استمع إلى الملخص
- العقوبات قد تؤثر على الاقتصاد الإيراني بخسائر تصل إلى 80 مليون دولار يومياً، مع تضرر الصين بشكل كبير، بينما قد تواجه دول الخليج انتقادات إذا رفعت إنتاجها لتعويض النقص.
- تمتلك إيران خبرة في الالتفاف على العقوبات، وتستعد لمواجهة القيود الجديدة، مع استمرار العلاقة المتأرجحة بين طهران وواشنطن بين التفاوض وتطبيق العقوبات.
تبدو إيران متأهبة لعودة سيناريو العقوبات المشددة على صادراتها النفطية مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مجدداً في يناير/كانون الثاني المقبل، وهو ما أشارت إليه تقارير أميركية حول اعتزام الرئيس المنتخب تقليص مبيعات النفط الإيرانية بشكل كبير. ومن المتوقع أن تتضمن الإجراءات الجديدة استهداف الموانئ والتجار الأجانب الذين يتعاملون مع النفط الإيراني.
وانتهج ترامب خلال فترته الرئاسية الأولى (2017ـ 2021) سياسة تصفير النفط الإيراني عبر سلسلة من العقوبات، بعد انسحابه من الاتفاق النووي في مايو/أيار 2018. وتأثرت معدلات الإنتاج والتصدير بشدة في أعقاب هذه العقوبات، لكن طهران لجأت إلى طرق عدة للالتفاف عليها. ووفق بيانات منظمة "أوبك" استناداً إلى مصادر ثانوية، يبلغ إنتاج إيران النفطي حالياً قرابة 3.4 ملايين برميل يومياً، من 2.1 مليون برميل يومياً في الأشهر الأولى للعقوبات الأميركية في 2018، و3.9 ملايين برميل قبيل فرض العقوبات.
يشير الخبير الاقتصادي نهاد إسماعيل، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن ترامب هدد، وسط حملته الانتخابية، بفرض عقوبات اقتصادية صارمة على إيران لدى وصوله إلى البيت الأبيض، مستهدفاً قطاعها النفطي تحديداً. وتوقع إسماعيل أن تنضم بعض الدول الأوروبية إلى الولايات المتحدة في فرض عقوبات على صادرات النفط الإيرانية وعلى الكيانات المرتبطة بها.
وإذا نجحت إدارة ترامب في تقليص صادرات إيران النفطية، فقد تخسر الأسواق العالمية ما يقارب مليون برميل يومياً، بحسب تقدير إسماعيل، مشيراً إلى أن هذا النقص لن يكون كارثياً على السوق النفطية العالمية. ويقدر أن الاقتصاد الإيراني سيخسر ما بين 70 مليون دولار و80 مليوناً يومياً نتيجة هذه العقوبات، وهو ما يشكل ضربة اقتصادية كبيرة لطهران، لافتاً إلى أن الصين، التي تعتمد على النفط الإيراني بشكل كبير وتستورد نحو 90% من صادراته، ستكون من أبرز المتضررين.
في المقابل، قد تواجه دول الخليج انتقادات من إيران إذا رفعت إنتاجها لتعويض النقص في السوق، على الرغم من أن التأثير الاقتصادي عليها سيظل محدوداً ما لم تصعد طهران الموقف عبر استهداف منشآت نفطية خليجية أو ناقلات في الخليج أو البحر الأحمر، عن طريق حلفائها الإقليميين مثل الحوثيين، حسب ما يرى إسماعيل.
وهذا التصعيد، في حال حدوثه، لن يقتصر على أبعاده الاقتصادية، بل قد يتسبب في تداعيات جيوسياسية واسعة النطاق تؤثر على أمن المنطقة واستقرارها، وقد ينعكس سلباً على إيران نفسها، بحسب الخبير الاقتصادي، الذي يرى أن ترامب قد يتخذ، بخلاف بايدن، مواقف أكثر تشدداً تجاه إيران، ما يزيد من الضغوط الدولية على طهران.
ومع ذلك، يلفت إسماعيل إلى أن إيران تمتلك خبرة طويلة في الالتفاف على العقوبات الاقتصادية، ومن المرجح أن تواصل هذه السياسة لتخفيف الضغوط الأميركية، مع محاولتها تجاهل سياسات ترامب العدائية، مشيراً إلى أن التحديات القادمة ستعتمد بشكل كبير على قدرة طهران على الصمود أمام العقوبات وتأقلمها مع المتغيرات الإقليمية والدولية.
بدوره، يشير الخبير الاقتصادي رائد المصري، لـ"العربي الجديد"، إلى أن إدارة ترامب المقبلة ستتبع على الأرجح سياسات مغايرة تجاه إيران، تتراوح بين الانفتاح المحدود والتفاوض حول ملفات محددة مثل الملف النووي، وبين تشديد العقوبات الاقتصادية بشكل كبير، موضحاً أن ترامب يعتمد بشكل أساسي على الابتزاز وتحقيق الربحية المباشرة في التعامل مع النزاعات الدولية، بما في ذلك مع إيران، ما قد يؤدي إلى تعثر أي محاولات للتوصل إلى تفاهمات مستدامة بشأن الملف النووي.
ولما كانت إيران تراهن على نجاح الاتفاق النووي لتعزيز وضعها الاقتصادي والسياسي، فإن العلاقة بين طهران وواشنطن ستظل تتسم بالتأرجح، ما بين فتح قنوات للتفاوض وتطبيق عقوبات صارمة، خاصةً في ظل قضايا إقليمية مثل الأوضاع في سورية والعراق وأوكرانيا، حسب ما يرى المصري.
وفي مؤشر على حالة التأهب الإيرانية لعودة ترامب، قال وزير النفط الإيراني محسن باك نجاد، في تصريحات وردت على موقع "شانا" التابع لوزارة النفط في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، إن إيران مستعدة لأية قيود جديدة قد تتعرض لها صناعة النفط خلال ولاية ترامب. وأضاف نجاد: "مستعدون لفرضية تشديد أو فرض قيود جديدة على صناعة النفط في البلاد مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض مرة أخرى.. اتخذنا التدابير اللازمة".
وتعتبر عائدات النفط الخام والغاز الطبيعي مصدر الدخل الرئيسي لإيران. وفي تقرير لوكالة بلومبيرغ الأميركية في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أشارت الوكالة إلى أن إنتاج النفط الإيراني يعمل بكامل طاقته تقريباً، على الرغم من العقوبات الأميركية. وفي إبريل/نيسان الماضي، قال وزير النفط الإيراني في ذلك الوقت جواد أوجي إن بلاده تصدّر النفط الخام إلى 15 دولة. وكتب أوجي على حساب الوزارة بمنصة "إكس" أن إيرادات النفط والغاز والبتروكيماويات ارتفعت إلى 65 مليار دولار في السنة المالية الإيرانية المنتهية في 20 مارس/آذار 2024، مقارنة بـ30 مليار دولار عام 2020. وتبدأ السنة المالية في إيران بتاريخ 21 مارس/آذار من كل عام حتى 20 مارس من العام التالي.