تشهد أسواق الذهب في مصر أكبر حركة مضاربات على أسعار البيع والشراء لليوم العاشر على التوالي، أدت إلى رفع سعر الغرام عيار 21 الأكثر مبيعاً، إلى معدلات قياسية تزيد 30%، عن قيمته السائدة بالبورصات الدولية.
صعد سعر الغرام إلى 2800 جنيه في الساعات الأخيرة من الأسبوع الماضي، ليهبط فجأة إلى 2650 جنيهاً، ظهر الجمعة، ويستقر عند 2600 جنيه، ظهر اليوم السبت.
وهي الظاهرة التي وصفها كبار موزعي الصاغة بوسط القاهرة، بوجود مضاربين كبار وجهوا أموالاً ضخمة لشراء كميات هائلة من الذهب، استهدفت السيطرة على الكميات المعروضة لدى التجار، للتحكم في أسعار البيع والعرض، خلال فترة لاحقة، في ظل وجود قيود استيراد الذهب من الخارج، واحتفاظ السوق بكميات محدودة من المعروض محلياً لا تزيد عن 30 طناً سنوياً.
إقبال على الشراء
وأكد أعضاء في شعبة الصاغة والمشغولات الذهبية بالغرفة التجارية أنّ سوق الذهب يشهد إقبالاً هائلاً على الشراء، رغم تصاعد الأسعار، في ظل وجود سيولة هائلة خرجت من البنوك، تقدر بنحو 700 مليار جنيه، بعد فك ودائع شهادات ادخار ذات العائد 18%، فضّل أصحابها الاستثمار في الذهب كمخزن للقيمة، في وقت يتحكم عدد محدود من سماسرة الذهب "المسواقجية" الذين يديرون محافظ مالية هائلة للشراء، أملاً في التحكم بالأسعار، وتحقيق مبالغ طائلة من عمليات المضاربة بإعادة البيع والشراء للجمهور الذي يقبل على الذهب وفقاً لـ"سياسة القطيع".
وحدد عضو الشعبة أحمد سمير، في بيان أصدره اليوم السبت، أسماء بعض "المسواقجية"، مؤكداً أنّ "الدولة تعرفهم، وتتركهم للعمل بالسوق"، في ظل تدافع المواطنين على شراء الذهب، الذي رفع قيمة الدولار وفقاً للأسعار السائدة إلى نحو 50 جنيهاً بالسوق الموازية، بينما يظل ثابتاً عند التعامل النقدي على الدولار في البنوك بنحو 31 جنيهاً، و37 جنيهاً بالسوق السوداء.
وفسّر سمير الأمر بأنّ الحكومة "تبدو غير قلقة من ارتفاع أسعار الذهب والمضاربة عليه، بعد أن أصبح الطلب على الذهب بديلاً جيداً للحدّ من المضاربة على شراء الدولار، وعدم تأثر الاقتصاد، بإعادة تدوير الثروات التي سيكون لها ضرر على الأفراد غير المدركين لما يحاك لهم في سوق المضاربات".
ويمتنع تجار الذهب عن شراء المصوغات، خوفاً من انهيارات متوقعة في التسعير، بينما يندفع المشترون على الشراء، رغم تحذيرات الخبراء، مندفعين وراء مخاوف بتراجع كبير في سعر العملة، مع توقع مؤسسات مالية كبيرة، بانخفاض قيمة الجنيه، خلال الأيام المقبلة، أمام الدولار والعملة الصعبة، بسبب شح الموارد المالية للحكومة، وعدم حصولها على الدفعة الثانية من قرض صندوق النقد الدولي وتمويلات خليجية تقدر إجمالاً بنحو 14 مليار دولار.
واكب ظاهرة المضاربة على الذهب، إقبال على تعاملات المشترين في بورصة الأوراق المالية التي انتهت الأسبوع الماضي، على صعود غير متوقع، فاق 17 ألف نقطة، متأثرة بارتفاع سهم البنك التجاري الدولي، الذي تعرض لخسائر خلال الأسبوعين الماضيين، مع تراجع قيمته في بورصة لندن، وزيادة سعر سهم شركة "باكين" للأصباغ المعروضة للبيع لشركات إماراتية، وما زالت في مرحلة التقييم النهائي.
التحول للدولار الرقمي
وفسّر خبير التمويل والاستثمار وائل النحاس، ظاهرة المضاربات وتحولات الأسواق المفاجئة بأنّ "هناك شخصيات ومؤسسات تدير المشهد الاقتصادي، على علم بالتحولات التي سيشهدها النظام الدولي في التعامل على الدولار، والتي ستطبق بنهاية العام الحالي".
وقال النحاس، لـ"العربي الجديد"، إنّ "المضاربة على شراء الذهب والتحول السريع نحو شراء الأصول في البورصة، تعكس رغبة أصحاب الأموال الكبيرة، للابتعاد عن حمل الدولار الورقي أو المضاربة به، في ظل تحول الولايات المتحدة لتفعيل الدولار الرقمي".
ويحل الدولار الرقمي محل الورقي في التعاملات المالية الدولية ويبدأ تعميمه، وفقاً للنحاس، بـ"تعويض حملة الأسهم في البنوك الأميركية التي أفلست أو تتعرض للإفلاس خلال الفترة المقبلة، تقدر أصولها بنحو 2.1 تريليون دولار".
وأكد أنّ "التوجه الأميركي نحو الدولار الرقمي الذي وافق الكونغرس على مشروع قانون للعمل به، في فترة ستحدد في سبتمبر/ أيلول المقبل، دفع الأفراد والمؤسسات التي تريد إبعاد أموالها عن الرقابة الأميركية عن سطوة الدولار الورقي، باللجوء إلى اكتناز الذهب والأصول المالية في الشركات".
وأوضح النحاس أنّ "هناك مخاوف لدى صناديق تحوط ومؤسسات كبرى في المنطقة العربية ومصر، ترغب في الابتعاد عن الدولار، بتسييل الأصول في الذهب، واللجوء إلى عملات بديلة، مع علمها أنّ الولايات المتحدة، ستعمل على إعدام كميات هائلة من الدولارات".
وبيّن أنّ "إعدام الدولارات عبر النظام الرقمي، سيشمل كل جهة أو نشاط أو أفراد لن تتمكن من إثبات مصدر الدولار الورقي، ومطابقته لضوابط الحيازة التي يضعها الكونغرس لملاحقة مخالفي الأنظمة ورموزها، ومكافحة تجارة السلاح والمخدرات والرشاوى الدولية، بما سيجعل انتقال الدولار عبر الحدود خاضعاً لرقابة مشددة".
وبرر النحاس دوافع الحكومة المصرية بتأجيل طرح الشركات العامة للبيع لمستثمرين رئيسيين أجانب أو رئيسيين مصريين في الفترة السابقة، "لعلمها بتوجه الحكومة الأميركية للعمل بالدولار الرقمي، بما سيحدث تغييراً شاملاً في هوية العملة الخضراء، حيث ستبدأ في خفض قيمة الفائدة على الدولار، وضبط تعاملاته في السوق السوداء، حيث تصبح جميع أرصدته تحت رقابة الدول، والفيدرالي الأميركي، ويرفع من قيمة الأصول المالية، ويعيد التوازن في سوق الذهب، بعيداً عن مضاربات جماعات المصالح غير القانونية".
ويقدّر خبراء الصاغة كميات أرصدة الذهب المتراكمة لدى المصريين خلال 50 عاماً بنحو 800 طن، شاملة الموجودة لدى التجار والمواطنين المحتفظين بها لمشغولات ذهبية أو مخزن للقيمة.
وتشهد الأسعار ارتفاعاً محلياً في ظل تراجع أسعار الشاشة العالمية للأونصة من مستوى 2000 دولار إلى 1989.7 دولاراً، ويباع الغرام عيار 24 في مصر بسعر 2971 جنيهاً، والعيار 21 بــ 2600 جنيه، و18 بــ 2228 وعيار 14 بسعر 1733 جنيهاً، بينما وصل سعر الجنيه الذهب إلى نحو 20 ألف جنيه مصري.
وتزيد أسعار الذهب الجنونية في مصر عن مثيلاتها في الخارج بنحو 30% عن المعدلات الدولية، وتفوق بنسبة 20% الأسواق المناظرة في الدول التي تشهد حروباً، منها سورية والسودان.