المصالح الاقتصادية تسرع التقارب المصري التركي

05 مايو 2021
أنقرة تسعى إلى زيادة صادراتها ولا سيما من الملابس إلى القاهرة (فرانس برس)
+ الخط -

تسارعت خلال الفترة الأخيرة، عمليات كسر حالة الجمود بالعلاقات الثنائية بين مصر وتركيا والممتدة لثماني سنوات، إثر موقف أنقرة من الانقلاب على الرئيس محمد مرسي عام 2013. وتفتح زيارة وفد دبلوماسي تركي، برئاسة نائب وزير الخارجية، سادات أونال، للعاصمة المصرية القاهرة، أبواب تحسين العلاقات الاقتصادية.

وكان وزير التجارة التركي، محمد موش، أوضح، أول من أمس، أن بلاده تريد تحسين علاقاتها الاقتصادية مع مصر واستخدام "قربنا من الأسواق الأوروبية والآسيوية والشرق أوسطية بشكل أكثر فاعلية في تجارتنا الخارجية وتعزيز تفوق بلدنا في الإنتاج والتوريد"، معتبراً أن تطوير العلاقات الاقتصادية، سيسير بالتوازي مع العلاقات الدبلوماسية المرشحة للتطور"في الفترة المقبلة".
وهذا يعني برأي مراقبين، طيّ صفحة الخلافات، أو تحييد السياسي منها، لما فيه مصلحة البلدين وشعبيهما، متوقعين توقيع اتفاقية بين مصر وتركيا، لترسيم الحدود البحرية، ومن ثم إعادة النظر باتفاقية التجارة الحرة الموقعة بين البلدين، عام 2005 والتي دخلت حيز التطبيق عام 2007.
يقول رئيس جمعية رجال الأعمال التركية المصرية، أتيلا أتاسون، إن جمعيته تسعى لتعزيز التجارة الثنائية بين مصر وتركيا، مشيراً إلى أن التطورات التي تشهدها العلاقات الدبلوماسية بين البلدين سوف تنعكس بصورة إيجابية على التجارة الثنائية.

ويضيف رئيس الجمعية التي تأسست قبل 18 عاما في القاهرة، وهي تمثل 733 شركة غالبيتها مصرية، أن الجمعية تمتلك استثمارات مباشرة تزيد عن ملياري دولار في مصر، وأن أكثر من 100 ألف عامل مصري يعملون في منشآت تابعة للجمعية، كما حققت صادرات تركية إلى مصر بقيمة 3 مليارات دولار، علمًا بأن حجم التبادل التجاري بين البلدين يبلغ 5 مليارات دولار.

ويوضح خلال تصريحات صحافية منذ يومين، أن هذه الأرقام غير كافية ولا تعكس الإمكانيات التجارية للبلدين؛ "نعتقد أن حجم التبادل التجاري بين البلدين سوف يرتفع إلى 3 أو 4 أضعاف خلال المرحلة المقبلة"، متوقعاً تسارعًا في حركة التبادل التجاري بين البلدين بالتزامن مع التطورات السياسية الإيجابية التي تشهدها العلاقات الدبلوماسية.

ويضيف أتاسون أن قطاع الطاقة يمثل حجر الأساس في التجارة الثنائية بين مصر وتركيا، وأن التطورات التي تشهدها العلاقات الدبلوماسية التركية المصرية سيكون لها انعكاس إيجابي على تجارة البلدين.

وتكبر التوقعات في تركيا، بأن تثمر الزيارة، أو تذيب الجليد على الأقل، لتمهّد لكسر الحواجز الجمركية واللوائح البيروقراطية، التي خلفتها سنوات القطيعة السياسية بين البلدين.
يقول الاقتصادي التركي، أوزجان أويصال، إن بلاده "بدأت بتغيير بعض مواقفها وتفكيرها في العديد من الملفات، خاصة بعد "حرص أوروبا على رفع الجدران بوجه تركيا"، إذ توجهت أنقرة نحو البلاد العربية "اليوم مصر وغدا السعودية" وهو قرار تركي صائب برأيه، لأن التقارب الثقافي وأنماط الإنتاج والاستهلاك، تجعل من العلاقة التركية العربية، أكثر ديمومة واستراتيجية، حتى من العلاقات الأوروبية".

ويضيف أويصال لـ"العربي الجديد" أن مصر "بلد هائل وعريق"، سواء بحجم سوقه، البالغ عدد سكانه 100 مليون نسمة، أو بما يحمله من ميزات تاريخية وتأثير على محيطه العربي وحتى الأفريقي، كما أن مصالح مصر مع تركيا، أهم وأكثر فائدة من تحالفاتها المناوئة "سواء مع الإمارات أو اليونان".

وتابع أن الاستثمارات التركية لم تتأثر بالسياسة ولم تزل استثمارات في "السيارات والبنوك وصناعة الزجاج والبناء والطاقة" وأكثر من 4 آلاف عامل تركي بمصر. وأوضح أن حجم الصادرات التركية إلى مصر، والتي لا تزيد عن 3 مليارات دولار، "قليل جداً" وتقتصر على الحديد والبلاستيك والزيوت المعدنية، في حين أن صادرات تركيا الزراعية والصناعية والعسكرية "نقطة قوة الاقتصاد التركي" لا تصل إلى السوق المصرية، كما تقتصر الواردات من مصر، على النسيج وصناعات كيميائية.
وتشير بيانات معهد الإحصاء ووزارة التجارة التركيين، إلى أن حجم الصادرات التركية إلى مصر 21.9 مليار دولار بين عامي 2014-2020، والواردات من مصر بنحو 12.1 مليار دولار في نفس الفترة، وأن الصادرات التركية لا تزيد عن 3 مليارات دولار.

موقف
التحديثات الحية

ويكشف الجهاز المركزي للإحصاء في القاهرة (حكومي)، تراجع الواردات من تركيا، خلال النصف الأول من العام الماضي، إلى 1.2 مليار دولار، مقابل 1.5 مليار دولار خلال النصف الأول من عام 2019، مضيفا أن الصادرات أيضا انخفضت إلى 619 مليون دولار مقابل 774 مليون دولار. ويرى المحلل المصري ورئيس مجلس إدارة مجلة خيوط الاقتصادية، أحمد المغلاوي، أن العلاقات التجارية المصرية التركية تمتد لسنوات طويلة في عدد من المجالات، وخاصة في مجال النسيج والملابس.

فهناك تبادل تجاري كبير في هذا القطاع وربما تأثر نسبياً في الفترة السابقة، بسبب الخلافات السياسية، ولكن بعودة العلاقات سنرى عودة لارتفاع حجم التبادل التجاري والاستثمارات المتبادلة. ويضيف المغلاوي من القاهرة لـ"العربي الجديد" أن "هناك العديد من المستثمرين الأتراك الذين أقاموا مصانع في مصر مثل "شاهينلر وجيد للملابس" و"نور نيل تكستايل وجولسان" وغيرهما. كل هذه الاستثمارات التركية أقامت مشروعات لتستفيد من اتفاقية الكويز للتصدير لأميركا".

تركيا تفرّق بين السياسة والاقتصاد ولا تريد أن تفرط بعلاقاتها الاقتصادية مع مصر، التي تعتبرها سوقاً مهمة لتصريف إنتاجها ولا بد من المحافظة عليها.

واعتبر أن تحسن العلاقات سيزيد من فرص الاستثمار وزيادته وتنامي حجم التبادل التجاري الذي لم يتأثر كثيراً بالخلافات السياسية. ولم يبتعد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة سابقاً، سيف عبد الفتاح، برأيه عن المغلاوي، إذ يرى أن تركيا تفرّق بين السياسة والاقتصاد ولا تريد أن تفرط بعلاقاتها الاقتصادية مع مصر، التي تعتبرها سوقاً مهمة لتصريف إنتاجها ولا بد من المحافظة عليها.

ويبيّن عبد الفتاح، خلال تصريح سابق لـ"العربي الجديد" أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين، لم تتأثر بطبيعة الحال بعد الانقلاب بمصر، بل زادت في بعض الأعوام عمّا كانت عليه عام 2012، معتبراً أن فصل السياسة عن الاقتصاد من ميزات السياسة التركية، وليست ازدواجية كما يصفها البعض، وخاصة أن العلاقات التركية والمصرية الاقتصادية، جلها لقطاع الأعمال وليس للحكومي "بصرف النظر عن موقفنا كمصريين من الانقلاب والعلاقات معه.. فتلك مصالح دول".

ويعوّل أتراك على زيادة الاستثمارات بمصر، خاصة بواقع التوسع ببناء السكك الحديدية بطول يزيد عن 450 كيلومتراً، يمكن ربطه بخطوط السكك الحديدية الموجودة في السودان، ومساعي القاهرة لتنفيذ مشروع في مجال البنى التحتية يربط البلاد بتسع دول أفريقية، بحسب تصريح سابق لوزير النقل المصري، كامل الوزير في فبراير/ شباط الماضي.

كما أكد الوزير المصري أن القاهرة تعمل على خطة شاملة ستمكن من إنشاء 13 ميناء ومركزا لوجستيا؛ وعليه سيتم تنفيذ 35 مشروعا بقيمة 953 مليون دولار في الأشهر المقبلة. وهي مشاريع بإمكان المقاولين الأتراك ذوي الخبرة في هذه المجالات، المساهمة فيها، حسب مراقبين.

وأعلن وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، منتصف شهر مارس/آذار الماضي، عن بدء اتصالات دبلوماسية بين بلاده والقاهرة من أجل إعادة العلاقات إلى طبيعتها، مشيرا إلى أن أيا من البلدين لم يطرح شروطا مسبقة من أجل ذلك.
ويقول المحلل التركي، يوسف كاتب أوغلو، إن هناك تطورات متسارعة، تحمل رغبة تركية مصرية مشتركة في التهدئة وكسر الجمود وأنتجت مبادرة سياسية لإعادة الدفء إلى العلاقة الباردة بين الجانبين.

ولكن، يستدرك كاتب أوغلو خلال حديثه لـ"العربي الجديد" بأنه من المبكر أن نتكلم عن شراكات وتطور علاقات، خاصة بالمجالات الخلافية الشائكة بين البلدين، ولكن هناك تحولات وتبدلات إقليمية نشطة حبلى بتوقعات، من شأنها أن تغير من طبيعة العلاقات والتحالفات، بالمنطقة برمتها، وهو الذي انطلقت منه تركيا بشكل أساسي، خلال إعادة النظر والتحول بالعلاقات الجامدة مع مصر، منذ ثماني سنوات، أو ربما قريباً مع السعودية.

وحول التقارب وتعزيز العلاقات الاقتصادية، يقول المحلل التركي، إن هذا الملف هو الأهم، حالياً على الأقل لكلا الجانبين، فحجم الاستثمارات أكثر مما يقال في الإعلام، وهو بنحو 8 مليارات دولار، وهناك مساعٍ تركية لزيادتها وتعزيز التواجد بالبوابة الأفريقية، كما للبلدين علاقات جيدة قبل أزمة 2013 وحجم تبادل تعدى 5 مليارات دولار بين البلدين.