شركات النفط الصخري الأميركي تتأهب للاصطياد في مياه "أوبك+" العكرة

08 يوليو 2021
انخفاض الأسعار لا يُناسب منتجي النفط الصخري نظراً لارتفاع تكاليف تنقيبه واستخراجه (Getty)
+ الخط -

ما أن فشل اجتماع "أوبك+" وخرجت تفاصيل الانشقاق السعودي الإماراتي إلى العلن بعد مفاوضات دامت من الخميس حتى الإثنين الماضيين من دون نتيجة، حتى أطلقت شركات إنتاج النفط الصخري الأميركي العنان لاتصالات مكثفة فيما بينها، في محاولة لجني ثمار إخفاق التحالف النفطي في التوصل إلى اتفاق إنتاج جديد يراعي المنتجين والمستهلكين في آن.

فخلال اتصالات يُجريها المديرون التنفيذيون منذ أيام، لم تأمر شركات النفط الصخري أطقمها بالتنقيب عن المزيد من النفط، كما أنها لا تخطط لتسجيل عودة خارقة لإنتاج النفط الخام الأميركي، وفقا لما نقلت شبكة "بلومبيرغ" الأميركية عن مصادر مطلعة على المداولات.

بل إن المديرين يسعون لتأمين عمليات تحوّط بمعنى تأمين أسعار للنفط الذي يخططون لإنتاجه العام المقبل وحماية أنفسهم من تراجع محتمل في السوق.

المؤرّخ النفطي ونائب رئيس "أي.آتش.إس ماركيت"، دانيال ييرجين، يتوقع أن يضيف النفط الصخري نحو 200 ألف برميل يوميا إلى الإنتاج الأميركي هذه السنة، وما يصل إلى 400 ألف برميل يوميا العام المقبل، شرط أن يبقى سعر البرميل فوق 65 دولارا.

وبسعر مستقر قدره 75 دولارا، يمكن أن تزيد غالبية الشركات الإنفاق 30% مع الاستمرار في الالتزام بمعدلات إعادة استثمار رأس المال المنخفضة الموعودة للمساهمين، وفقا للخبير لدى شركة "ريستاد إنرجي" Rystad Energy، أرتيم أبراموف.

والتحوّطات هي الشيء الوحيد المؤكد بشأن استجابة النفط الصخري لأزمة "أوبك+" حتى الآن، بعدما أثار فشل التحالف تساؤلا عما إذا كان منقّبو النفط الأميركيون سيعودون لاغتنام اللحظة من أجل الحصول على حصّة في السوق.

مع أن البعض، كالعراق مثلا، يخشى من أن يؤدي خلاف "أوبك+" إلى حرب أسعار قد تغرق السوق بالنفط الخام في نهاية المطاف، علما أن سعر البرميل ارتفع خلال تعاملات الأربعاء، متعافية من انخفاض حاد في جلسة الثلاثاء بعد إلغاء محادثات المنتجين.

الأمر الذي زاد احتمال تحوّل كبار مصدّري الخام في العالم إلى رفع الإنتاج لاقتناص حصص سوقية، وفقا لـ"رويترز" التي أفادت بأن سعر برميل خام برنت القياسي كان صاعدا بنحو 1% مسجلا 75.27 دولارا، والخام الأميركي 1.2% إلى 74.25 دولارا بعد تراجع بأكثر من 2% في الجلسة السابقة.

والظرف الحالي يبدو بمثابة أكبر اختبار حتى الآن لعزم شركات النفط الصخري على التصرّف بانضباط والتركيز على عوائد الاستثمار بدلا من القلق على النمو، فيما لا تزال مثارا لجدل كبير مسألة ما إذا كانت هذه الصناعة ستتمكن من المضي قُدُما في مسارها أو ستعيد مئات منصات الحفر إلى العمل مجددا.

في هذا السياق، تقول كبيرة محللي النفط في "رابيدن إنرجي غروب" Rapidan Energy Group، شيرين لاخاني، لـ"بلومبيرغ"، إن منتجي النفط الصخري "مستمرون أكثر بالتركيز على الانضباط الرأسمالي، وزيادة عوائد المساهمين، والحفاظ على التدفق النقدي الإيجابي الحُر".

أما أندي هندريكس، رئيس شركة "باترسون-يو.تي.أي إنرجي" Patterson-UTI Energy Inc، ثانية أكبر مالكي منصات حفر الزيت الصخري، فقد أبدى في مقابلة الثلاثاء الفائت، اعتقاده أن الحفارات قادرة على القيام بأمرين معا، هما زيادة الإنتاج استجابة لارتفاع الأسعار، والمحافظة على وعد للمستثمرين بضبط الإنفاق.

في الوقت الحاضر، من الواضح أن المنتجين الأميركيين لم يُبدوا حتى الساعة، أية علامات مهمة على خط العودة إلى النمو في مواقع النفط الصخري من تكساس إلى داكوتا الشمالية.

وربما يكون الأفضل أن تنتظر هذه الصناعة الأميركية انحسار عاصفة "أوبك+"، لترى اتجاه الأمور على نحو أوضح وتقيس معنويات المستثمرين قبل اتخاذ أي قرار بشأن مقرراتها التالية.

ومع زعم المنقّبين الأميركيين بقدرتهم على تحقيق الانضباط المالي، يُبدي هندريكس اعتقاده بأنهم سيفعلون ذلك لأنهم بحاجة إليه، لكن عقلية المستثمرين يمكن أن تكون في الواقع هي ما يتغيّر، معتبرا أنه مع تداول برميل النفط بسعر 73 دولارا، سيقولون لأنفسهم: "لماذا لا ننقّب أكثر قليلا؟ دعونا ننتج المزيد".

وريثما يحصل ذلك، تلجأ شركات النفط الصخري إلى التحوّط، فقد ارتفعت بقوة الأسبوع الماضي، الفائدة المفتوحة على العقود الآجلة للنفط في نيويورك، وهي تشير إلى العدد الإجمالي للعقود التي يحتفظ بها السوق في نهاية يوم التداول، مصحوبة مع مكاسب الأسعار في الولايات المتحدة.

وينطلق ذلك من اتخاذ منقّبي "الصخري" مواقع جديدة كوسيلة للتحوّط أو حماية ميزانيات الإنفاق الخاصة بهم في حالة تراجعت الأسعار خلال الأشهر القادمة.

ويعتقد المحلل في "أي.آتش.إس ماركيت" IHS Markit Ltd، راؤول ليبلانك، أن منتجي النفط الصخري قد يحتاجون إلى سعر ثابت يناهز 85 دولارا للبرميل، ليزيدوا الإنتاج ما بين 8% و10% سنويا وتحقيق أرباح ملائمة للمساهمين في شركاتهم، مضيفا أنه "يمكن للمنتجين في الولايات المتحدة، واقعا، أن يحققوا نموا أسرع من أي وقت مضى من دون مشاكل تُذكر، والإغراء يزداد قوة بالنسبة إليهم لاستئناف النمو بطريقة ستؤثر على نحو ملموس في التوازن العالمي".

ومن المتوقع أن تدرك "منظمة الدول المصدرة للبترول" (أوبك) وحلفاؤها بقيادة روسيا، قوة إنتاج شركات النفط الصخري الأميركي، حتى في الوقت الذي يتعهّد فيه المنتجون بعدم إغراق أسواق الطاقة العالمية من جديد.

فقد سبق أن أضافت الولايات المتحدة إلى إنتاجها، 7.1 ملايين برميل يوميا، بين عامَي 2011 و2019، وفقا لبيانات شبكة "بلومبيرغ"، أي ما يعادل تقريبا الإنتاج الحالي لثلاث دول مجتمعة هي الإمارات والكويت وإيران.

وقد وضع معظم المنتجين الأميركيين خطط التنقيب الخاصة بهم لسنة 2021، وأمضوا شهورا في طمأنة المستثمرين إلى أنهم لن يبالغوا في إنفاق أموالهم، خلافا للازدهار الكبير الذي غذّته الديون خلال السنوات العشر المنصرمة.

فيما سيكشف غالبية المنتجين النقاب عن ميزانيات الحفر في الفصل الرابع من هذا العام أو في الفصل الأول من العام 2021، ما يعني أن لديهم وقتا كافيا ليتكيّفوا مع مرحلة جديدة من الأسعار الصاعدة.

المساهمون