سارعت مصادر النظام السوري الرسمية إلى تبرير طرح كمية ألفي طن من الشاي الإيراني منتهية الصلاحية للبيع في المزاد كسماد زراعي، إثر الضجة التي أثارتها بين السوريين الذين تركزت تساؤلاتهم حول أسباب عدم إعادة الشاي إلى إيران طالما أنه لم يلق قبولا في السوق، خاصة وأن فتح هذا الملف جاء متأخرا وبعد مرور ثماني سنوات.
مدير المؤسسة السورية للتجارة التابعة للنظام، أحمد نجم، ركز في تصريحات لوسائل إعلام محلية على أن "كمية الألفي طن من الشاي لم تكن مخالفة للمواصفات حين تم استيرادها من إيران"، مرجعا سبب كسادها إلى عدم رغبة السوريين في الإقبال عليها.
ورغم هذا التبرير إلا أن نجم لم يتطرق إلى سبب عدم إعادة كمية الشاي إلى مصدرها، وتخزينها في المستودعات منذ عام 2012 وهو تاريخ استيرادها، مع العلم أن مدة انتهاء صلاحية مادة الشاي تتراوح بين عام وعامين بحسب شروط التخزين.
"طرح كمية الشاي وتبرير نجم يبدو أنهما إعلان رسمي لقضية فساد، إذ لا يوجد عقل اقتصادي يفترض أن يكون مؤتمنا على مواد غذائية يترك كمية شاي تبلغ قيمتها السوقية نحو 40 مليار ليرة (الدولار = نحو 2600 ليرة)، تحت أي ظرف تتلف وتنتهي صلاحيتها دون أن يتصرف بها"، كما يقول الصحافي المختص بالشأن الاقتصادي تامر قرقوط لـ"العربي الجديد".
ويضيف قرقوط: "ليست المؤسسة السورية للتجارة تاجراً فاشلاً، هناك من قادها إلى الفشل، وشوه صورتها وجعلها مؤسسة فساد ونهب".
ورأى قرقوط أن هناك تساؤلا كبيرا حول سبب ترك حكومة النظام كمية الشاي حتى تتلف وتنتهي صلاحيتها، يضاف إلى آلاف الأسئلة حول سلوك وممارسات الحكومة التي تطاول لقمة عيش الأهالي.
وشهدت سورية سيطرة كاملة من مليشيا ما يعرف بالدفاع الوطني التابعة للأجهزة الأمنية، على المخابز ومستودعات المواد الغذائية إضافة إلى مراكز تحويل الكهرباء والمياه، إذ يروي أبو محمود وهو من سكان منطقة نهر عيشة بدمشق لـ"العربي الجديد" أنه كان شاهدا عندما جاءت إحدى دوريات الأمن وطلبت من عامل في مؤسسة للمياه قطع المياه عن المنطقة، وبعد ساعات طلبوا منه فتح "مفتاح التحكم" بمعدل الربع فقط.
وتطرح فرضية حول كمية الشاي، وهي تتعلق بقضية فساد بحكم علاقة مسؤولين في النظام بالحرس الثوري الإيراني الذي كان المسؤول عن تزويد نظام الأسد بمواد استهلاكية وغيرها من خلال مؤسساته متعددة الأغراض، وفي هذا الإطار قد تكون كمية الشاي تم استيرادها على الرغم من أنها فاسدة، كما يقول المستشار الاقتصادي، يونس الكريم، في تصريح لـ"العربي الجديد". ويعلل ذلك بالقول إن عدم توزيع تلك المادة مع وجود أزمة معيشية يثير الشكوك بأنها لم تكن صالحة للاستهلاك البشري.
ويشير الكريم إلى احتمال وجود مواد أخرى مستوردة من إيران وهي مازالت مخزنة في المستودعات. ويقول إنه كان بإمكان النظام إتلاف كمية الشاي دون ضجيج أو إحراق المستودعات، كما يفعل عادة لطي الملف بشكل كامل، ولكن الأمر مرتبط أكثر بملفات الوجود الإيراني في سورية.
ويوضح الكريم ذلك بقوله: الملف قديم وتم الحفاظ عليه لفتحه في هذا الوقت حيث يزداد فيه استهداف سمعة إيران من منطلق أن ما قدمته للسوريين هو مواد منتهية الصلاحية وفاسدة. ويشير إلى أن جهات في النظام مناهضة للوجود الإيراني تعمدت فتح هذا الملف على الملأ في وقت تزداد فيه الضغوط لإنهاء الوجود الإيراني في سورية أو تحجيمه.
طرح كمية الشاي الإيراني أثار ضجة بين السوريين، إلا أن ما بين جوانب ملف القضية يبقى العامل الرئيس والأكثر أهمية، هو ازدياد أوضاع الأهالي المعيشية سوءا بسبب انتشار الفساد الذي يعد سمة تلتصق بصفقات وعقود يبرمها النظام مع داعميه.