المصارف العراقية مأزومة: خلل هيكلي وازدواج ضريبي وفساد عميق

14 سبتمبر 2024
داخل البنك المركزي العراقي في بغداد، 25 مارس 2024 (محمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -

تعاني المصارف العراقية من مشاكل كثيرة تتعلق بهيكليتها التنظيمية، كما تواجه أزمات ومخاطر واسعة بسبب عدم استقرار البيئة النقدية والاستثمارية إلى حد كبير، ما دفع وزارة الخزانة الأميركية إلى مراقبة عدد من المصارف الخاصة وحظر العديد منها، فيما يشكل الفساد الممتد عميقاً في الاقتصاد تحدياً مستمراً أمام القطاع.

ويضم العراق ثمانية مصارف حكومية، كما يتشكل هيكل القطاع المصرفي الخاص العراقي من 32 مصرفًا إسلاميًا و28 مصرفًا تجاريًا. مستشار رابطة المصارف العراقية الخاصة، سمير النصيري، قال لـ"العربي الجديد": "إن عدد فروع المصارف الخاصة بحدود 500 فرع داخل العراق وخارجه، وتوسعت وتطورت تقنيًا وفقًا لأنظمة مصرفية إلكترونية حديثة".

وأشار النصيري إلى أن القطاع المصرفي الخاص في العراق يواجه تحديات عمل أبرزها العقوبات الأميركية التي فرضت على 32 مصرفًا بمنعها من استخدام الدولار الأميركي في التعاملات المصرفية، مما أثر على أنشطتها المحلية والدولية، وأضر بالاقتصاد الوطني.

وبيّن أن أهم المعوقات التي تواجه المصارف حاليًا هي فنية ومالية وإدارية في إجراءات وتعليمات التحوّل الرقمي، مما يتطلب تقديم الدعم الكامل لعملية التحول هذه واستخدام أدوات الدفع الإلكتروني في المؤسسات الحكومية والمختلطة والخاصة، وتحديد سقف زمني للتحول الكامل من استخدام النقد الورقي إلى الدفع الإلكتروني.

وأضاف أن القطاع المصرفي الخاص يعاني من التمايز بينه وبين القطاع المصرفي الحكومي، كما يعاني من ضعف النشاط وانخفاض السيولة والودائع والإيرادات والربحية في أغلب المصارف، خاصة المصارف الـ 32 التي صدرت عقوبات بحقها، فضلاً عن هبوط أسهم أغلب المصارف في سوق التداول في سوق العراق للأوراق المالية.

أزمات المصارف العراقية

وأفاد النصيري بأن المصارف الخاصة تعاني أيضًا من الازدواج الضريبي، حيث تفرض دائرة الضريبة في إقليم كردستان العراق مثلاً على فروع المصارف الخاصة في الإقليم (يتجاوز عددها 70 فرعاً)، تسديد الضريبة السنوية، بينما هذه المصارف وفقاً لقانون هيئة الضرائب الاتحادية النافذ تسدد الضريبة ذاتها مركزياً في بغداد.

وأكد النصيري ضرورة قيام مجلس الوزراء العراقي بحسم الموضوع في الإقليم ووضع حد للازدواج الضريبي، وأن يكون استحصال الضريبة مركزياً حسب القانون واعتماد الحسابات الختامية المدققة والمقدمة إلى الهيئة العامة للضرائب أساساً في التحاسب الضريبي.

وقال الباحث الاقتصادي، عمر الحلبوسي، إن الفساد له تأثير كبير على القطاع المصرفي العام والخاص خصوصاً في العراق، مبيناً أن مصارف في العراق بعد عام 2003 أُسست من الأموال التي سرقها الفاسدون وأصبحت واحدة من الأعباء الكبيرة على القطاع المصرفي والاقتصاد بشكل عام.

وأضاف الحلبوسي لـ"العربي الجديد" أن وجود بيئة خصبة في القطاع المصرفي وفّر الغطاء المالي والقانوني لانتشار الفساد، الأمر الذي ساعد على انتشار الاحتيال والفساد المنظم وفقاً لزيادة عدد المصارف الخاصة فضلاً عن تسابق الدول لفتح فروع لمصارفها في العراق أو شراء مصارف عراقية بغية الانتعاش من الفساد المستشري فيه.

وتحدث الحلبوسي عن أن انتشار الفساد في العراق أدى إلى تكوين الاقتصاد الأسود الذي تقوده أحزاب وفصائل مسلحة، التي استحوذت على الأنشطة الاقتصادية في البلد وربطت أنشطتها من خلال مافيات الفساد التي كونت لها هذا النوع من الاقتصاد. وبيّن أن جيوش الفساد العاملة في العراق كوّنت منظومة خطيرة تهدد الاقتصاد الوطني، وساهمت في انتشار الفقر وسحق طبقات المجتمع العراقي حتى باتت الطبقية واضحة، في ظل وجود فئة تعيش على سرقة أموال الطبقة المسحوقة، وهو ما تسبب بزيادة نسبة الفقر والبطالة سنوياً.

تجذر الفساد

وأضاف الحلبوسي أن الفساد في العراق أصبح سلاحًا يُستخدم من خلال منظومة القضاء والنزاهة لتحقيق أهداف سياسية، وهو جليّ من خلال الكثير من الصراعات الحالية، مؤكداً أن هناك أكثر من طريقة تُستخدم لضرب الخصوم. بدوره، طالب عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي، جمال كوجر، بمراجعة النظام المالي والمصرفي العراقي مراجعة كاملة للحد من التعاملات المشبوهة وغير القانونية.

وبيّن كوجر خلال حديثه لـ"العربي الجديد" أن هناك مصارف عاملة في العراق لا تنطبق عليها شروط ومحددات العمل المصرفي، لعدم امتلاكها سيولة مالية ونقدية، فضلاً عن عدم وجود أي تعامل أو اعتماد بنكي خارجي.

وأوضح أن هناك مصارف تهرب العملة وتقوم بالأنشطة غير القانونية وعمليات الاحتيال المالي وغسل الأموال، وقد تم حظرها من قبل وزارة الخزانة الأميركية والبنك الفيدرالي الأميركي، فضلاً عن وجود مصارف أخرى تعمل لمصلحة جهات سياسية متنفذة.

وأشار إلى أن عدم ثقة المواطنين بالنظام المصرفي العراقي دفع الكثيرين منهم إلى عدم التعامل المباشر مع البنوك، والعزوف عن الادخار الذي تسبب بوجود كتلة نقدية ضخمة خارج البنوك.

المساهمون