خضع رئيس حكومة المجر القومي المحافظ فيكتور أوربان لضغوط الاتحاد الأوروبي، في اجتماع خاص عُقد أمس الخميس، من أجل فرض تراجع في مواقفه التي هدد من خلالها باستخدام الفيتو في وجه منح الاتحاد حزمة مساعدات اقتصادية تبلغ 50 مليار يورو لإنقاذ اقتصاد أوكرانيا.
فحتى ساعات قبيل الاجتماع الأوروبي، كان أوربان يستخدم تمنعه للحصول على تنازلات أوروبية بشأن أموال أوروبية محتجزة وكانت مقررة لإنعاش الاقتصاد المجري. وبحسب ما يرشح صباح اليوم الجمعة، فإن أوربان وجد نفسه أمام ضغوط كبيرة وتهديد باستخدام العصا، خصوصا في القمة التي جمعته بالمستشار الألماني أولاف شولتز والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة حكومة إيطاليا جورجيا ميلوني، بحضور قادة الاتحاد الأوروبي.
أراد أوربان رؤية جزرة اقتصادية، أو على الأقل تنازل من قادة بروكسل بشأن أموال المجر المتبقية في خزينة أوروبا، وتستمر في احتجازها إلى أن يقوم الرجل بإصلاحات تشريعية تعيد الأمور إلى ما يسميه الأوروبيون "انسجاما مع قيم الاتحاد، وخاصة قضية فصل السلطات بعضها عن بعضها". بدا واضحا أن الأمور أصعب مما تخيله أوربان في مناوراته التي جعلت الأموال لأوكرانيا رهنا بحصوله على تنازلات أوروبية. فقد صرح رئيس حكومة بولندا الجديد (والمسؤول السابق في الاتحاد الأوروبي)، دونالد توسك، بعبارات قاسية، بأن "الأمور متروكة الآن لفيكتور أوربان أن يقرر بنفسه ما إذا كانت المجر جزءا من الاتحاد الأوروبي أم لا".
أوربان رغب أيضا بحفظ ماء الوجه بعدما لاحظ الغضب الأوروبي عليه، من البرتغال جنوبا حتى كوبنهاغن واستوكهولم شمالا، فراح يشيع أنه حصل على تنازل يتعلق بـ"تقييم مستمر للأموال التي تصرف إلى أوكرانيا"، وفق ما نقلت عنه وكالات وصحافة أوروبية. ومع ذلك، سرعان ما أكدت رئاسة المفوضية الأوروبية أنها "تفعل ذلك في كل الأحوال".
وأوربان يعيش أصلا على "التقييم" الأوروبي منذ جائحة كورونا عام 2020 بشأن الحزم المالية المشروطة بـ"تناسبها" مع سياسات ومبادئ الاتحاد الأوروبي، وليس على أساس سياسي.
وتجاوز عقبة "فيتو أوربان"، ولو مؤقتا، يعني عمليا أن الأوروبيين اتفقوا أيضا على أرقام إضافية لميزانية لقارتهم متعددة السنوات، حتى عام 2028. فإلى جانب الـ50 مليار يورو لأوكرانيا (17 مليار كمنح والباقي على شكل قروض ميسرة)، خصصت أوروبا مليارين إضافيين للهجرة واللجوء وإدارة الحدود، ومليارين إلى أداة المرونة للاتحاد الأوروبي و1.5 مليار لاحتياطي التضامن والمساعدات و7.6 مليارات للجوار (في سياق توسيع الاتحاد الأوروبي) ودول العالم الجنوبي، بينما كان نصيب صندوق الدفاع الأوروبي للتكنولوجيا الاستراتيجية 1.5 مليار يورو، ذلك وفقا لأرقام المجلس الأوروبي.
وحتى الأرقام المخصصة لأوكرانيا، تحت يافطة التعافي وإعادة البناء، تتطلب أيضا قيام حكومة كييف بإعداد خطة تحدد أجندة الإصلاح والاستثمار. وللحصول على التمويل يجب على أوكرانيا أن تدعم وتحترم ما يلي: الآليات الديمقراطية، بما في ذلك النظام البرلماني المتعدد الأحزاب، وذلك وفقا لما نشره موقع المجلس الأوروبي. إضافة إلى ذلك، يتعين عليها ترسيخ "سيادة القانون" لضمان حقوق الإنسان، بما في ذلك حقوق الأشخاص المنتمين إلى الأقليات. المسألة الحيوية للأوروبيين، الذين جعلوا أوكرانيا في ديسمبر/كانون الأول الماضي في موقع التفاوض على عضوية الاتحاد الأوروبي، هي قيام كييف بالانسجام مع متطلباته بمكافحة الاحتيال والفساد وتضارب المصالح (لاستهداف الأوليغارشية الأوكرانية). المجلس الأوروبي منوط به متابعة سنوية لتلك المتطلبات، وسيتقدم في غضون عامين بمقترحات حيال مراجعة تلك الأموال وصرفها وتجاوب كييف مع مكافحة الفساد.
أوربان منشغل بتدهور اقتصاد المجر
الشغل الشاغل لرئيس حكومة المجر أوربان لا يتعلق بالمال الذي تريد أوروبا صرفه على الاقتصاد الأوكراني الذي يعاني منذ فبراير/شباط 2022 تحت وطأة حرب طاحنة. فالاقتصاد المجري نفسه هو الشغل الشاغل لأوربان. فقد أضر التضخم وارتفاع الأسعار وأزمة الطاقة ضررا شديدا باقتصاد بودابست. ويحتاج أوربان بشدة إلى نحو 21 مليار يورو لا تزال محتجزة (من أصل 31 مليارا مخصصة للإنعاش). وللإفراج عنها يشترط الأوروبيون خطوات مجرية ملموسة بشأن إصلاح ما يسمونه "سيادة القانون"، بعدما خطى أوربان وتحالفه اليميني الحاكم خطوات كثيرة في السنوات الماضية على مستوى التحكم بكثير من السلطات.
رضوخ أوروبان، بفضل ضغوط ماكرون وشولتز ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين ورئيس المجلس الأوروبي تشارلز ميشيل، لم يحمل معه تعهدات أوروبية متعلقة بتلك الأموال المجمدة والمخصصة لبودابست.
ويبدو أن تسريبا لصحيفة "فايننشال تايمز"، الاثنين الماضي، عن إمكانية استهداف أوروبا لاقتصاد المجر إذا واصل أوربان تحدي قراراته وميزانيته، ساهم إلى حد كبير في الوصول إلى "تسوية". فاقتصاد المجر غير قادر على مواجهة المزيد من القيود الأوروبية، ويعقد أوربان آمالا على حدس الأوروبيين وعدم رغبتهم في نشوء متواليات الانهيار الاقتصادي في وسط أوروبا، كما جرى مع إيطاليا واليونان سابقا، لأجل الإفراج عن 21 مليارا بالسرعة الكافية التي تجنب بلاده انتكاسة كبيرة.
عملياً، تبقى أمام أوربان ورقة مساومة أخيرة لفرض الإفراج عن الأموال المجمدة (21 مليار يورو)، وهي المتعلقة بضرورة تمرير بلاده عضوية السويد في حلف شمال الأطلسي (ناتو). هذا في الوقت الذي تتزايد فيه الدعوات في البرلمان الأوروبي لفرض تطبيق المادة السابعة من القانون الأوروبي لحرمان المجر من حق التصويت في مؤسسات وهيئات الاتحاد الأوروبي، لتجاوز عقبة الفيتو ضد 26 دولة أخرى عضو في معسكر أوروبا، وخصوصا في ما يتعلق بسياسات القارة في أوكرانيا وعلاقتها بروسيا مستقبلا.
فأمام أوروبا تحد جديد يتعلق بتمرير 20 مليار يورو مخصصة لصندوق الدعم العسكري والذي اقترحه منسق الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في الخريف الماضي.