تصاعدت أجواء الحرب في الشوارع المصرية، ونشرت السلطات أعداداً هائلة من قوات الأمن في الميادين الرئيسية بالعاصمة والمحافظات، لمنع أي تظاهرات شعبية منددة بالعدوان الإسرائيلي على غزة، بينما يتحصن المواطنون بشراء الذهب واكتناز الدولار.
سيطرت التحولات الجيوسياسية في المنطقة على حالة الأسواق، وأدت إلى ارتفاع كبير في أسعار الذهب والدولار والسلع الرئيسية.
ارتفع سعر غرام الذهب في السوق المحلية بنحو 15% دفعة واحدة، بعد زيادة بلغت 8% في سعره بالبورصات العالمية.
ملاذ آمن
قفز سعر أونصة الذهب عالمياً من مستوى 1850.7 دولاراً، بعد ساعات من بداية الحرب، ليصل إلى 1976.4 دولاراً اليوم الاثنين، بينما صعد الغرام عيار 21 الأكثر إقبالاً من 2180 جنيهاً إلى 2470 جنيهاً، وبلغ سعر الغرام عيار 24 قيراطاً 2835 جنيهاً.
كما شهد سعر الدولار صعوداً في السوق السوداء إلى 45 جنيهاً، ليتساوى مع قيمة الدولار بسوق الذهب، بعد أن ظل سعر دولار الذهب متراجعاً عن قيمة الدولار النقدي طوال الأسبوع الماضي.
وارتفعت أسعار العملات الرئيسية، إذ صعد الريال السعودي إلى 11.7 جنيهاً، واليورو إلى 47.65 جنيهاً، والجنيه الإسترليني إلى 54.30 جنيهاً، والدينار الكويتي إلى 140.9 جنيهاً، والريال القطري إلى 11.97 جنيهاً، والدرهم الإماراتي إلى 11.7 جنيهاً.
وتعلن البنوك سعر الدولار عند 30.95 جنيهاً، منذ إبريل/نيسان الماضي، مع توجه البنك المركزي إلى عدم تحريك سعر الدولار وجميع العملات، مع تمكين إدارات البنوك من فرض عمولة تدبير عملة للعملاء الراغبين في الشراء، لترتفع بقيمة الدولار وباقي العملات إلى مستوى السعر السائد في السوق الموازية.
وقال خبراء عسكريون مصريون لصحف محلية إنّ "تحول النوايا الإسرائيلية لاقتحام غزة، سيصبح واقعاً". ولفت الخبراء إلى محاولة قوات الاحتلال طرد السكان المقيمين في شمال غزة إلى الجنوب تجاه الحدود المصرية.
وقصفت دبابة إسرائيلية، مساء الأحد، موقعاً عسكرياً أمام معبر كرم أبو سالم، الرابط بين غزة والحدود المصرية، ما أدى إلى إصابات طفيفة لضابط برتبة عقيد، وبتر أطراف جندي، وإصابة 7 آخرين بإصابات خطيرة.
ومنعت قوات الشرطة المنتشرة حول الجامعات، الطلاب من حمل الأعلام الفلسطينية، وحظرت عليهم رفع أي شارات تدل على حالة الحرب والاعتداء الوحشي على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.
وتخشى السلطات من عدم القدرة على السيطرة على حالة الاحتقان التي تنتاب المصريين منذ سنوات، جراء استمرار النظام في قمع المعارضين، وتسببه في أزمة اقتصادية طاحنة، بالتوسع في مشروعات عديمة العائد وشراء أسلحة بقروض هائلة استهدفت بناء تحالفات سياسية، لم تؤت أكلها. فحين دعا النظام حلفاءه الغربيين إلى وقف الحرب في غزة، لم يتلق أي استجابة، بما أفشل مؤتمر القاهرة للسلام، نهاية الأسبوع الماضي.
وسط اضطراب الاقتصاد والوضع الجيوسياسي في المنطقة، يبحث المستهلكون عن الذهب كملاذ آمن لحفظ قيمة مدخراتهم، مع توقعات باقتراب تعويم جديد للجنيه.
وتضاعفت أسعار الذهب 3 مرات منذ مارس/آذار 2022، بينما انخفضت قيمة الجنيه بنحو 50% أمام العملات الرئيسية عام 2022. ويشير خبراء إلى تراجعه بنسبة 25% العام الحالي، في السوق الموازية، و7% بالبنوك، التي احتفظت بسعر موحد للبيع يدار عبر البنك المركزي عند 30.95 جنيهاً منذ نهاية مارس 2023.
كما أدى تثبيت سعر الصرف إلى توقف صندوق النقد الدولي عن استكمال اتفاق مسبق لإعادة هيكلة الاقتصاد، مقابل قرض قيمته 3 مليارات دولار، وضمان من الدول الداعمة لمساعدة الحكومة على مواجهة الأزمة المالية المستفحلة.
مزيد من تراجع الجنيه
يتوقع الخبراء أن تتجه أسعار الذهب والسلع الاستراتيجية نحو المزيد من الارتفاع، في ظل استمرار حالة الحرب، على أن يطبق التخفيض الجديد بقيمة الجنيه، نهاية ديسمبر/كانون الأول المقبل.
كما يتوقع خبراء تأثر الجنيه سلبا بتراجع عائدات السياحة، التي تشهد حاليا حركة إلغاءات واسعة من الأسواق الأوروبية والأميركية، شملت رحلات عيد الميلاد حتى منتصف فبراير/شباط المقبل، بينما ترصد البيانات الرسمية تراجعاً في عوائد تحويلات المصريين بالخارج.
ويتوجه الفيدرالي الأميركي إلى رفع الفائدة على الدولار، خلال الأيام المقبلة، بما يشكل مزيداً من الضغوط على الجنيه مقابل الدولار، ويضع صعوبات جديدة أمام الحكومة في تدبير احتياجاتها لسداد فوائد وأقساط الديون التي تقدر عام 2024 بنحو 29 مليار دولار.
من جانبه، توقع خبير التمويل والاستثمار وائل النحاس تصاعد سعر الدولار إلى ما بين 50 إلى 55 جنيهاً، خلال الربع الأول من العام المقبل. وقال الخبير الاقتصادي لـ"العربي الجديد": "ربما أسرعت الحرب بتصعيد المشهد الذي نتجه إليه منذ أشهر والمتوقع أن يظهر أثرها السيئ بوضوح في عام 2024".
ولفت الخبير الاقتصادي إلى المخاطر التي أثارها تقرير "ستاندرد آند بورز" بتخفيض تصنيف مصر الائتماني السيادي طويل الأجل من "B" إلى "B-"، لا تتوقف عند تماثله مع تخفيضات مماثلة أظهرتها تقارير "موديز" و"فيتش" وإنما في توقع "ستاندرد آند بورز" أن يتخطى سعر الدولار 40 جنيهاً لأول مرة، تأكيداً على أن المخاطر التي يواجهها الاقتصاد المصري ستظل مستمرة لفترة ما بين 12 إلى 16 شهراً.
وأوضح النحاس أن هذه المخاطر تبين أن الأزمة الاقتصادية سيطول أمدها طوال عام 2024، وتستمر في التصاعد عام 2025، على عكس التوقعات السابقة، التي كانت تتنبأ بأن يبدأ المستوى الصاعد في سعر الدولار والتضخم وزيادة الأسعار في الهبوط نحو معدلات أكثر قبولاً، مع زيادة النمو.
خفض تقرير "ستاندرد آند بورز" تصنيف مصر الائتماني، بسبب نقص العملة وتزايد عدم اليقين في قدرة الدولة على تحمل أعباء الدين، متوافقاً من تحذير أصدرته الوكالة في إبريل/نيسان الماضي، بأن السياسات التي تنفذها الحكومة غير كافية لتحقيق استقرار سعر الصرف وجذب تدفقات العملات الأجنبية. وجاء تقرير "ستاندرد آند بورز" بعد 3 أسابيع من تخفيض وكالة موديز التصنيف الائتماني لمصر من "B3" إلى "CAA1"، مع تحذيرات مماثلة من وكالة فيتش التي ستصدر تقريرها النهائي في 3 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.