المستوطنون يخنقون غزة: حرب على المساعدات تفاقم المجاعة

20 فبراير 2024
يواجه الفلسطينيون في القطاع جوعاً شديداً مع استمرار الحرب (عبد زقوت/الأناضول)
+ الخط -

شهدت الأسابيع الأخيرة انخفاضاً ملموساً في أعداد المساعدات والشاحنات الواردة إلى قطاع غزة نتيجة للتظاهرات التي يقوم بها المستوطنون الإسرائيليون قرب معبر كرم أبو سالم التجاري الذي يفصل بين غزة والأراضي المحتلة عام 1948.

وللأسبوع الثالث على التوالي تشهد أعداد الشاحنات الواردة لغزة تراجعاً ملحوظاً في ظل حرب التجويع والإبادة التي يتعرض لها قرابة 2.3 مليون نسمة في القطاع المحاصر إسرائيلياً للعام الثامن عشر على التوالي.

في هذا السياق، يقول مسؤول في الهيئة العامة للمعابر والحدود في غزة إنه في الأسبوعين الماضيين تأثرت حركة الشاحنات المحملة بالمساعدات إلى قطاع غزة بفعل الاحتجاجات التي ينظمها المستوطنون قرب المعابر التي تفصل القطاع والأراضي المصرية عن الأراضي المحتلة.

ويضيف المسؤول الذي تحفظ على ذكر هويته لأسباب خاصة، في حديثه لـ "العربي الجديد" أن بعض الأيام شهدت عدم دخول أي شاحنة إلى القطاع جراء هذه الاحتجاجات التي تبدو مقصودة وموجهة للتأثير على حجم المساعدات التي تدخل لغزة.

ويشير إلى أنه في الفترة التي سبقت هذه الاحتجاجات كان يدخل إلى القطاع ما نسبته 200 شاحنة بعضها لوكالة "أونروا" والبعض الآخر لصالح الهلال الأحمر الفلسطيني ضمن المساعدات التي تدخل لغزة.

ويلفت إلى أن هذه الشاحنات عادة ما تكون محملة ببعض الأدوية والمواد الغذائية إلى جانب شاحنات المياه، وكان يجري تسليمها لصالح هاتين الجهتين وفقاً لما هو متعارف عليه منذ أواخر أكتوبر/ تشرين الأول 2023 حينما سمح الاحتلال بدخول المساعدات.

ويوضح المصدر أن مخازن "أونروا" فرغت بشكلٍ تام، جراء عدم انتظام دخول المساعدات ما تسبب في توقفها لمدة يومين عن تسليم الطحين، وانعكس بالسلب على أسعاره الموجودة في الأسواق حيث وصلت الأسعار من 50 شيكلاً إلى 130 شيكلا. (الدولار= 3.62 شواكل إسرائيلية)

ومنذ السابع من أكتوبر الماضي، أوقف وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت دخول الشاحنات التجارية إلى القطاع، فضلاً عن قطع التيار الكهربائي وسلسلة من العقوبات التي طاولت الفلسطينيين في غزة على خلفية عملية "طوفان الأقصى".

ويقع معبر كرم أبو سالم في رفح، عند نقطة الحدود المصرية الفلسطينية الإسرائيلية، وكان مخصصا قبل العدوان للحركة التجارية بين القطاع وإسرائيل.

وفي بداية الحرب، أعلنت تل أبيب إغلاق المعابر المؤدية إلى قطاع غزة من خلال إسرائيل، لكن بعد ضغوط أممية ودولية سمحت تل أبيب بدخول مساعدات إنسانية محدودة جداً إلى غزة.

وتخلو أسواق القطاع في جنوبه ووسطه من الكثير من السلع الأساسية لا سيما فيما يتعلق المواد الغذائية كالخضروات واللحوم والفواكه، في الوقت الذي يعاني فيه سكان مدينة غزة وشماله من مجاعة حقيقية دفعت السكان للاعتماد على علف الحيوانات لصناعة الخبز.

علاوة على ذلك، فإن الكثير من السلع قفزت أسعارها بشكلٍ كبير جراء الارتفاع الضخم من قبل بعض سماسرة المساعدات والتجار في أسعارها، ما عزز من الأزمة الغذائية وفاقم الأوضاع الإنسانية السيئة بفعل الحرب المتواصلة للشهر الخامس على التوالي.

كما أدى تكرار حالة النزوح من مكان إلى آخر بالذات مع التهديدات الإسرائيلية المتواصلة بشن عملية عسكرية في رفح، إلى تعزيز حالة النقص الشديد في المواد الغذائية وسط خشية لدى السكان من التبعات المترتبة في حال نفذ الاحتلال تهديداته.

وقبل السابع من أكتوبر 2023 كان القطاع يستقبل يومياً ما لا يقل عن 500 شاحنة تجارية محملة بالبضائع والوقود وغاز الطهي، وكانت غالبيتها تتبع للقطاع التجاري والخاص، إلا أنه ومنذ الحرب فرغت الأسواق من هذه السلع.

وفاقم الحصار من معيشة سكان غزة، البالغ عددهم نحو 2.3 مليون فلسطيني والذين يعانون بالأساس من أوضاع متدهورة للغاية؛ جراء حصار متواصل منذ 18 عاما.

وكانت وسائل إعلام إسرائيلية وعربية أشارت في وقتٍ سابق إلى أن جمعيات إسرائيلية مرتبطة بحزب الليكود الذي يترأسه بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي هي من تقود التظاهرات المرتبطة بعرقلة دخول المساعدات للقطاع.

إلى ذلك، تؤكد الناطقة باسم جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني نبال فرسخ أن الجمعية لم تتسلم منذ أكثر من أسبوع مساعدات عبر معبر رفح بسبب استمرار تظاهرات الإسرائيليين التي تعرقل عملية تفتيش الشاحنات من قبل سلطات الاحتلال عند معبر العوجا.

وتوضح فرسخ في تصريحات خاصة لـ "العربي الجديد" أن معبر كرم أبو سالم الواقع جنوب شرقي القطاع لا يزال يعمل لإدخال المساعدات لمنظمات تابعة للأمم المتحدة إلى جانب المساعدات الأخرى التي تصل إلى غزة.

وتشير إحصائيات الجمعية إلى أن طواقمها استلمت 6947 شاحنة من الهلال الأحمر المصري عبر معبر رفح منذ 21 أكتوبر الماضي حتى مطلع فبراير/شباط الجاري، وتحتوي الشاحنات على طعام وماء ومساعدات إغاثية ومستلزمات طبية وأدوية.

ويقدر إجمالي الشاحنات الكلية التي دخلت الى القطاع عبر معبر كرم أبو سالم التجاري منذ تاريخ 18 ديسمبر/ كانون الأول الماضي وحتى تاريخ 1 فبراير الجاري قرابة 2884 شاحنة، فيما بلغ إجمالي حصة الجمعية من الشاحنات عبر المعبرين 4990 شاحنة وتم توزيع عدد 4841 شاحنة لصالح "أونروا" وجهات أخرى ذات علاقة.

ولفتت فرسخ إلى أن عدد مركبات الإسعاف التي تسلمتها الجمعية بلغ 95، وجرى توزيعها وفق آلية معتمدة بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، في حين تواصل طواقم الهلال الأحمر استلام المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح بالتنسيق مع "أونروا" وتسلَّم المساعدات لوزارة التنمية الاجتماعية والمؤسسات المعنية لتتولى بدورها توزيعها على المستفيدين.

ووفق الناطق باسم جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني فإنه جرى تسليم ما نسبته 79% من حصتها من الشاحنات الغذائية والإغاثية لوزارة الشؤون الاجتماعية، وحوالي 16% لـ"أونروا" ومؤسسات أخرى، أما بالنسبة للمساعدات الطبية والأدوية فقد سلّمت الجمعية حوالى 72.5% من المساعدات الطبية لوزارة الصحة و4% لـ"أونروا" وحوالى 18% لمستشفيات المجتمع المحلي والخاصة.

قبل السابع من أكتوبر 2023 كان القطاع يستقبل يومياً ما لا يقل عن 500 شاحنة تجارية محملة بالبضائع والوقود وغاز الطهي

أما في ما يخص شمالي القطاع، فتشدد فرسخ على أن هذه المنطقة تعاني من مجاعة حقيقية حيث إن الهلال الأحمر لم يتمكن من إدخال سوى 315 شاحنة إلى مدينة غزة والشمال، وكانت هذه خلال فترة الهدنة الإنسانية التي شهدت صفقة تبادل أسرى.

وتحذر من التبعات المترتبة على استمرار منع إدخال المساعدات والأدوية على المشهد الإنساني حيث بدأ سكان القطاع وخصوصا محافظتي غزة والشمال في استخدام أعلاف الحيوانات وطحن بعض الحبوب لتوفير أصناف بديلة للطعام.

ويعاني أكثر من 25% من الأسر في قطاع غزة من الجوع الشديد في ظل خطر حدوث مجاعة خلال الأشهر الستة المقبلة إذا لم يتوفر ما يكفي من الغذاء والماء النظيف وخدمات الصحة والصرف الصحي، وفقاً لتقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي التابع للأمم المتحدة.

وأكد التقرير أن جميع سكان غزة "يعانون من أزمة أو مستويات أسوأ من الانعدام الحاد للأمن الغذائي". وأظهر التقرير أن 26 بالمائة من السكان (نحو 577 ألف شخص) قد استنفدوا إمداداتهم الغذائية وقدراتهم على التكيف ويواجهون جوعاً كارثياً.

وشدد برنامج الأغذية العالمي على ضرورة توفير مزيد من المواد الغذائية الطارئة والمساعدات متعددة القطاعات لمنع انتشار الوفيات على نطاق واسع.

وقال البرنامج إن إعادة فتح معبر كرم أبو سالم الحدودي يمهد الطريق أمام تدفق مزيد من المواد الغذائية وغيرها من إمدادات الإغاثة إلى غزة.

وشدد على ضرورة استمرار وصول المساعدات وتسريع وتيرتها بفتح مزيد من المعابر الحدودية وضمان ظروف العمل داخل غزة للسماح بتوصيل الإغاثة بشكل آمن ومنظم إلى جميع المحتاجين.

المساهمون