- الحكومة الإسرائيلية ترد على المقاطعة بتصعيد خطابي وتهديد بإجراءات مضادة، بما في ذلك تقييد التجارة مع الفلسطينيين وتقديم شكاوى ضد تركيا دولياً، وسط مخاوف من تمدد المقاطعة إلى دول أخرى.
- التداعيات الاقتصادية تشمل البحث عن بدائل للواردات التركية ذات القيمة المضافة المنخفضة، مع تحديات في تقليل الأضرار ومواجهة الاعتماد الكبير على التجارة مع تركيا والتحديات اللوجستية الدولية.
يواجه الاحتلال معادلة صعبة بعد إعلان المقاطعة التركية لإسرائيل، لا بل يعتبر موقع "كالكاليست" الإسرائيلي أنه "من بين كل الأزمات الدبلوماسية، تعد المقاطعة التركية لإسرائيل الأكثر إشكالية، ولديها القدرة على أن تكون الحدث الذي له أكبر الأثر على إسرائيل ومواطنيها، ما لم يجر تقديم لوائح اتهام بالفعل في لاهاي ضد كبار المسؤولين الإسرائيليين".
وفق احتساب ميزان الخسائر والأرباح، تُظهر بيانات مكتب الإحصاء المركزي للاحتلال، أن إسرائيل استوردت في عام 2023 بضائع من تركيا بقيمة حوالي 4.6 مليارات دولار، أي 5% من إجمالي الواردات الإسرائيلية، مما يجعل تركيا خامس أكبر مورد لإسرائيل، وتقف فقط بعد الصين والولايات المتحدة وألمانيا وسويسرا.
من جهة أخرى، تعتبر تركيا سوقاً أقل مركزية عندما يتعلق الأمر باستيراد البضائع الإسرائيلية، حيث بلغت قيمة البضائع التي غادرت إسرائيل إلى تركيا حوالي 1.56 مليار دولار في عام 2023، مما يضع السوق التركية في المركز العاشر من حيث الصادرات الإسرائيلية.
ووفقاً لمكتب الإحصاء المركزي، شكّلت واردات إسرائيل من البضائع من تركيا في الربع الأول من هذا العام 4.8% من إجمالي الواردات، مقارنة بـ 5.3% في الفترة المقابلة. وبحسب الموقع الإسرائيلي فقد تؤدي المقاطعة التركية لإسرائيل إلى ارتفاع الأسعار وحتى نقص عدد كبير من المنتجات حتى يتوازن السوق، ويجد بدائل للمنتجات المستوردة من تركيا، تشمل مجموعة واسعة من السلع: الأغذية الجافة والمعلبة والمنتجات الزراعية والأسماك.
ووفقاً للموقع ذاته، حتى لو وجدت بدائل لهذه المنتجات، فإن الأسعار قد ترتفع بسبب انخفاض العرض، وزيادة أسعار الإنتاج، وزيادة سعر النقل، ومدة الرحلات.
أضرار المقاطعة التركية لإسرائيل
وفوجئت وزارة الخارجية ووزارة الاقتصاد وهيئة الشحن والموانئ التابعة لوزارة النقل والجهات الأخرى التي تعمل بشكل مكثف في التجارة مع تركيا بخطوة المقاطعة التركية لإسرائيل، على الرغم من أنه في بداية إبريل/نيسان فرضت وزارة التجارة التركية قيوداً على تصدير 54 فئة من المنتجات إلى إسرائيل، من بينها الفولاذ والحديد والإسمنت.
وفي محادثات مع "كالكاليست"، وصف مسؤولون إسرائيليون كبار المقاطعة التركية بأنها "خطوة غير عقلانية من قبل الرئيس التركي أردوغان، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن هذه الخطوة ستؤدي إلى أضرار بمليارات الدولارات للمصدرين الأتراك الذين سيجدون صعوبة في العثور بسرعة على بديل عن السوق الإسرائيلية".
إلا أنه بحسب الموقع الإسرائيلي، فإن هذه التقديرات تتجاهل الاختلافات في الحجم التجاري بين إسرائيل وتركيا. إذا كانت تركيا هي خامس أكبر سوق استيراد لإسرائيل، فوفقاً لمكتب الإحصاء المركزي التركي، فإن إسرائيل هي الوجهة الثالثة عشرة من حيث التصدير.
كما فاجأت المقاطعة التركية لإسرائيل الاحتلال، لأنها تشكل انتهاكاً لاتفاقية منطقة التجارة الحرة بين الدول الموقعة عام 1996 والتي تنص صراحة على أنه "يجوز لكل طرف إنهاء هذه الاتفاقية بإشعار كتابي للطرف الآخر عبر القنوات الدبلوماسية، خلال ستة أشهر من تاريخ الإخطار". وبموجب الاتفاقية، إذا خالفها أحد الطرفين، فمن الممكن اللجوء إلى التحكيم الدولي. لكن هذه الخطوة، وفق الموقع الإسرائيلي لن تتم إلا بعد 60 يوماً يفشل فيها الطرفان في التوصل إلى حل متفق عليه.
تصعيد خطابي
ومن غير المتوقع أيضاً أن تقدم هيئات التجارة الدولية الأخرى، مثل منظمة التجارة العالمية ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، رداً فورياً على شكاوى إسرائيل. ليس لدى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أي أدوات عملية سوى إخراج تركيا من المنظمة، وهو أمر غير مدرج على جدول الأعمال، وتعمل تسوية النزاعات في منظمة التجارة العالمية من خلال تصويت دول المنظمة، وهو ما يذكر إلى حد ما بالأمم المتحدة، أي إن إسرائيل سوف تجد صعوبة في تعزيز الأغلبية فيها لمصالحها، بحسب "كالكاليست".
القلق الرئيسي الآن في إسرائيل هو أن الأتراك سوف يتخذون المزيد من الخطوات، مثل منع إمكانية التحليق فوق البلاد، أو منع السفن المتجهة إلى إسرائيل في مضيق البوسفور والدردنيل الذي يربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأسود.
أما الخطوة الثانية فينظر إليها على أنها متطرفة والأكثر تهديداً بين الاثنين، لأن الأمن الغذائي لإسرائيل يعتمد على الحبوب القادمة من روسيا وأوكرانيا، ومعظم نفط إسرائيل يأتي من دول آسيا الوسطى مثل أذربيجان وكازاخستان وفي كلتا الحالتين تتطلب طرق الشحن المرور عبر تركيا. وتأمل إسرائيل أن يمتنع أردوغان عن اتخاذ مثل هذه الخطوة الجذرية خوفاً من ردة فعل الدول الأخرى التي تتعامل تجارياً مع إسرائيل.
وعلى الرغم من اعتماد إسرائيل الكبير على تركيا، فإن وزارة الخارجية برئاسة يسرائيل كاتس، ووزارة الاقتصاد برئاسة نير بركات، اختارتا استراتيجية تصعيد الصراع خطابياً. وأيضاً من خلال التهديد بفرض عقوبات إسرائيلية على تركيا، مثل الحد من التجارة التركية مع الفلسطينيين، وتقديم شكاوى ضد تركيا في المحافل الدولية.
مخاوف من تمدد المقاطعة إلى دول أخرى
وقد لا تؤدي هذه التدابير إلى تفاقم الصراع فحسب، رغم أن لإسرائيل مصلحة لا لبس فيها في تقليصه، بل إنها قد تضر أيضاً بالاقتصاد الفلسطيني، وبالتالي تزيد من تقويض الوضع الأمني في إسرائيل، بحسب الموقع الإسرائيلي. إضافة إلى ذلك، وبسبب السياسات الحزبية الداخلية في الليكود، يعمل بركات وكاتس بشكل منفصل، ويحاول كل منهما الظهور وكأنه هو من يدير أزمة العلاقات بين البلدين.
وفي الوقت الحالي، لا تستعد وزارة الاقتصاد لتوسيع دائرة العقوبات الاقتصادية على إسرائيل، وترى في الحالة التركية حدثاً لمرة واحدة. يثير هذا التصور القلق من أن دولة إسرائيل لم تفهم بعد خطورة الحادثة بشكل كامل، كما أنها لا تفهم أن خلف الخطاب السياسي هناك تأثيرات حقيقية على الاقتصاد وعلى الإسرائيليين، وفق الموقع الإسرائيلي.
على الرغم من أن "المقاطعة التركية لإسرائيل تعتبر بالفعل خطوة متطرفة، فإنه ليس من المستحيل أن نرى في الأسابيع المقبلة دولاً أخرى تتخذ إجراءات اقتصادية مماثلة ضد إسرائيل، طالما استمرت الحرب في غزة، بل وأكثر من ذلك إذا هاجمت إسرائيل رفح"، بحسب "كالكاليست".
وستنضم هذه الإجراءات إلى المقاطعة الأكاديمية والمقاطعة الثقافية غير الرسمية التي شهدتها إسرائيل في الأشهر الأخيرة، والتي يبدو أيضاً أنها يجري تجاهلها تماماً من قبل صناع القرار في الحكومة.
وبحسب "جويش برس"، قرر وزير الخارجية كاتس والمدير العام للوزارة ومسؤولون كبار آخرون، بالإضافة إلى كبار ممثلي وزارة الاقتصاد وسلطة الضرائب، رداً على المقاطعة التركية لإسرائيل اتخاذ عدد من الخطوات.
وأعلنت وزارة الخارجية أنه من بين الخطوات الرئيسية التي اتّفق عليها، العمل على تقليص أي علاقة اقتصادية بين تركيا والسلطة الفلسطينية وغزة (تركيا هي أكبر دولة مستوردة للسلطة الفلسطينية، حيث يبلغ إجمالي وارداتها حوالي 18 بالمائة).
ومناشدة المنتديات الاقتصادية الدولية دراسة العقوبات المفروضة على تركيا بسبب انتهاكها الاتفاقيات التجارية. وبناء بنك بدائل واسع النطاق، بالتعاون مع وزارة الاقتصاد، لإيجاد بدائل للاقتصاد الإسرائيلي في مجالات ومنتجات متنوعة في الإطار الزمني الفوري. وتقديم المساعدة لقطاعات التصدير الإسرائيلية التي تأثرت.
تداعيات ملحوظة
ونشر موقع "إسرائيل فاينانشال انسايد" تقريراً خاصاً وزعه بنك جيه بي مورغان على عملائه، سلط الضوء على المقاطعة التركية لإسرائيل "حتى وقف دائم لإطلاق النار في غزة"، وتأثيره المحتمل على التجارة الإسرائيلية. ويؤكد التقرير أهمية حصة تركيا في التجارة الإسرائيلية، حيث بلغت 2.5% في الصادرات و5.8% في الواردات العام الماضي، مما يشير إلى أن تداعيات المقاطعة التركية قد تكون ملحوظة.
ومع ذلك، حدد "جي بي مورغان" أيضاً العديد من العوامل التي يمكن أن تخفف من خطورة الوضع. أولاً، أعلنت تركيا في وقت سابق عن حظر التجارة في 54 سلعة فردية، مما سهل عملية التكيف مع التدفقات التجارية. بالإضافة إلى ذلك، يشير التقرير إلى أن الواردات من تركيا تتكون في المقام الأول من منتجات ذات قيمة مضافة منخفضة، مثل الصلب والإسمنت، والتي يمكن استبدالها بمصادر بديلة، وإن كان ذلك بتكلفة أعلى.
ويشير "جيه بي مورغان" إلى أنه في حين أن تجميد التجارة التركية قد يزيد بشكل طفيف من ضغوط الأسعار في قطاع السلع على المدى القصير، فإن تأثيره الإجمالي قد يكون محدوداً، خاصة في ظل الاضطرابات الأخيرة في التجارة البحرية في البحر الأحمر.