اتخذ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قرارات اقتصادية واجتماعية وسياسية عنيفة خلال سنوات حكمه في رئاسة الدولة، كان قرار واحد منها في أوقات مضت كفيلاً بتفجير ثورة شعبية، خاصة أن حصيلة تلك القرارات كانت مزيداً من الإفقار لمحدودي الدخل، والقضاء على ما كان يعرف بالطبقة المتوسطة والعصف بها، وإلحاق الأسر التي كانت تنتمي إليها بفئة محدودي الدخل، وترحيل قطاعات كبيرة منها إلى ما بعد خط الفقر.
وتضاف إلى ذلك قرارات التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، وسوء إدارة أزمة سد النهضة الإثيوبي.. كل تلك القرارات تمت من دون أية مقاومة حقيقية من الشارع المصري، في ظل حالة أقرب إلى الاستسلام فتحت معها باباً واسعاً للتساؤلات حول أسبابها.
يرى مراقبون في هذا الإطار أن السبب الرئيس الذي ساعد السيسي على تلك القرارات العنيفة، وسط حالة من الصمت الشعبي، هي حالة الرعب التي تولدت لدى الشارع المصري بعد المواجهة المسلحة للمعارضين السياسيين، والتظاهرات الرافضة للانقلاب الذي شهدته البلاد في الثالث من يوليو/ تموز 2013، والتي وصلت إلى ذروتها مع مجزرة فض اعتصامي أنصار الرئيس الراحل محمد مرسي في ميداني رابعة العدوية ونهضة مصر.
في هذا الإطار، يؤكد خبير سياسي في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن مشاهد مذبحتي رابعة العدوية ونهضة مصر في الرابع عشر من أغسطس/ آب 2013، والتي كان هناك حرص رسمي على تصديرها للداخل المصري في الأساس، كانت السبب الرئيس والمباشر بعد ذلك في سهولة تمرير قرارات رفع الدعم، وزيادة أسعار الوقود، ورفع أسعار الخدمات المدعمة للفقراء، مثل الكهرباء، ومياه الشرب والصرف الصحي، والغاز المنزلي، ورفع أسعار المواصلات العامة، مثل مترو الأنفاق، وأتوبيسات هيئة النقل العام، والتي تمس في مجملها الطبقات الفقيرة ومحدودي الدخل، والتي وصلت إلى حد المساس مؤخراً بسعر رغيف الخبز، والذي كان يوصف بأنه الخط الأحمر الذي لا يجرؤ أي مسؤول مهما بلغت قوته وسيطرته على المساس به، إلا أن السيسي تحدث مؤخراً بشكل مباشر وأوضح بأنه سيرفع سعره، وأنه مستعد لأي مواجهة بقوله "قالولي متقربش من سعر رغيف الخبر... بس أنا هقرب".
وأوضح "ربما نكون في حاجة إلى تراجع الجيل الذي رأى تلك المذابح، حتى يكون المجتمع قادراً على التعبير عن غضبه السياسي مجدداً، أو حدوث أمر جلل"، متابعاً: "ما نشير إليه هنا هو تتحدث عنه نظريات السياسة، ولكن الواقع ربما يفرض أموراً أخرى فالانتفاضات والثورات غير خاضعة لقواعد في معظم الأوقات".
ويرى خبير بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أن الاستخدام المفرط للسلاح وإباحة وتقنين العنف تجاه المعارضين من جانب أجهزة الدولة، سواء الأمني منها أو الهيئات المدنية خلال الفترة التي أعقبت الثلاثين من يونيو 2013، خلقت حالة من الرعب لدى المواطنين من إبداء أي رفض أو معارضة للقرارات الحكومية، وبالأخص تلك التي يقدم عليها رئيس الدولة، خشية تعرضهم لأي أذى بعدما أيقن المواطنون أن القتل سيكون الجزاء الذي سيوقع عليهم، مع تبرير عملية القتل تلك بكون أي معارض لقرار حكومي هو إرهابي وفقاً للروايات الرسمية، مما سيلحق به أيضا وصماً مجتمعياً سلبياً لأسرة أي محتج حتى لو لم يكن ينتمي لأي تيار سياسي أو ديني.
ويضيف الخبير المتخصص في علم الاجتماع السياسي أن مشاهد القتل والدماء في الميادين والتنكيل بالأحياء والمصابين، باستخدام وسائل تنكيل دخيلة على الساحة المصرية، مثل حرق المصابين في المستشفى الميداني في رابعة العدوية، خلال فض الاعتصام، وكذلك مشاهد الجرافات وهي تدهس جثامين القتلى المكفنين أمام جامعة القاهرة أثناء فض اعتصام ميدان النهضة، بعثت برسائل شديدة الوضوح بأن النظام السياسي الذي تولد مع تلك الحقبة لن يرحم أياً من يختلف معه، أو يعارض قرارات له، لذلك تصاعدت موجات الانتحار مع تصاعد الأزمات الاقتصادية، وعدم قدرة المواطنين على الوفاء باحتياجات أسرهم، مشيرا إلى أن السنوات الخمس الماضية شهدت أعلى معدلات للانتحار عرفتها مصر وذلك وفقا لدراسات علمية موثقة.
وأوضح: "هناك أبعاد سياسية، لتنامي العنف المجتمعي بين المواطنين، وزيادة حوادث القتل لأسباب تبدو أسرية واقتصادية"، لافتا إلى أن "طاقة العنف والغضب داخل المواطنين نتاج القرارات التي عصفت بأوضاعهم المالية وجعلتهم غير قادرين على تلبية احتياجات أسرهم وجعلت قطاعاً كبيراً يخرج تلك الطاقة تجاه بعضهم البعض، كونهم غير قادرين على إبداء أي اعتراض تجاه الحاكم أو ممثليه.
وشهدت مذبحتا رابعة العدوية ونهضة مصر سقوط نحو 1000 قتيل من أنصار الرئيس الراحل محمد مرسي، بخلاف آلاف المصابين، غالبيتهم كانت إصاباتهم خطيرة، وتبع ذلك صدور أحكام بالإعدام بحق مئات المعارضين ممن شاركوا في الاعتصامات وما تبعها من تظاهرات رافضة للانقلاب العسكري، على أول رئيس منتخب.