الجديد يشهد العالم دورة جديدة في أسعار الطاقة ومسار استثماراتها في أسواق المال العالمية، حيث يبيع المستثمرون أصول الطاقة المتجددة ويشترون أسهم شركات الطاقة التقليدية
في المقابل، بلغت المبيعات الصافية لأسهم الطاقة المتجددة التي نفذها كبار المستثمرين 17.6 مليون سهم في الربع الأول من العام الجاري، مقارنة بالمبيعات التي أضافوها إلى محافظهم في الربع الأخير من العام الماضي والبالغة 65.4 مليون سهم، وسط التسابق على جني الأرباح من سياسة بايدن البيئية. وذلك حسب بيانات نشرة "اس آند بي غلوبال". وهذا المعدل من التغيير يمثل انقلاباً فعلياً في عالم الاستثمار بالطاقة لم تشهده أسواق المال في العقود الماضية.
ووفق النشرة فإن موجة المبيعات الأولى لأسهم شركات الطاقة المتجددة بدأت وسط مخاوف انهيار "فقاعة أسعار" أسهم الطاقة التي رأوا أنها ارتفعت كثيراً فوق مستوياتها الحقيقية، إذ قفزت بنسبة 140% خلال العام الماضي، حينما اندفعت المصارف والصناديق لجني حصاد سياسات بايدن البيئية، ومع بداية دورة الصعود الجنوني في أسعار النفط والغاز الطبيعي.
وسجل المستثمرون في أسهم شركات طاقة الرياح في أميركا أكبر الخسائر، إذ تكبدوا خسائر بلغت نحو 4.2 مليارات دولار من رهاناتهم في الشتاء الماضي. وحسب النشرة كانت أسهم شركات الطاقة الشمسية أكبر الخاسرين في الربع الأول من العام الجاري.
وشهدت أسهم الشركات النفطية الكبرى ارتفاعات غير مسبوقة في سعرها في كل من بورصة "وول ستريت" وبورصة لندن، حيث بلغ سهم "شل" في بورصة لندن 1400.2 جنيه إسترليني في إغلاق الثلاثاء الماضي، بينما ارتفع سعر سهم "بريتش بتروليوم" من أقل من 300 دولار خلال العام الماضي إلى 313.97 دولارا حتى يوم الثلاثاء.
وفي المقابل فإن المحللين يتوقعون تراجع أسهم شركات الطاقة المتجددة. وربما تمنح انتخابات النصف الثاني الخاصة بالكونغرس مؤشرات حول مدى نجاح سياسة الرئيس الأميركي الخاصة بالطاقة المتجددة التي رصد لها مبالغ ضخمة.
وما يجذب المستثمرون إلى شراء أسهم شركات النفط والغاز الطبيعي خلال الشهور المقبلة، أن هذه الشركات باتت لديها سيولة كبرى وقادرة على التدخل بشراء أسهمها في أية لحظة.
ورصدت شركة "كونكو فيليبس" الأميركية 1.5 مليار دولار لشراء الأسهم خلال العام. وإلى جانب توزيعات الأرباح تخطط الشركات النفطية الكبرى لاستخدام السيولة المتراكمة لديها في تنظيف الديون وتعزيز مراكزها المالية.